شعار قسم مدونات

ماليزيا وآسيان 2025: تعزيز التحالفات مع الخليج!

ولي العهد السعودي بافتتاح قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بالرياض،
مارست المملكة العربية السعودية دورًا محوريًّا في تعزيز العلاقات بين آسيان ومجلس التعاون لدول الخليج من خلال تنسيق قمة الرياض في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 (الجزيرة)

في سياق ديناميكي يعكس تغيرات جوهرية في النظام الدولي، تستعد ماليزيا لتولي رئاسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لعام 2025 في لحظة حاسمة، حيث تتقاطع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم بطريقة تؤثر على استقرار المنطقة وتنميتها.

تأتي هذه الرئاسة كفرصة ذهبية لماليزيا لتعزيز التعاون الإستراتيجي بين آسيان ومجلس التعاون لدول الخليج العربية والصين، وهي خطوة تأمل ماليزيا أن تساهم في صياغة نظام دولي أكثر توازنًا واستقلالية وسط تحديات عالمية متزايدة.

ويعزز إعلان رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم عن استضافة ماليزيا قمة مشتركة تضم آسيان ومجلس التعاون الخليجي والصين، أهمية هذه الخطوة، كإستراتيجية تهدف إلى تحقيق التعاون متعدد الأطراف.

ترتكز رؤية ماليزيا لرئاسة آسيان على ثلاثة محاور رئيسية: السياسة والأمن، والاقتصاد، والثقافة الاجتماعية

لمحة عن رابطة آسيان

تأسست رابطة آسيان في 8 أغسطس/ آب 1967، وتضم عشر دول، هي: بروناي، وكمبوديا، وإندونيسيا، ولاوس، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وفيتنام، في حين تنتظر تيمور الشرقية الحصول على العضوية الكاملة.

ومع استمرار تقدم الرابطة نحو تحقيق أهدافها، تسعى ماليزيا إلى تعزيز دورها كمنصة للتعاون الاقتصادي والسياسي على المستويين: الإقليمي والدولي، ما يجعلها مهيأة لمواجهة التحديات المتصاعدة.

إعلان

الإستراتيجية الماليزية: توازن سياسي وأمني

ترتكز رؤية ماليزيا لرئاسة آسيان على ثلاثة محاور رئيسية: السياسة والأمن، والاقتصاد، والثقافة الاجتماعية. ففي المجال الأمني، تسعى ماليزيا لتعزيز التعاون بين آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التهديدات المشتركة، كالإرهاب والقرصنة البحرية.

تُبرز ماليزيا مفهوم "مركزية آسيان" كمبدأ يدعم استقلالية دول آسيان، ويعزز قدرتها على اتخاذ قراراتها بعيدًا عن تأثير القوى الكبرى، مثل الصين والولايات المتحدة. وقد تجلى هذا التوجه في دعم ماليزيا لسياسة الحياد، إذ تعمل على تحقيق توازن دقيق في منطقة تعج بالتحديات الجيوسياسية.

تمثل آسيان ومجلس التعاون الخليجي كتلتين اقتصاديتين بارزتين عالميًّا، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لآسيان نحو 3.6 تريليونات دولار، مع تعداد سكاني يتجاوز 680 مليون نسمة

أهمية الشراكة مع الخليج

مارست المملكة العربية السعودية دورًا محوريًّا في تعزيز العلاقات بين آسيان ومجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال تنسيق قمة الرياض في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث تم الترحيب بإطار التعاون بين الجانبين للفترة 2024-2028، الذي يهدف إلى تعزيز الشراكات في مجالات السياسة والأمن، والاقتصاد، والثقافة.

لذا، تعتزم ماليزيا بصفتها المنسق الرئيسي بين مجلس التعاون وآسيان، أن تعمل بديناميكية أكبر لتعزيز الروابط مع الدول الخليجية خلال رئاستها المقبلة.

التبادل التجاري والاستثمار المستدام

تمثل آسيان ومجلس التعاون الخليجي كتلتين اقتصاديتين بارزتين عالميًّا، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لآسيان نحو 3.6 تريليونات دولار، مع تعداد سكاني يتجاوز 680 مليون نسمة، ما يؤهلها لأن تصبح رابع أكبر اقتصاد عالمي بحلول عام 2030.

من جهة أخرى، تتمتع دول الخليج بناتج محلي إجمالي يبلغ نحو 2.3 تريليون دولار، ما يجعلها شريكًا مثاليًّا لدول آسيان في تعزيز التعاون الاقتصادي.

وقد أسهم هذا التعاون في تعزيز الروابط الاقتصادية، حيث وصل حجم التجارة المتبادلة بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي إلى أكثر من 100 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة.

لا يقتصر التعاون بين آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى المجال الثقافي والسياحي، حيث تسعى ماليزيا إلى جعل آسيان وجهة مفضلة للسياح من دول الخليج

دور الصين في دعم التعاون الثلاثي

تأخذ الصين دورًا أساسيًّا في تعزيز العلاقات بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي، وذلك من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، التي دعمت مشاريع بنية تحتية ضخمة في جنوبي شرقي آسيا.

إعلان

إضافة إلى ذلك، استثمرت الصين بشكل كبير في قطاع الطاقة المتجددة بدول مجلس التعاون الخليجي، ما يعزز إمكانية إنشاء إطار تعاون ثلاثي يشمل آسيان ومجلس التعاون الخليجي والصين، ويركز على التنمية المستدامة. لذا، يُعتقد أن يسهم هذا التعاون الثلاثي في بناء نموذج إقليمي يساهم في تحقيق النمو المستدام، ويعزز الاستقرار الإقليمي.

التعاون الثقافي والسياحي بين آسيان والخليج

ولا يقتصر التعاون بين آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى المجال الثقافي والسياحي، حيث تسعى ماليزيا إلى جعل آسيان وجهة مفضلة للسياح من دول الخليج، خاصة مع تزايد الطلب على الخدمات السياحية الحلال.

ويُعتبر قطاع السياحة الحلال جسرًا للتواصل بين الثقافات، حيث يجري العمل على تسهيل إجراءات التأشيرات، وتوسيع الروابط الجوية لتعزيز حركة السياح. جميع هذه المبادرات ستعزز من دور آسيان كوجهة سياحية جاذبة، وتساهم في تقوية الروابط الشعبية والثقافية بين الجانبين.

التحديات الجيوسياسية: الحياد في ظل التنافس الأميركي-الصيني

في ظل التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، تسعى دول آسيان إلى اتباع سياسة الحياد للحفاظ على استقلالية قراراتها، وعدم الانحياز لأي من القوتين. ورغم أن الصين تعتبر الشريك التجاري الأكبر لكل من آسيان ومجلس التعاون الخليجي، فإن التوترات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي تفرض بعض الحذر في العلاقات.

لذا، تهدف ماليزيا من خلال تعزيز "مركزية آسيان" إلى تقوية موقف الرابطة كقوة مستقلة، تستطيع اتخاذ قراراتها بعيدًا عن تأثير القوى الكبرى، ما يمكنها من الاستفادة من علاقاتها الاقتصادية مع الصين وأميركا دون الانزلاق إلى صراعات جيوسياسية.

تسعى ماليزيا إلى تحقيق هذه الرؤية من خلال إستراتيجية متوازنة، تعزز التعاون مع الخليج والصين دون المساس باستقلالية الرابطة

رؤية مستقبلية: نحو شراكة إستراتيجية متعددة الأطراف

تسعى ماليزيا إلى تحقيق رؤية إستراتيجية تعزز من التعاون الثلاثي بين آسيان، ومجلس التعاون الخليجي، والصين. من المتوقع أن يكون لهذا التعاون دور حيوي في تحقيق نمو اقتصادي مستدام، وبناء شبكات اقتصادية وتجارية جديدة تدعم الاستقرار الإقليمي.

إعلان

ومع التركيز على الشراكات المستدامة، يمكن أن يكون التعاون بين الأطراف الثلاثة نموذجًا للتعامل مع التحديات العالمية بطريقة متوازنة وفعّالة.

اختبار القيادة الماليزية: تحقيق الاستقلالية والنمو المشترك

تمثل رئاسة ماليزيا لرابطة آسيان في عام 2025 فرصة تاريخية لتقوية العلاقات بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي والصين، كما تمثل تحديًا كبيرًا في تحقيق توازن بين المتطلبات الاقتصادية والأمنية والثقافية.

لذلك، تسعى ماليزيا إلى تحقيق هذه الرؤية من خلال إستراتيجية متوازنة، تعزز التعاون مع الخليج والصين دون المساس باستقلالية الرابطة. ومن شأن هذه الشراكة أن تفتح آفاقًا جديدة لتعزيز مكانة آسيان ومجلس التعاون الخليجي كقوى إقليمية فعالة تسهم في صياغة نظام عالمي أكثر استقرارًا وازدهارًا.

في النهاية، فإن ماليزيا تستعد لتكون قوة دافعة نحو توحيد الجهود بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي والصين، ما يعكس التزامها بتحقيق تعاون متعدد الأطراف، يعزز مصالح الأطراف المشاركة، ويؤسس لنظام عالمي أكثر استقرارًا وازدهارًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان