في عمق الغابة الكثيفة، حيث الظلال تبتلع الضوء، يقف الأسد ملكًا لا ينازعه أحد!. بثقته المفرطة بنفسه وهيمنته المطلقة، كان يفرض سيطرته بلا هوادة.. هو أسد لا يقبل الجدل، ولا يعترف بخطأ، معتز برأيه إلى حد العناد، مراوغ يعرف كيف يدير اللعبة، متفاخر بإنجازاته، ومظهره اللامع الذي لا يشوبه شيء، لكنْ خلف هذا البريق يكمن تعجرف يخفي تحقيره لمن حوله.
الغابة كانت تنتظر.. أستبقى تحت حكم الأسد إلى الأبد، أم إن شيئًا في الظلال قد يتحرك ليغير مصيرها؟
كان الأسد يحكم الغابة بقبضة من حديد، ملوّحًا بمخالبه لكل من تسوّل له نفسه الاقتراب من عرشه.. لم يكن يعتمد فقط على قوته الجسدية التي لا ينافسه فيها أحد، بل كان ماكرًا كالثعالب، يخطط بخبث، ويتلاعب بحيوانات الغابة بخيوط خفية تضمن ولاءها وخضوعها. لم تكن الحيوانات تحبه، بل كانت تخشاه؛ فهي تعرف أن غضبه ليس له حدود، وعقابه دائمًا سريع ومرعب.
لكن الأسد، في سعيه لإحكام قبضته على السلطة، استعان بكلاب شاردة من خارج الغابة، كائنات قاسية ومنبوذة لا مكان لها بين سكان الغابة. كانت هذه الكلاب الإنكشارية – كما أسماها الأسد- معروفة بولائها لمن يطعمها ويعدها بالحماية، لا تعرف القوانين ولا الأخلاق، ولا شيء يهمها سوى إرضاء سيدها.
بعواء يصم الآذان، وأسنان تلمع تحت ضوء القمر، جابت الكلاب الغابة ناشرة الرعب في قلوب الحيوانات.. كانت تنفذ أوامر الأسد بلا تردد، تلاحق كل معارض وتُخضع كل متمرد؛ فقد جعلها الأسد عينه التي يرى بها، وأنيابه التي يضرب بها، فكان بها أقوى من أي وقت مضى.
تحت سطوة الكلاب الشاردة وأنيابها زاد خوف الحيوانات، وازداد الأسد قوةً وعجرفة، لكنه لم يدرك أن الكلاب التي لا تعرف ولاءً إلا للطعام والحماية قد تصبح يومًا خطرًا عليه نفسه، وأن قبضته الحديدية قد تُغري بعضها بالتمرد.
الغابة كانت تنتظر.. أستبقى تحت حكم الأسد إلى الأبد، أم إن شيئًا في الظلال قد يتحرك ليغير مصيرها؟ وتساءلت الحيوانات: هل هو تسليط؟ أهو قدرٌ أن نحيا هكذا، أم إن الموت خلاص؟
وحدها الرياح كانت تشهد على تلك المأساة، تنقل معها همسات الحيوانات وهي تسأل نفسها: أسيبزغ يوم نعيش فيه أحرارًا، أم إن الظلال ستظل تحكمنا إلى الأبد؟
بدأت الحياة في الغابة تضيق.. لم تعد الطيور تغني فوق الأشجار، بل اختارت أن تهاجر بعيدًا، تنشد أفقًا أوسع وسماء لا يسودها الخوف. حلّقت إلى المجهول باحثة عن الأمان، غير عابئة بالمسافات.
أما الحيوانات البرية، فقد غادرت سيرًا أو عومًا، عابرة الأنهار والبحار بحثًا عن موطن جديد.. لكن البحر – رغم اتساعه – لم يكن رحيمًا؛ بعضها وصل إلى شواطئ النجاة، بينما اختفى بعضها الآخر بين الأمواج، طعامًا للجوع الذي لم يفارقها في رحلتها.
كانت تبحث عن شيء واحد.. حياة طبيعية، مكان يمكنها العيش فيه بلا خوف، ماء يروي عطشها، وطعام يسد جوعها، وأرض لا يطاردها فيها ظلّ أسد أو عواء كلب.
لكن الغابة بقيت مسرحًا للصراع!. أما من بقي فيها، فقد استسلم إما بالخضوع أو بالاختباء.. وحدها الرياح كانت تشهد على تلك المأساة، تنقل معها همسات الحيوانات وهي تسأل نفسها: "أسيبزغ يوم نعيش فيه أحرارًا، أم إن الظلال ستظل تحكمنا إلى الأبد؟".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.