منذ أن انطلقت معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والعالم في تأهب حذر من حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط، استدعت من حلفاء إسرائيل دعمها ومساندتها بشكل غير مشروط، ومن أبرز تلك الدول الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وذلك ما جعل اهتمام هذه الدول بالشأن السوري يخفّ.
المتتبع لمسار الثورة السورية يدرك أن اللاعبين الأساسيين في الشأن السوري من جهة النظام، هم: إيران وحزب الله، اللذان لم يعد لهما تلك القوة التي كانت قبل عام من الآن، وروسيا الاتحادية التي غرقت في أتون حرب أوكرانيا
تقهقر "محور المقاومة"
أما في الجانب الآخر فقد أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان دعمها للطوفان، ما استدعى منها توجيه ضربات للأراضي المحتلة، جعلت إسرائيل تجر من خلالها إيران للدخول في مواجهة شبه مباشرة وضربات من هنا وهناك، تضرّرت منها في إيران البنية التحتية العسكرية، ليختتم المشهد بشن حرب على حزب الله في الجنوب اللبناني، كان من نتائجها أن الحزب تأثر ولا شك، ولم يعد لديه إمكانية في الوقت الحالي للدخول في حرب أخرى، هذا إن لم نقل إن ما جرى نتج عنه ضعف المنظومة العسكرية للحزب، الذي كان بالأمس القريب داعمًا رئيسيًّا لنظام بشار الأسد.
الحال نفسه ينطبق على إيران المنهكة بعد مجموعة من الضربات العسكرية الإسرائيلية الدقيقة، ووفاة رئيسها السابق، وانتخاب رئيس جديد يتبنى سياسة مختلفة، وهو ذو خلفية مغايرة.
روسيا خارج اللعبة
إن المتتبع لمسار الثورة السورية يدرك أن اللاعبين الأساسيين في الشأن السوري من جهة النظام، هم: إيران وحزب الله، اللذان لم يعد لهما تلك القوة التي كانت قبل عام من الآن، وروسيا الاتحادية التي غرقت في أتون حرب أوكرانيا، ولم تعد لها قدرة على الدخول في صراع آخر يعد استنزافًا لها.
هذه الهبة وإن كانت مفاجِئة للبعض، كانت مدبرة وفق مصالح وطنية معارضة، استغلت اللحظة وأحسنت الاستغلال، وخرجت بكامل قواها لتجد أمامها جيشًا منهارًا نفسيًّا وبدنيًّا
الفرصة المواتية
كل هذه العوامل، إضافة إلى التحضير الجيد للمعارضة المسلحة السورية المسيطرة منذ أعوام على محافظة إدلب، ساعدت في تهيئة الفرص لإزاحة هذا النظام الضعيف من دون دعم الخارج ومليشياته، فجيشه منهك وقد تعرض للعديد من الهزائم في السنين القليلة الماضية، وترك العديد من مناطقه للثوار، وحدث فيه الكثير من الانشقاقات، وضعف الروح القتاليّة والحماس للدفاع عن رأس النظام الذي خسر جميع أوراقه داخليًّا وخارجيًّا، ولم يعد ينتظر سوى هبة عسكرية مناهضة تكون الضربة القاضية للنظام المريض.
هذه الهبة – وإن كانت مفاجِئة للبعض من المحللين والمتتبعين للشأن السوري- كانت مدبرة وفق مصالح وطنية معارضة، استغلت اللحظة وأحسنت الاستغلال، وخرجت بكامل قواها لتجد أمامها جيشًا منهارًا نفسيًّا وبدنيًّا، وشخص الرئيس الذي لم يعد يقدر على حشد حلفائه السابقين المشغولين عنه والمنهكين.
أين تركيا مما يحدث؟
هذا التحرك الذي توفرت جميع الوسائل للبدء فيه، شكل وجود مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في الخارج، وبالأخص في تركيا، ورقة ضغط على قادته للمسارعة في إعادة أبناء شعبهم المهجرين، أضف إلى ذلك واقع اللاجئين من منظور الدولة التركية وانعكاسات ملفهم على الشأن التركي، وما أصبحوا يشكلونه من عبء سياسي يستغل في كل سانحة انتخابية محلية.
وذاك ما فرض على الأتراك الالتزام بموقفهم الداعي إلى فرض شكل جديد للنظام في سوريا، يستوعب معارضيه ويعجل بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ما جعل نقاط التقارب بين الثوار والأتراك تتعدد، وهذا دفع نحو دعم تركي يحدد المعالم الجديدة للمنطقة من دون الأسد.
كان التخطيط والسيطرة، والدافع الشعبي عند المعارضة المسلحة في الشمال السوري، واستغلالها للظروف الجيوستراتيجية لجوار البلد، والتي كان طوفان الأقصى المحرك الأساسي لها، وسيلة للبدء في فتح صفحة جديدة للدولة السورية
هل إسرائيل هي التي خططت؟
إن من يرى أن هذه الحركة السريعة تخطيط وتدبير من إسرائيل يجهل الواقع المحيط بهذا التحرك، كما يجهل تاريخيًّا الدور الحيوي الذي ظل بشار الأسد ووالده من قبله يؤديانه لإسرائيل حماية لها، وهروبًا من واقع كان الأسد الأب هو من رضي به من تفريط بمرتفعات الجولان، وتسليم بالأمر الواقع، وتوجيه الأسلحة الكيميائية فقط للشعب الأعزل حين يستدعي الأمر.
ولعلّ مسارعة الجيش الإسرائيلي إلى ضرب مخازن الأسلحة الكيميائية قبيل دخول المعارضة المسلحة إلى دمشق، دافعها هاجس يوحي بأن الإسرائيليين لا يثقون بحكام سوريا المحتملين الجدد. نشوء هذا الهاجس من خصوم محتملين، وعدم وجوده قبل ذلك، يوحيان بوجود تماس وثيق سابق مع نظام الأسد في السر، كان وراء الإبقاء عليه.
أما في الجانب الآخر، فقد كان التخطيط والسيطرة، والدافع الشعبي عند المعارضة المسلحة في الشمال السوري، واستغلالها للظروف الجيوستراتيجية لجوار البلد، والتي كان طوفان الأقصى المحرك الأساسي لها، وسيلة للبدء في فتح صفحة جديدة للدولة السورية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.