شعار قسم مدونات

لِمَ لا يغيّر بوتين لغة التخاطب مع أوروبا؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الأوروبية)

حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في خطاب بثّه التلفزيون الروسي العام، من أن "موسكو لا تستبعد ضرب الدول التي تستخدم أوكرانيا أسلحتها ضدّ أراضي بلاده"، وذلك بعدما ضربت كييف العمق الروسي مستخدمة صواريخ غربية.

تختلف المشهدية الروسية داخل أروقة الكرملين عما هي عليه في التصريحات التي يطلقها مسؤولوه، حيث إن "فائضًا من التهديدات النووية" ورد في الكثير من التصريحات الروسية، الأمر الذي أفرغها من مضمونها

لغة التهديد والوعيد لم تعد حصرية لخطابات الرئيس بوتين وحده، بل هي لغة باتت مترافقة مع كل مسؤول روسي مهما كان شأنه، يسعى لمخاطبة الغرب؛ وعلى سبيل المثال، استخدم نائب رئيس مجلس النواب، فياتشيسلاف فولودين، هذه اللغة عندما حذر الغرب من أن استهداف العمق الروسي سيؤدي إلى حرب بالأسلحة النووية.

فولودين – على ما يبدو – لن يكون الأخير في التهديد، لكنّ الملاحظ أن هذه اللغة المتعمد استخدامها، والتي لا تتوانى عن الاستخدام المتكرر للتهديد النووي، فقدت فاعليتها مع تمعن الغرب في تجاوز خطوط موسكو الحمراء.

تختلف المشهدية الروسية داخل أروقة الكرملين عما هي عليه في التصريحات التي يطلقها مسؤولوه، لا سيما تلك التي تركّز على الاستخدام النووي؛ حيث إن "فائضًا من التهديدات النووية" ورد في الكثير من التصريحات الروسية، الأمر الذي أفرغها من مضمونها، كما أنها لم تعد تخيف أحدًا؛ إذ تدرك الأغلبية الساحقة من الروس أن كافة التصريحات مبالغ فيها ومضخمة، لا بل تقلل من وجود خيارات أخرى بديلة.

إعلان

يرى البعض أن بوتين والمسؤولين في روسيا وصلوا في تهديداتهم مع الاتحاد الأوروبي إلى نقطة "اللاعودة"، إلا أنّ الأمر لم يصل إلى الطريق المسدود، إن اعتمد بوتين على خطاب مختلف، في ظلّ حديث أوروبي بدأ يدعو إلى إعلاء شأن أوروبا ومصالحها، عبر فك تحالفها مع الولايات المتحدة.

من المستبعد أن يذهب بوتين في خياراته إلى ضرب أي عاصمة بالسلاح النووي، لأنّه يدرك أن بلاده ستتعرّض سريعًا لردّ حاسم بالأسلحة النووية أيضًا، ما قد يقضي على وجودها

لم تعد تنفع تلك التهديدات التي أُفرغت من مضمونها، ولم تعد ترعب الأوروبي الذي تمتلك كثير من عواصمه قنابل نووية ضمن ترسانتها الإستراتيجية والتكتيكية الردعية، وإن كان ذلك عبر نشر الولايات المتحدة آلاف الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس النووية في أكثر من دولة أوروبية، وتحديدًا تلك التي تنضوي تحت جناح حلف شمال الأطلسي (الناتو).

لهذا، من المستبعد أن يذهب بوتين في خياراته إلى ضرب أي عاصمة بهذا السلاح، لأنّه يدرك أن بلاده ستتعرّض سريعًا لردّ حاسم بالأسلحة النووية أيضًا، ما قد يقضي على وجودها.

لا يوفر بوتين وسيلة عسكرية إلا ويستخدمها، ضمن سياسة ممارسة الردع للدول الأوروبية، وحثّها على وقف تقديم الدعم لكييف. لهذا أطلقت القوات الروسية ليل 21- 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي صاروخًا باليستيًّا فرط صوتي تحت اسم (أوريشنيك) على هدف في أوكرانيا.

ويُعتبر هذا الصاروخ صنفًا جديدًا من القدرات القاتلة التي تكشف عنها روسيا، ومجهزًا لحمل رؤوس نووية، بحسب ما أكد البنتاغون.

لم تنفع التهديدات الروسية على الجانب الأوروبي، ولم تردعه عن تقديم الدعم العسكري لكييف، فما قاله المستشار الألماني أولاف شولتس يؤكد على ذلك، وهو الذي زار أوكرانيا الاثنين 2 ديسمبر/ كانون الأول الجاري. إذ إنه بعد لقائه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال إن روسيا "لن تملي" شروطها على أوكرانيا في حال إجراء مفاوضات سلام بين البلدين.

لم تستطع القوة العسكرية التي يتباهى بها الرئيس الروسي فرض شروطها على كييف، كما أنها لم تتوصل إلى "لي" ذراع أي من الدول الأوروبية، وأخذها إلى طاولة المفاوضات ضمن شروط موسكو.

إعلان

لهذا وجب على بوتين توسيع دائرة خياراته في التعامل مع الدول الأوروبية، والابتعاد عن لغة "التهديد" العسكري وفرض الشروط، التي لم تأتِ بالنتيجة المرجوة لها رغم مرور ثلاث سنوات تقريبًا على هجوم الجيش الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، فهل بات على بوتين مخاطبة أوروبا بطرق أكثر دبلوماسية وواقعية، علَّ ذلك يكون السبيل لتحقيق الأهداف بدل الاستمرار في حرب استنزافية؟

"أوروبا أولًا" إستراتيجية المفوضية الأوروبية الجديدة، لتجنب الأزمة الاقتصادية.. هذا وكان نائب رئيس المفوضية الأوروبية للازدهار والإستراتيجية الصناعية ستيفان سيغورنيت تبنى إستراتيجية "أوروبا أولًا" لقطاعات الأعمال الرئيسية؛ لتجنب الأزمات الاقتصادية.

جاء ذلك وفقًا لحديث سيغورنيت عن السياسة الصناعية للاتحاد الأوروبي لصحيفة "فايننشال تايمز"، حيث دعا إلى اتباع هذه الإستراتيجية لمنع الضرر الناجم عن حرب تجارية محتملة يمكن أن يبدأها الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب.

لن يخرج الروسي منتصرًا عسكريا مع الغرب، بل عليه معرفة كيفية التعاطي معه لا سيما فيما يخص إعادة الثقة مع الأوروبي، عبر تغيير الصورة النمطية التي زرعتها واشنطن

ما قاله سيغورنيت فتح الباب أمام الروسي لاستغلال التحديات المقبلة لدول الاتحاد الأوروبي مع دخول ترامب البيت الأبيض؛ فإن رفع شعار "أوروبا أولًا" يصبّ في مصلحة روسيا من ناحية الدعوة المستمرة لبناء نظام عالمي جديد، يعتمد على التعددية القطبية، بدل النظام الحالي ذي الهيمنة الأميركية.

اتخاذ الخيار الصحيح هو المطلوب عند دوائر القرار الروسية، لأن الاستمرار في اتباع سياسة المواجهة العسكرية مع الغرب لن يوصل إلى نهاية؛ فهذا النفق المظلم من الحروب المتنقلة يعتبر سياسة الولايات المتحدة، التي تقوم بإشغال الروسي عبر فتح جبهات قتال في مناطق نفوذه، وقد يكون الهجوم الذي نفذته القوى المعارضة فتحًا لواحدة من هذه الجبهات.

لذلك لن يخرج الروسي منتصرًا عسكريا مع الغرب، بل عليه معرفة كيفية التعاطي مع الغرب لا سيما فيما يخص إعادة الثقة مع الأوروبي، عبر تغيير الصورة النمطية التي زرعتها واشنطن، وفيها أن روسيا قادمة لاحتلال أوروبا عبر تجديد العهد السوفياتي.

إعلان

إن فصل الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة، هو ما يجب العمل عليه دبلوماسيًّا من قِبل روسيا التي تمتلك مفتاح النجاح في ذلك، ألا وهو الغاز الطبيعي، حاجة أوروبا الدائمة بعدما تعذر على الأميركي إيجاد البديل.

لا يكفي اللعب على تكريس الوحدة الأوروبية كقوة قطبية، بل يجب أيضًا استغلال الخلل في الدول التي تشكل تاريخيًّا حليف الأميركي الدائم، والعمل على جعلها تعيد سياساتها الخارجية، كما هو حال كوريا الجنوبية مع الثورة المستحدثة التي انطلقت الثلاثاء 3 ديسمبر/ كانون الأول.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان