شعار قسم مدونات

غزة وذكرى 76 عامًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان!

كلاب ضالة تنهش جثامين شهداء شمالي غزة
كلاب ضالة تنهش جثامين شهداء شمالي غزة (الجزيرة)

بينما كانت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) لا تزال تدور رحاها، جاء تفكير دول الحلفاء في تأسيس نظام عالمي جديد يقوم على مبادئ تحفظ السلم والأمن الدوليين، وتجنيب الأجيال القادمة ويلات حروب جديدة، بعد أن أخفقت عصبة الأمم في منع قيام الحرب.

وقد تم الاتفاق آنذاك على إنشاء تنظيم دولي جديد من أجل الدفاع عن الحياة والحرية والكرامة والاستقلال، وصيانة الحقوق الإنسانية والعدل.

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها تاركةً حجمًا غير مسبوق من الدمار، وأهوال جرائم إبادة جماعية يندي لها الجبين، تم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتضمن إشارات عديدة حول ضرورة صيانة الكرامة الإنسانية وحماية حقوق الإنسان.

يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يحتوي على ثلاثين مادة، أول "كتالوج" لحقوق الإنسان على المستوى الدولي. وقد اعتبر الإعلان عند إصداره من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه غير ملزم من الناحية القانونية

وكانت بنما قد تقدمت باقتراح بأن يتضمن الميثاق إعلانًا بخصوص حقوق الإنسان، إلا أن الاقتراح جرى استبعاده حتى لا يكتسب في حالة دمجه صفة الإلزام القانوني التي يتمتع بها الميثاق؛ ففكرة حقوق الإنسان منذ نشأتها، ومنذ أن بدأت تتبلور في صورة إعلانات قانونية، كان أولها إعلان حقوق الإنسان والمواطن، الذي صدر بعد الثورة الفرنسية، وتحديدًا في عام 1789، كانت دومًا – ولا تزال حتى يومنا هذا – محل جدل واختلاف كبيرين، وهذا أمر لا يتسع المجال هنا لسرد تفاصيله.

إعلان

ويستند هذا الإعلان في مصادره بشكل أساسي إلى نظريات الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712-1778)، وكذلك إلى إعلان حقوق الاستقلال الأميركي، الصادر في 4 يوليو/ تموز 1776، والذي كتبه توماس جيفرسون (1743-1826).

وقد كان تأثير الوثيقة الفرنسية عظيمًا سواء داخل أوروبا أو خارجها، وقد تجلى هذا التأثير الكبير في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948، أي قبل 76 عامًا من الآن. وقد اعتبر هذا الإعلان آنذاك – ولا يزال – بمثابة الإنجاز الأكبر، ليس فقط في مجال حقوق الإنسان، بل ربما في تاريخ الأمم المتحدة حتى الآن.

ويشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يحتوي على ثلاثين مادة، أول "كتالوج" لحقوق الإنسان على المستوى الدولي. وقد اعتبر الإعلان عند إصداره من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه غير ملزم من الناحية القانونية، وهو الأمر الذي حرصت معظم الوفود التي شاركت في إعداده على الإشارة إليه، بيد أن الكثير من بنوده اكتسب مع الوقت صفة الإلزامية، بعد أن أصبحت جزءًا من القانون العرفي الدولي.

شارك العالم العربي بفاعلية في الأعمال التحضيرية لإعداد الإعلان، فقد ساهم السياسي والمفكر اللبناني شارل مالك في صياغة وإعداد الإعلان، وذلك بصفته رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة

كما أن كثيرًا من المعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان تجسد بنوده أو تشير إليه، وذلك مثل العهدين الصادرين عن الأمم المتحدة في عام 1966، ويختص أحدهما بالحقوق المدنية والسياسية، ويتعلق الآخر بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وكذلك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950، والاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان لعام 1969، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981. وعلى المستوى الوطني تم دمج بنود الإعلان أو جزء منها في دساتير كثير من الدول.

وصحيح أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعكس بالأساس الفلسفة والمفهوم الغربيين لحقوق الإنسان، وهو ما يجعل البعض في مناطق عديدة من العالم ينظر إليه باعتباره تجسيدًا للقيم الغربية، إلا أنه كان هناك حرص في أثناء صياغته على أن يكون مرتكزًا على قيم عالمية مشتركة، كمبادئ الكرامة والأخوة الإنسانية والحرية والمساواة والعدالة.

إعلان

وقد شارك العالم العربي بفاعلية في الأعمال التحضيرية لإعداد الإعلان، فقد ساهم السياسي والمفكر اللبناني السيد شارل مالك في صياغة وإعداد الإعلان، وذلك بصفته رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.

وكانت اللجنة المسؤولة عن إعداد الإعلان ترأسها ممثلة الولايات المتحدة الأميركية، السيدة إليانور روزفلت، وهذه السيدة بجانب كونها زوجة الرئيس الأميركي السابق فرانكلن روزفلت، كانت أيضًا دبلوماسية وناشطة في مجال حقوق الإنسان.

أما في عالمنا العربي، فإنه وإن كان كثيرون يحتفون بالإعلان باعتباره إنجازًا تاريخيًا على طريق حماية حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة والمساواة بين البشر، كان البعض – ولا يزال – ينظر إليه بارتياب ونقد، لغلبة المفاهيم الغربية في مجال حقوق الإنسان على الكثير من بنوده. فقد تحفظت المملكة العربية السعودية على المادة 18 من الإعلان، والتي تحمي الحريات الدينية وتكفل أيضًا حق الإنسان في تغيير ديانته، واعتبرت ذلك مخالفًا للشريعة الإسلامية.

تم التوقيع على الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول عام 1948، أي قبل يوم واحد من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

فالرغبة في تحقيق التوازن بين المفهوم العالمي لحقوق الإنسان، والحفاظ على الهوية والخصوصية الدينية والثقافية، كانت – ولا تزال – السمة البارزة في التعاطي مع مسائل حقوق الإنسان في عالمنا العربي.

ومن هذا المنطلق يمكن النظر إلى بعض الإعلانات الصادرة على المستوى الإقليمي، مثل إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، الذي أصدرته منظمة التعاون الإسلامي عام 1990؛ فإعلان القاهرة وإن كان قد تبنى الكثير من البنود الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنه أخضعها لشرط التوافق مع الشريعة الإسلامية.

ولئن كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمثل إنجازًا تاريخيًا على طريق محاربة التوحش الإنساني، فإنه لم يكن الإنجاز الوحيد في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فبعد توقيع ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، كان هناك حرص دولي على صياغة عدد من المعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان وقوانين الحرب.

إعلان

فقد تم التوقيع على الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول عام 1948، أي قبل يوم واحد من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ولما كان سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في الحرب العالمية الثانية سببه الهجمات العشوائية التي لا تفرق بين الأهداف المدنية والعسكرية، كان هناك حرص على أن تتضمن معاهدات جنيف لعام 1949 معاهدة خاصة بحماية المدنيين وقت الحرب وفي زمن الاحتلال، ألا وهي معاهدة جنيف الرابعة.

حجم الدمار الناتج عن الهجمات الوحشية الصهيونية على قطاع غزة، فقط في الشهرين اللذين أعقبا هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فاق ذلك الدمار الذي أحدثته آلة الحرب لدول الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية

والآن، ونحن نحتفل بمرور 76 عامًا على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتوقيع اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، يبدو وكأن الإنسانية قد ارتدت على عقبيها؛ فهذه الآمال العريضة في كبح التوحش الإنساني سقطت مغشيًا عليها تحت ركام المنازل المنهارة على رؤوس الأطفال الرضع والنساء العُزْل في غزة، وسط تخاذل عربي، ودعم دول غربية لطالما صدعت رؤوسنا بحديث مكذوب عن حقوق الإنسان، وضرورة احترام القانون الدولي.

فحجم الدمار الناتج عن الهجمات الوحشية الصهيونية على قطاع غزة، فقط في الشهرين اللذين أعقبا هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فاق ذلك الدمار الذي أحدثته آلة الحرب لدول الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، وعلى مدى سنوات في مدن ألمانية، مثل: دريسدن وهامبورغ وكولونيا، وهي المدن التي كانت تذكر في تاريخ الحروب باعتبارها أمثلة صارخة للتدمير العشوائي، الذي لا يفرق بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية.

إن ما يحدث في غزة، منذ حوالي 14 شهرًا وحتى اليوم، يجعلنا نتساءل ما إن كان الغرب يؤمن حقًا بمبدأ عالمية حقوق الإنسان، أم إنه محكوم بأنظمة تحترم شعوبها فقط دون الآخرين.. وهذا أمر يحتم علينا أن نتدبر في نظرتنا إلى أنفسنا وإلى الآخرين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان