شعار قسم مدونات

العمل التراكمي وأثره في تحرير دمشق

آلاف السوريين في ساحة الأمويين بدمشق اليوم احتفالا بجمعة التحرير
آلاف السوريين في ساحة الأمويين بدمشق احتفالًا بجمعة التحرير (الجزيرة)
  • العمل التراكمي وأثره في التحرير

لطالما كانت الإنجازات الكبرى ثمرة تضافر الجهود وتراكم التضحيات عبر الأجيال.. كل تحرير عظيم أو تغيير جذري لا يحدث فجأة، ولا يكون نتاج جهود فردية أو جيل واحد فقط، بل هو مسيرة طويلة من العطاء والإصرار، تضافرت فيها الأيدي واجتمعت فيها القلوب لتحقيق الهدف المشترك.

كل من شارك في تلك المسيرة – ولو بكلمة حق، أو دعاء مخلص في جوف الليل، أو حتى بفكرة تلهم الآخرين- له نصيب من أجرها وثمارها. وهذا ما يجعل العمل التراكمي مفهومًا إيمانيًّا وإنسانيًّا يعزز قيمة العطاء مهما بدا صغيرًا، ويُعلّمنا أن كل مساهمة لها أثرها الباقي.

في هذا المقال، أستعرض كيف أن العمل التراكمي يشكل أساس الفتوحات والثورات، وكيف أن الله، عز وجل، يشرك كل من ساهم في تحقيق الإنجاز عبر الأجيال، ولو بأقل الجهود.

إن كل دمعة ذُرفت، وكل دعاء ارتفع إلى السماء، وكل خطوة صغيرة في هذا الطريق، كل ذلك ساهم بشكل أو بآخر في تحقيق هذا الحلم الذي طال انتظاره

التحرير.. سلسلة مترابطة عبر الزمن

إن كل تحرير وكل انتصار ليس مجرد لحظة عابرة تُكتب في صفحات التاريخ، بل سلسلة طويلة من الجهود المضنية والتضحيات التي امتدت عبر الأزمنة. فمنذ عهد الأنبياء، الذين غرسوا بذور الإيمان الأولى في قلوب أتباعهم، وحتى الأجيال التي حفظت الرسالة وحملتها بأمانة، كان العمل يسير في خط مترابط، حيث يشترك الجميع في النتيجة مهما اختلفت أدوارهم.

إعلان

تحرير الشام مثال واضح على هذا الترابط؛ فهل كان يمكن لهذا الحلم أن يتحقق لولا جهود علماء ودعاة غرسوا بذور الوعي والإيمان قبل عقود من اندلاع الثورات؟ وهل كان يمكن تحقيقه لولا التضحيات التي قدمها المقاومون في وجه طغيان البعث؟

هذه التضحيات لم تذهب سدى، بل كانت اللبنات الأساسية لبناء مجد استُعيد بعد سنوات من الصبر والمقاومة.

إن كل دمعة ذُرفت، وكل دعاء ارتفع إلى السماء، وكل خطوة صغيرة في هذا الطريق، كل ذلك ساهم بشكل أو بآخر في تحقيق هذا الحلم الذي طال انتظاره.

السابقون.. أصحاب الفضل الحقيقي

لا يمكن لأي جيل أن يحقق انتصارًا دون أن يستحضر فضل من سبقوه، والصحابة الكرام كانوا يدركون هذا المبدأ بعمق؛ في غزواتهم وفتوحاتهم لم ينسوا أبطال الإسلام الأوائل الذين صبروا على الجوع والبطش في بدايات الدعوة، أولئك الذين وقفوا في وجه قريش رغم قلة حيلتهم، وكانوا حجر الأساس لانتصارات الإسلام الكبرى.

روى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل: "والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنًا زمانًا فافتتحناه، ثم أصبحنا نستفيء سُهمانهما فيه".. هذه الكلمات تلخص الفهم العميق لمعنى العمل التراكمي؛ فكل جهد سابق ينعكس أثره في المستقبل، وأجره محفوظ عند الله.

حتى أولئك الذين لم تذكرهم السجلات، ممن جاعوا وصبروا على التعذيب في سجون الطغاة، كانوا جزءًا لا يتجزأ من هذا النصر، والله يعلمهم، ويعلم صدق نياتهم، وأثر عطائهم في تحقيق هذا الحلم العظيم

تحرير الشام: إرث الأبطال والشهداء

عندما فتح الله الشام من جديد على أيدي الأحرار، عادت إلى الأذهان أسماء الأبطال الذين مهدوا لهذا الإنجاز.. كيف لا نتذكر علماء الشام ودعاتها، أمثال مصطفى السباعي، ومروان حديد، وعبد الفتاح أبو غدة، وسعيد حوى؟ كيف لا نستحضر تضحيات الشباب مثل الساروت وإخوانه الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الحرية؟. هؤلاء الأبطال لم يكونوا مجرد أسماء عابرة في صفحات التاريخ، بل كانوا مشاعل نور أنارت الطريق لمن جاء بعدهم.

حتى أولئك الذين لم تذكرهم السجلات، ممن جاعوا وصبروا على التعذيب في سجون الطغاة، كانوا جزءًا لا يتجزأ من هذا النصر، والله يعلمهم، ويعلم صدق نياتهم، وأثر عطائهم في تحقيق هذا الحلم العظيم.

إعلان

العمل التراكمي وأهميته في حياة الفرد والأمة

الثورات والفتوحات ليست إلا نتاج عمل تراكمي؛ كل خطوة صغيرة تُضاف إلى الأخرى لتصنع طريقًا طويلًا، كل كلمة تُقال في وجه الظلم تزرع في القلوب أملًا جديدًا، وكل قطرة دم تُسفك في سبيل الحق تروي بذور المجد في الأرض.

لا تقلل من قيمة أي جهد تبذله مهما بدا بسيطًا في عينيك.. إن إشعال شمعة صغيرة في ظلام دامس قد يكون الشرارة التي يحتاجها الجميع ليروا الطريق؛ فلنتذكر دائمًا أن القطرات تجتمع لتكوّن بحارًا، وأن الخطوات الصغيرة تصنع مسيرات عظيمة.

رحم الله السابقين الذين مهدوا الطريق، وبارك في اللاحقين الذين يكملون المسيرة، حتى يتحقق للأمة مجدها من جديد

رسالة للعمل والبذل

{وما كان الله ليضيع إيمانكم}.. هذه الآية الكريمة هي وعد الله الذي لا يتخلف لكل من عمل بإخلاص، وسواء كنت في مقدمة الصفوف أو على الهامش، فإن مساهمتك تُحسب، وأجرك محفوظ عند الله.

علينا أن نتعلم من هذا المبدأ أن نكون جزءًا من التغيير، وأن نساهم في صناعة المستقبل بأفعالنا، لا تكن ممن يلعنون الظلام فقط، بل كن ممن يشعلون شموع الأمل، ربما تكون شمعتك الصغيرة هي البداية التي ينتظرها الجميع.

رحم الله السابقين الذين مهدوا الطريق، وبارك في اللاحقين الذين يكملون المسيرة، حتى يتحقق للأمة مجدها من جديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان