في الوقت الذي تعيش فيه إسرائيل حالة من القلق المستمر، تزايدت المؤشرات العالمية التي تشير إلى أن الصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله، إضافة إلى تلك التي تساهم بها إيران في المنطقة، تمثل تهديدًا إستراتيجيًا على أمن الدولة العبرية.
ولكن ماذا عن الصواريخ الإسرائيلية؟ ولماذا ينظر العالم إلى صواريخ "إسرائيل" على أنها أكثر أذية وتأثيرًا من صواريخ المقاومة؟
تُعد صواريخ حماس، نموذجًا لتطور القدرة العسكرية للمقاومة الفلسطينية؛ فقد بدأت حماس باستخدام صواريخ محلية الصنع قبل نحو 20 عامًا، ثم تمكنت تدريجيًا من تطوير قدرة هجومية صاروخية أكبر
الصواريخ الإسرائيلية: استعراض القوة و"الاستفزاز السياسي"
منذ عقود، باتت إسرائيل تحتفظ بأحد أقوى أنظمة الدفاع الجوي في العالم، وتحديدًا عبر أنظمة مثل "القبة الحديدية"، و"مقلاع داود"، و"باتريوت"، التي كانت بمثابة الرمز العسكري للدولة العبرية. هذه الأنظمة الدفاعية التي تهدف إلى منع أي صاروخ من أن يصل إلى أراضيها، تجعل إسرائيل تبدو وكأنها حصن حصين.
ولكن، وراء هذه القوة العسكرية تكمن قصة أخرى؛ قصة الصواريخ التي تُطلق من إسرائيل نحو المناطق الفلسطينية أو الحدود اللبنانية، أو حتى في عمق سوريا، حيث تظل هذه الهجمات تُصوّر على أنها "ضربات استباقية" لمنع الخطر قبل وقوعه.
على الرغم من أن هذه الهجمات تُعبر عن سياسة إسرائيلية واضحة تسعى لحماية أمنها، فإن كثيرًا من الدول والمنظمات الدولية تنظر إليها باعتبارها ضربات "استفزازية" أكثر منها دفاعية.
فمثلًا، عندما أطلقت إسرائيل صواريخ على قطاع غزة في مايو/ أيار 2021، في سياق المواجهات مع حركة حماس، تسببت هذه الهجمات في مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين، ما أثار ردود فعل دولية غاضبة.. التقارير الأممية أشارت إلى أن حوالي 70% من القتلى كانوا من المدنيين، ما يعكس المدى الكارثي لهذه الهجمات.
صواريخ المقاومة: تمكين الضعفاء في وجه القوى الكبرى
عندما نتحدث عن صواريخ المقاومة الفلسطينية، وحزب الله، فإننا نتحدث عن أسلحة تُستخدم من قبل جماعات في مواجهة قوى عسكرية كبيرة وقوية مثل إسرائيل. هذه الصواريخ، على الرغم من كونها أقل تقدمًا من نظيراتها الإسرائيلية، فإنها قادرة على تهديد استقرار إسرائيل على عدة أصعدة.
تُعد صواريخ حماس، على سبيل المثال، نموذجًا لتطور القدرة العسكرية للمقاومة الفلسطينية؛ فقد بدأت حماس باستخدام صواريخ محلية الصنع قبل نحو 20 عامًا، ثم تمكنت تدريجيًا من تطوير قدرة هجومية صاروخية أكبر.
خلال حرب مايو/ أيار 2021، أطلقت حماس أكثر من 4,300 صاروخ باتجاه المدن الإسرائيلية الكبرى، ما ألحق أضرارًا كبيرة بالأبنية وأدى إلى مقتل عدد من الإسرائيليين، فضلًا عن إرباك الأجهزة العسكرية الإسرائيلية.
أما حزب الله اللبناني، فهو يمثل تهديدًا غير تقليدي لإسرائيل.. تشير التقديرات إلى أن حزب الله يمتلك أكثر من 150,000 صاروخ، معظمها قادر على استهداف المنشآت الحيوية في إسرائيل، بما في ذلك المطارات والموانئ ومحطات الطاقة. هذه الصواريخ، التي تتميز بدقتها العالية، ليست تهديدًا عسكريًا فقط، بل هي أيضًا تحدٍّ سياسي ضخم في المنطقة.
في أعقاب كل هجوم صاروخي إسرائيلي، تظهر ردود أفعال دولية تدعو إلى التهدئة، لكن تأثير هذه الهجمات يمتد إلى ما هو أبعد من المنطقة. فأي تصعيد في المنطقة يؤثر على أسواق النفط العالمية، ويزعزع استقرار الاقتصاد العالمي
لماذا يرى العالم صواريخ إسرائيل أكثر أذية؟
على الرغم من أن صواريخ المقاومة تمثل تهديدًا مباشرًا على إسرائيل، فإن العالم غالبًا ما يرى الصواريخ الإسرائيلية أكثر تأثيرًا في زعزعة الاستقرار الإقليمي والعالمي. ومن أبرز الأسباب التي تجعل العالم يرى صواريخ إسرائيل أكثر أذية:
التوسع العسكري والسياسي
تعتبر الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أن إسرائيل تملك الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن عندما تُطلق إسرائيل صواريخها نحو دول عربية أو أراضٍ فلسطينية، فإن ذلك لا يُعتبر فقط تصعيدًا عسكريًا، بل يعكس سياسات إسرائيل التوسعية في المنطقة.
على سبيل المثال، التصعيد الأخير ضد غزة في عام 2021 ترافق مع محاولات إسرائيلية لفرض المزيد من التوسع الاستيطاني، ما يجعل الهجمات الصاروخية الإسرائيلية تبدو وكأنها تهدف إلى فرض واقع جديد في الأرض المحتلة.
التأثير على الأمن الدولي
في أعقاب كل هجوم صاروخي إسرائيلي، تظهر ردود أفعال دولية تدعو إلى التهدئة، لكن تأثير هذه الهجمات يمتد إلى ما هو أبعد من المنطقة. فأي تصعيد في المنطقة يؤثر على أسواق النفط العالمية، ويزعزع استقرار الاقتصاد العالمي، لا سيما إذا شهدت المنطقة تصعيدًا عسكريًا على جبهات متعددة.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، شهدت أسواق الطاقة زيادة بنسبة 5% في أسعار النفط خلال عمليات التصعيد بين إسرائيل وغزة في 2021، ما جعل الصواريخ الإسرائيلية عاملًا في زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي.
الخسائر البشرية في الأراضي المحتلة
كما أظهرت التقارير الدولية، أن الصواريخ الإسرائيلية تمثل تهديدًا مباشرًا للمدنيين الفلسطينيين. ففي عام 2021، سقط أكثر من 260 قتيلًا فلسطينيًا جراء الهجمات الإسرائيلية، في حين أن حوالي 13 إسرائيليًا قُتلوا.
هذه الأرقام تسلط الضوء على التفاوت الكبير في المعاناة البشرية بين الطرفَين، ما يجعل تصعيد الهجمات الإسرائيلية يتسبب في إحداث صدمة دولية واسعة، في وقت يُنظر فيه إلى صواريخ المقاومة على أنها رد فعل دفاعي.
من ناحية، تستمر إسرائيل في استخدام قوتها العسكرية ضد فصائل المقاومة في محاولة للحفاظ على تفوقها العسكري. ولكن من الناحية الأخرى، تُظهر صواريخ المقاومة الفاعلية الكبيرة في تحدي تلك القوة العسكرية
الصواريخ الإيرانية: تهديد أكبر وأعمق
إيران، التي تعد لاعبًا أساسيًا في دعم المقاومة في المنطقة، من خلال تسليح حزب الله والمقاومة الفلسطينية والحوثيين، تمتلك ترسانة من الصواريخ الباليستية التي تهدد المنطقة بشكل أوسع. ورغم أن هذه الصواريخ تُستخدم بشكل غير مباشر ضد إسرائيل، فإن طهران تتبنى سياسة "الردع من خلال التهديد"، التي تنقل المخاوف العالمية إلى مستويات جديدة.
التقارير الدولية تشير إلى أن إيران طورت صواريخ بعيدة المدى مثل "شهاب" و"قيام"، التي يمكن أن تصل إلى العمق الإسرائيلي. هذا التطور في القوة الصاروخية يعكس أن إيران أصبحت تمتلك قدرة على تهديد أمن إسرائيل بشكل مباشر، ما يجعل الردود السياسية ضدها على مستوى العالم تتسم بالتعقيد، حيث يظل الصراع بين إسرائيل وإيران يمثل مواجهة في غاية الخطورة، ليس فقط على مستوى المنطقة، ولكن على مستوى الأمن العالمي.
دور الصواريخ في زعزعة استقرار إسرائيل
الاختلاف بين صواريخ إسرائيل من جهة، وصواريخ المقاومة الفلسطينية وحزب الله من جهة أخرى، يكمن في الأبعاد السياسية التي تعكسها هذه الصواريخ. من ناحية، تستمر إسرائيل في استخدام قوتها العسكرية ضد فصائل المقاومة في محاولة للحفاظ على تفوقها العسكري. ولكن من الناحية الأخرى، تُظهر صواريخ المقاومة الفاعلية الكبيرة في تحدي تلك القوة العسكرية، وخلق حالة من التوتر الدائم الذي يؤثر على استقرار إسرائيل داخليًا، وعلى مستوى السياسة الدولية.
ومع تطور الصواريخ في المنطقة، تظل الصواريخ الإسرائيلية محط اهتمام وتحليل في الساحة السياسية العالمية، لكونها تمثل أكثر من مجرد قوة عسكرية، فهي أداة في إستراتيجيات التوسع والسيطرة.
من هنا، تظل الأسئلة السياسية حول كيفية تأثير هذه الهجمات على استقرار المنطقة والعالم، وكيفية مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل، مفتوحة وتحتاج إلى تحليل مستمر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.