شعار قسم مدونات

قراءة في كتاب "تعرية الحب"

صائدو الأحلام.. لماذا تطارد الكوابيس طفلك أثناء النوم؟ كوابيس الأطفال.. مصادرها وطرق التعامل معها ألعاب حية وحشرات عملاقة.. أكثر الكوابيس شيوعا عند الأطفال الهدوء ومراقبة ما يشاهده أثناء النهار.. كيف تتعاملين مع كوابيس طفلك؟ فريدة أحمد في بعض الأوقات قد تتحول ليلة نوم هانئة للطفل إلى قلق وإزعاج بسبب كابوس ليلي يعكر نومه. ولا يتوقف الأمر فقط على ليلة، بل يمتد ليؤثر على روتينه اليومي كله وعلى تحصيله الدراسي وطاقته بشكل عام. ولتستطيع الأم السيطرة على كوابيس طفلها وكيفية التعامل معه، يجب أولا أن تعرف ما الذي يسبب الكوابيس وكيف تؤثر على طفلها وما أكثر كوابيسه شيوعا ودلالتها.
في كتاب "تعرية الحب" يستند إيرفين يالوم إلى تفسير الأحلام التي تراود معظم مرضاه (شترستوك)

يميز كتاب "تعرية الحب" أسلوب إيرفين يالوم الجامع بين العمق الفكري والتقنية السردية، حيث يقدم تجاربه مع المرضى بلغة تشرك القارئ مدفوعًا بالعاطفة في تبني صوت الكاتب "الطبيب" والمريض معًا، والأهم أنها بعيدة عن الاختصاص واللغة الأكاديمية، رغم أنها محاولة "يالومية" بامتياز لإخراج العلاج النفسي من عباءته التقليدية، سواء للقارئ أو لمن هم في المجال ذاته.

يسرد يالوم عشر حكايات من واقع جلسات العلاج النفسي حول ألم الوجود.. للوهلة الأولى قد تبدو هذه الأوجه لمعاناة المرضى العشرة مبالغًا فيها، فمثلًا لو أفرغنا بعض القصص من عناوينها ومكنوناتها فسنجدها عبارة عن: "شخص لا يجرؤ على فتح الرسائل التي تصله"، "امرأة فقدت هاتفها"، "رجل لا يبلي بلاء حسنًا في فراش الزوجية، مقابل زوجة تعاني".

لكنها في الحقيقة تأخذ بعدًا آخر، بعدًا عميقًا وشائكًا في آن، وتتمثل في رغبات لا يمكن تحقيقها مهما حصل، "رغبات بإحياء مرحلة الشباب مجددًا، بوضع حد للشيخوخة، بعودة من اختفوا عن الحياة، بالحب الأبدي، بالشعور بالأمان والأهمية، والتوق للخلود نفسه".

في كتاب "تعرية الحب"، يستند إيرفين يالوم إلى تفسير الأحلام التي تراود معظم مرضاه، إذ يجد فيها انعكاسًا ضمنيًّا، ومتنفسًا للتعبير عما يكبت

عمومًا، لا يجد الكتاب مكانًا في رفوف التصنيف، إذ يضعك أمام جملة من التساؤلات: أفهو رواية يحرك شخوصها المؤلف بتباين أدوارهم المنفصلة بعضها عن بعض، فيصبح راويًا وبطلًا معًا، أم مجموعة قصصية واقعية مطعمة بتجارب الكاتب نفسه في مهنته باعتباره اختصاصيًّا نفسانيًّا، أم هو كتاب أكاديمي صرف، كسر فيه الكاتب أسلوب التقليد؟. بشكل أو بآخر سيجد القارئ نفسه الإجابات.

إعلان

يالوم هنا ليس مجرد طبيب نفسي متكئ على أريكته حسب الصورة النمطية للمعالجين، ولا مدَّعٍ يعرف كل شيء بينما هو يعتلي برجًا عاجيًّا، وتتوقف مهمته على توجيه أصابع الاتهام، وإنما هو إنسان من لحم ودم، صديق ونديم، كاره ومتعاطف، جردته مهنته من كل الترسبات المغلوطة في المجال  النفسي.

المسافة بين الطبيب والمريض قربها يالوم كثيرًا، فعلى امتداد صفحات الكتاب يكشف يالوم عن تجاربه الأشد خصوصية، سواء أمام المرضى أم أمام القارئ، في قصة المرأة البدينة لم يخفِ امتعاضه منها، ظهر ذلك في "التحويل المضاد" (مشاعر المُحلل النفسي تجاه المريض) بحسب تعبيره: "لطالما نفرت من النساء البدينات، كما أجد أنهن مقززات، بسبب تمايلهن الغريب من جانب إلى جانب، كل ما أحب أن أراه في المرأة يختفي في كومة من اللحم. وأكره ملابسهن، تلك الفساتين الفضفاضة عديمة الشكل، أو الأسوأ منها حتى، أي بناطيل الجينز الزرقاء الضخمة والقاسية.. كيف يجرؤن على فرض هذا الجسد علينا جميعًا".

ثم يتساءل ويجيب: "من أين تأتي مشاعري المؤسفة هذه؟ لم يخطر لي يومًا الاستفسار عن ذلك؛ فهي عميقة جدًا لدرجة أنني لا أعتبرها تحاملًا عليهن.. ولكن إذا طلب مني أن أشرحها، فيمكنني ربما أن أشير إلى النساء البدينات المتسلطات اللواتي شكلن جزءًا من عائلتي".. سرعان ما تبدل شعوره تجاه بدانتها، ورغم أنهما قد أحرزا تقدمًا في العلاج النفسي والبدانة معًا، فإن شعور الندم سيستمر معه طويلًا، ولقد "راسلني عبر البريد العديد من النساء البدينات، وعبّرن عن الإهانة الكبيرة التي شعرن بها بسبب كلماتي".

بعد خمسة وعشرين عامًا وجد فرصة للدفاع عن نفسه ليوضح لمنتقديه أن "الشخصية الرئيسية في هذه القصة هي أنا، وليس المريضة، إنها قصة عن التحويل المضاد".

وقفة نفسية خارج كتاب "تعرية الحب"

وقفة مع المعاناة النفسية العربية الطازجة، حيث لا وقت لتذكر الماضي.. هذه ليست دعوة للمقارنة أو محاولة للتقليل من المعاناة النفسية لشخوص الكتاب، بقدر ما هي مفارقة وجدتني أخوضها دون ترتيب مسبق؛ فالمعاناة النفسية هي هي، بغض النظر عن الجغرافيا، سواء تمثلت في الخوف من الموت، أو الشعور بالفقد.

إعلان

لكن استوقفني هنا حوار مع طبيبة نفسية في موقع الجزيرة نت تحدثت فيه الاختصاصية وفاء أبو موسى عما تتركه حرب فلسطين في نفوس أبنائها؛ فقالت: "حينما يهدم منزل في فلسطين تنهدم معه الذكريات والأيام الجميلة وياسمينة الدار والشجر والريحان وعبق الحنة.

جنود الاحتلال لا يهدمون البيت، إنهم يحاولون هدم الروح داخلنا، لكننا مع ذلك صامدون، صحيح أن العالم يرى الصراخ والبكاء والألم على شاشات التلفزيون، ولكنه أمر عادي ناجم عن صدمات الهلع والخوف والقتل والتدمير، والذي يستلزم الكثير من الوقت ليشفى الجميع ويستعيدوا توازنهم النفسي ويبدؤوا من جديد".

في كتاب "تعرية الحب"، يستند إيرفين يالوم إلى تفسير الأحلام التي تراود معظم مرضاه، إذ يجد فيها انعكاسًا ضمنيًّا، ومتنفسًا للتعبير عما يكبت.

كتاب "تعرية الحب" يضع القارئ أمام تساؤلات وجودية وشخصية عميقة، تدفعه للتأمل في تجاربه ومخاوفه. وبينما يعالج الكتاب معاناة الأفراد في بيئة مستقرة نسبيًّا، يظل للمعاناة في سياقات الحروب والاحتلال أبعاد أخرى تستحق التأمل والمقارنة

في القصة العاشرة من الكتاب المعنونة بـ "بحثًا عن الحالم" يروي المريض "مارفن" للطبيب يالوم واحدًا من الأحلام التي راودته قبل انتهاء مدة العلاج، رأى فيه: "أتسلق دربًا جبليًّا، أرى أن بعض الناس يحاولون إعادة بناء منزل ما في الليل، أعلم أنهم لن يتمكنوا من ذلك، وأحاول إخبارهم لكنهم لا يستطيعون سماعي، أسمع شخصًا واقفًا في الخلف ينادي باسمي، إنها أمي تحاول اللحاق بي، قالت إن لديها رسالة لي.. هناك شخص ما يحتضر، لكني أعلم أن الذي يحتضر هو أنا، عندما استيقظت كنت أتصبب عرقًا".

يكشف الحلم عن خوف مارثن ذي الأربعة والستين عامًا، وإدراكه بفوات الأوان: "لا يمكن للمرء إعادة بناء منزله في الليل، لا يمكنه تغيير المسار الذي سلكه وهو على وشك الدخول في عالم الأموات".

أحلام الأطفال في غزة: ذكريات الفقد والصدمات

أي شكل ستأخذ أحلام طفل غزة الذي فقد أسرته كلها في وقت واحد؟ ما الذكريات التي ستبقى معه وقد اختفى حيه الذي عاش فيه كاملًا بمن فيه؟ كيف سيرمم الطب النفسي شعبًا بأكمله يعاني مما بعد الصدمة، لا سيما حين لا تجد "ما بعد الصدمة" حيزًا من الوقت، إذ المعاناة طرية ومتجددة، تصحو على مأساة وتمسي على أخرى؟

إعلان

تجيب الدكتورة وفاء أبو موسى، المستشارة النفسية والحاصلة على الدكتوراه في الدعم النفسي للأطفال: "كل شخص في غزة عاش هذه التجربة، وعن نفسي فقدت أخي أسامة في ديسمبر/ كانون الأول 2004، وقد حرمت من توديع جثمانه؛ لأنني كنت بمصر لاستكمال دراستي، وكان المعبر مغلقًا فلم أستطع العودة. ولكن أول شيء فعلته حينما رجعت إلى غزة هو ذهابي مباشرة إلى قبره لأبلغه السلام.. رجعت إلى البيت أتنفس ملابسه، وأمشي في الشواع أتلمس بعض ذكرياتنا سويًا".

كتاب "تعرية الحب" يضع القارئ أمام تساؤلات وجودية وشخصية عميقة، تدفعه للتأمل في تجاربه ومخاوفه. وبينما يعالج الكتاب معاناة الأفراد في بيئة مستقرة نسبيًّا، يظل للمعاناة في سياقات الحروب والاحتلال أبعاد أخرى تستحق التأمل والمقارنة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان