شعار قسم مدونات

سوريا بعد الأسد: اليوم طارت العصافير

3 سوريا - دمشق - رفع علم الثورة السورية في إحدى مدارس دمشق عقب سقوط الأسد (رويترز)
رفع علم الثورة السورية في إحدى مدارس دمشق عقب سقوط الأسد (رويترز)

في 8 ديسمبر/ كانون الأول، شهدت سوريا لحظة تاريخية غير مسبوقة مع نهاية حكم بشار الأسد، الذي استمر أكثر من نصف قرن.. هذا اليوم لم يكن مجرد نهاية لحكم استبدادي، بل كان نهاية حقبة مظلمة في تاريخ سوريا.

مع هروب الأسد، تنفس الشعب السوري أخيرًا نسائم الحرية التي طالما حلم بها. ورغم أن اليوم هو يوم للفرح والانتصار، يبقى السؤال الأكبر: ماذا بعد؟. في هذا اليوم التاريخي، لا بد أن ننظر إلى الأمام، مستعدّين لبناء سوريا الجديدة.

مع نهاية هذه الحقبة المظلمة، تبدأ سوريا في كتابة أول سطور صفحتها الجديدة، ويبقى السؤال: هل ستتمكن سوريا من النهوض من تحت الركام، وإعادة بناء ما تهدم؟

سقوط الطاغية: بداية عهد جديد

هروب بشار الأسد إلى روسيا وتركه البلاد لم يكن مجرد نهاية لحاكم مستبد، بل كان انهيارًا لرمز الطغيان الذي سيطر على سوريا لعقود، بدأت بوادر سقوطه منذ تحطيم تماثيله في الشوارع مع تحرير حلب، واكتمل المشهد برحيله.

معه حملت سوريا إرثًا ثقيلًا من الدماء والدمار الذي خلفته سنوات حكمه، وفي ظل حكمه شهدت سوريا سنوات قتل فيها 389 ألف شخص، بينهم 117 ألف مدني (22 ألف طفل، و14 ألف امرأة، و81 ألف رجل)، كما أصيب أكثر من 2.1 مليون شخص بجروح دائمة، بالإضافة إلى تهجير 13 مليون شخص من منازلهم.

اليوم، تُطوى صفحة 55 عامًا من حكم عائلة الأسد، العائلة التي حولت سوريا إلى مزرعة خاصة، وفرضت على شعبها حالة من العبودية المقنعة. ولكن مع نهاية هذه الحقبة المظلمة، تبدأ سوريا في كتابة أول سطور صفحتها الجديدة، ويبقى السؤال: هل ستتمكن سوريا من النهوض من تحت الركام، وإعادة بناء ما تهدم؟

إعلان

الفرح والألم: دموع الفرح ودموع الحزن

رغم الفرح العارم الذي يعم الشوارع السورية اليوم، فإن هذه الفرحة ليست خالصة؛ فهناك بين الزغاريد والهتافات دموع مختلطة بالمعاناة، هناك آلاف العائلات التي ما زالت تبحث عن أحبائها الذين تمّ اعتقالهم في سجون النظام، مثل سجن صيدنايا، حيث تجسدت المأساة الإنسانية في أبشع صورها.

اليوم، يبكي السوريون دموع الفرح على رحيل الطاغية، ولكنها دموع أيضًا ممتزجة بحزن كبير على من فقدوهم؛ فكم من أُمٍّ ما زالت تأمل بأن تجد ابنها في السجون، وكلما خرج شخص من المعتقلات، خفق قلبها أملًا في أن يكون هو ابنها المفقود.. تحول هذا اليوم المفعم بالفرح والأمل إلى حزن ممزوج بذكريات مريرة لذوي المعتقلين.

يجب أن يتحد السوريون جميعًا ويعملوا معًا لتوحيد الصفوف، لأن العمل الجماعي هو الطريق لتحقيق الهدف الأسمى، وهو بناء سوريا الديمقراطية والعادلة

ماذا بعد؟

اليوم ليس وقت الأسئلة الكبرى حول المستقبل، اليوم هو يوم فرح، يوم هتافات، يوم توزيع البهجة على الجيران، اليوم هو يوم نصر لا مثيل له.. لنعش لحظة الانتصار هذه بكل تفاصيلها، ولنتوقف عن التساؤل عن المستقبل في هذه اللحظة الخاصة، كما قال الشاعر:

حلــم على جنبــات الشام أم عيد .. لا الهم هم ولا الـتسـهيـد تسـهيـد

مشاعر الانتصار التي تسود في سوريا اليوم لا يعادلها أي شعور آخر؛ فهذا النصر ليس نصرًا لفئة أو تيار، بل هو نصر لكل السوريين، هو انتصار للوطن بأسره، فهو يمثل بداية مرحلة جديدة من الوحدة الوطنية، التي طال انتظارها.

لنبدأ من جديد

اليوم ليس لمجرد الاحتفال بسقوط الطاغية، بل هو بداية رحلة طويلة لإعادة بناء سوريا من جديد. هذه اللحظة هي بداية لفصل جديد في تاريخ البلاد، حيث يبدأ السوريون من جديد في بناء وطنهم.. إن سوريا اليوم بحاجة إلى تجميع الطاقات والتوجه نحو إعادة الإعمار، ليس فقط من خلال بناء البنية التحتية، بل من خلال بناء الإنسان والمجتمع، فإنه كما قال الشاعر:

ما في النعيم عن استقلالكم عوض .. وكيـف ينـعـم مغــلـول ومصــفـود

إعلان

الحرية هي اللبنة الأولى في بناء الدولة الجديدة، لكنها وحدها لا تكفي.. يجب أن يتحد السوريون جميعًا ويعملوا معًا لتوحيد الصفوف، لأن العمل الجماعي هو الطريق لتحقيق الهدف الأسمى، وهو بناء سوريا الديمقراطية والعادلة.

هذا اليوم هو لحظة تحقق فيها الحلم الكبير، حلم الحرية.. لا تدع الحزن يطغى على هذه اللحظة العظيمة، اليوم هو يوم للفرح والاحتفال، لن ننسى من ضحوا من أجل هذا اليوم، ولن ننسى دموعنا وألمنا

مستقبل سوريا: الطريق إلى العدالة

رحيل بشار الأسد ليس نهاية القصة، بل هو بداية فصل جديد في تاريخ سوريا.. إنه فجر جديد لسوريا الديمقراطية التي ستنهض من تحت ركام الحرب، وتبني مستقبلًا جديدًا قائمًا على العدالة والحرية. المهمة ستكون صعبة، لكنها ليست مستحيلة؛ فالشعب السوري أثبت على مر السنين قدرته على الصمود والتضحية، ولن يتوقف عن الكفاح حتى يتم تحقيق حلمه في سوريا حرة، عادلة، وديمقراطية.

الفرحة واجب وحق

اليوم هو يوم تاريخي في حياة كل سوري!. هذا اليوم هو لحظة تحقق فيها الحلم الكبير، حلم الحرية.. لا تدع الحزن يطغى على هذه اللحظة العظيمة، اليوم هو يوم للفرح والاحتفال، لن ننسى من ضحوا من أجل هذا اليوم، ولن ننسى دموعنا وألمنا. اليوم، طارت العصافير يا دكتور سلمان، معلنة بداية عهد جديد لسوريا الحرة.

احتفل السوريون بحرية لم يختبروا طعمها من قبل، ورغم الآلام التي ما زالت في القلوب، فإن الأمل في مستقبل أفضل هو ما سيقودهم لبناء سوريا

يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 هو يوم لا يُنسى في ذاكرة الشعب السوري، هو يوم بداية جديدة، يوم انتصار الثورة على الظلم، وإن كانت هناك دموع وحزن على ما فقدناه، فإن هناك أيضًا أملًا كبيرًا في المستقبل.. سوريا الحرة اليوم هي البداية، والرحلة نحو بناء وطن جديد تبدأ بخطوة واحدة، هي خطوة الأمل والعمل الجماعي.

في هذا اليوم، احتفل السوريون بحرية لم يختبروا طعمها من قبل، ورغم الآلام التي ما زالت في القلوب، فإن الأمل في مستقبل أفضل هو ما سيقودهم لبناء سوريا الجديدة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان