عنوان المقال مأخوذ بنصه من فصل كتاب بعنوان: "مختبر فلسطين: كيف تصدّر إسرائيل تقنيات الاحتلال إلى العالم؟".
يذكر المترجم د. عامر شيخوني أن أهمية الكتاب تنبع من أنه ركز الضوء على تجارة السلاح الإسرائيلية، وتصرفاتها غير الأخلاقية باستخدام أدوات قمعها في فلسطين المحتلة من أجل التسويق والدعاية لأسلحتها العسكرية والإلكترونية.
كما تنبع أهميته من أن المؤلف اليهودي إنتونى لوينشتاين انتبه إلى كيفية اتخاذ الجيش الصهيوني غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية مختبرًا يجرب فيه أدواته القمعية، سواء أكانت أسلحة أم منظومات تجسس ومراقبة.
لقد طورت إسرائيل صناعة عسكرية على مستوى عالمي، وتمت تجربة أسلحتها على الفلسطينيين، وتم تسويقها كأسلحة "تم اختبارها في ميدان القتال"، ونجحت الشركات الأمنية الإسرائيلية باستغلال العلامة التجارية لجيش الدفاع الإسرائيلي، فأصبحت من أكثر الشركات نجاحًا في العالم.. المختبر الفلسطيني علامة إسرائيلية مهمة في بيع منتجاتها الأمنية.
إزالة محتويات المنصة عن المسجد الأقصى حدثت في مايو/ أيار 2021، عندما اجتاحت قوات إسرائيلية المكان بينما كان آلاف الفلسطينيين يصلون فيه
لا بد أن أحدًا منا أدرك عمليًا كيف تقوم فيسبوك بمنع محتوى يُظهر ما يتعرض له الفلسطينيون من قمع على يد الصهاينة، ووصل الأمر بأن أي صورة للسيد إسماعيل هنية تنشر بعد استشهاده بدقائق تسبب حذف المنشور، مع تحذير لكاتبه للامتناع عن نشر ما يخالف معايير المجتمع التي تقررها الفيسبوك.
أدت هذه المراقبة إلى اختفاء مئات المحتويات الفلسطينية لأسباب مجهولة.. رُزق رجل فلسطيني بطفل سماه قسّام، ولذلك تم حجب المحتوى الذي كتبه الرجل مهنئًا ابنه بيوم مولده، ونشر أحد الغزيين صورة لبناء قبل أن يحطمه صاروخ إسرائيلي فتم رفع الصورة من منصة إنستغرام (وإن عادت بعد مراجعات كثيرة).
وكذلك قامت إنستغرام بإزالة كثير من المحتويات عن المسجد الأقصى، زاعمة اختلاط الأمر على المشرفين بين المسجد الأقصى وكتائب شهداء الأقصى.
يعلق المؤلف أن من المريح توقع أن المسألة كانت خطأ بريئًا، ولكن أشرف زيتون، الرئيس السابق لسياسات فيسبوك في الشرق الأوسط، أخبر موقع بلفيز نيوز الإخباري أن الشركة قد وظفت خبراء في الإرهاب يستطيعون دون شك التمييز بين موقع إسلامي مقدس وجماعة إرهابية، واتهم شركة فيسبوك بأنها لا ترغب في إثارة استياء الصهاينة.
إزالة محتويات المنصة عن المسجد الأقصى حدثت في مايو/ أيار 2021، عندما اجتاحت قوات إسرائيلية المكان، بينما كان آلاف الفلسطينيين يصلون فيه. في الوقت ذاته فوجئ مستخدمون لمنصة فيسبوك بتسجيل إعجابهم ومتابعتهم لصفحة اسمها "فريق صلاة القدس"، وأكدوا أنهم لم يفعلوا ذلك، الصفحة المذكورة يتابعها 75 مليونًا، وهي أكبر صفحة مؤيدة لإسرائيل في العالم على فيسبوك.
في عام 2021، كتب عاملون في شركتي "غوغل وأمازون" اعتراضًا على مشاركة هاتين الشركتين في أعمال مشروع نيمبوس، وهو مشروع اقتضى صفقة قيمتها 1.2 بليون دولار بين حكومتي إسرائيل وأميركا
في مايو/ أيار 2021، قام نشطاء فلسطينيون بتنظيم حملة عالمية لتخفيض تقييم برامج فيسبوك، ومنحها تقييمًا يساوي نجمة واحدة فقط.. كان لهذه الحملة تأثيرها؛ فقد نجحت في تخفيض تقييم فيسبوك نجاحًا ملحوظًا، ولذا فقد أصدرت الشركة بيانًا في سبتمبر/ أيلول 2022، قالت فيه إنه يبدو أن أعمال شركة ميتا (الشركة الأم لفيسبوك) كان لها تأثير سلبي على حقوق الإنسان، وعلى حقوق المستخدمين الفلسطينيين؛ بسبب تحيز غير مقصود.
ما حدث بعد ذلك هو أن الشركة أصبحت تستجيب في بعض حالات الاعتراض على حذف المحتويات، ولكن نسبة الشفافية لم تتحسن، ولم تستجب لباقي المطالب التي رفعها النشطاء الفلسطينيون.
جيليان يورك، مؤلفة كتاب "قيم السيليكون: مستقبل حرية التعبير في ظل المراقبة الرأسمالية"، كانت متشائمة بشأن أي تغيير في سياسات هذه الشركات.
ليس لهذه الشركات مصلحة للاستثمار في إجراءات أفضل، خاصة ما يساعد الجماعات المهمشة؛ لأن دافعها هو الربح، ووسائلها هي بيع الإعلانات، والإعلانات تأتي من الأثرياء، ولذا ليس هناك دوافع للاستجابة لطلبات غير الأثرياء مثل أهل فلسطين وأهل بورما.
في عام 2021، كتب عاملون في شركتي "غوغل وأمازون" اعتراضًا على مشاركة هاتين الشركتين في أعمال مشروع نيمبوس، وهو مشروع اقتضى صفقة قيمتها 1.2 بليون دولار بين حكومتي إسرائيل وأميركا، وأحد أهداف المشروع هو ضمان أن الحكومة الألمانية لن تتمكن من الوصول إلى معلومات عن جيش الدفاع الإسرائيلي من أجل المحكمة الجنائية الدولية.
كتب عاملون في شركتي غوغل وأمازون، احتفظوا بسرية أسمائهم: "التقنيات التي تعاقدت شركاتنا على إنشائها ستجعل التمييز المنهجي والتهجير المنظم الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي أكثر وحشية وعنفًا وفتكًا بالنسبة للفلسطينيين".
وقدم مجموعة من العاملين في غوغل استقالاتهم، ومن هؤلاء الموظفة اليهودية آرييل كورن، التي كتبت في استقالتها: إن الشركة قامت بالانتقام الرسمي من العاملين المعترضين، وخلقت بيئة من الخوف لدى الموظفين.
إننا نطلب منهم أن يتعاملوا مع المواد الفلسطينية بنفس الأسلوب الذي يتعاملون به مع تنظيم الدولة
- وزيرة العدل الإسرائيلية
في مايو/ أيار 2021، قامت مجموعة غوغائية إسرائيلية بنشر إعلان على واتساب، تدعو يهود إسرائيل لاستهداف العرب مستخدمين التجهيزات المناسبة، وذكروا منها القبضات الحديدية والسكاكين والعصي والمسدسات.
وفي 12 مايو/ أيار حطمت جماعة الغوغاء محل مثلجات يملكه عربي جنوبي تل أبيب، وتبع ذلك عشرون هجومًا قام بها متطرفون صهاينة يعارضون أي اختلاط بين العرب واليهود.. تحركت الشرطة الإسرائيلية ببطء لوقف هذه الأعمال، فيما لم تقم أي من منصتي واتساب وإنستغرام بحجب هذا النداء رغم وضوح محتواه.
قام أحمد شهاب الدين، الصحفي الفلسطيني الكويتي الأميركي بإرسال مجموعة من الأفلام القصيرة على منصة إنستغرام، ارتكزت جميعها على المشاهد التي حدثت بسبب التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين في مايو/ أيار 2021.
على مدى أسبوعين كانت الاستجابة رائعة، وارتفع عدد متابعيه من ثمانين ألفًا إلى مئتين وعشرين ألفًا، ولكن فجأة لم يعد ممكنًا تحميل أكثر هذه المنشورات، وتساءل المتابعون عن السبب.. كان واضحًا أنه قد تم استهداف المحتويات التي تضفي مسحة إنسانية على الفلسطينيين، أو توثق حدوث عنف إسرائيلي ضدهم.
بعدها دُعي إلى الاجتماع بعضوين من شركة ميتا، كان الدفاع الرئيسي أن الغاية الأساسية للمنصة هي الترفيه، والمشاركة مع الأسرة والأصدقاء، ورغم علمهما بأن المنصة تُستخدم في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، فإن ذلك ليس هدفها الرئيسي، وعندما سأل عن حجب الكثير من المحتوى الفلسطيني مقابل نشر عدد ضخم من المحتوى الإسرائيلي الأكثر عنفًا ردّا: إن إسرائيل تُنبه إلى محتويات أكثر بكثير من معظم الحكومات الأخرى.
في عام 2016، اجتمعت وزيرة العدل الصهيونية، إيليت شاكيد، مع مديرين تنفيذيين في شركة فيسبوك، وصرحت بعدها: إن فيسبوك وغوغل ويوتيوب تحذف نحو 95% من المواد التي تطلب إسرائيل حذفها، وقالت: "إننا نطلب منهم أن يتعاملوا مع المواد الفلسطينية بنفس الأسلوب الذي يتعاملون به مع تنظيم الدولة".
شاكيد نفسها نشرت على الفيسبوك عام 2014 تعليقًا يقول إن أطفال فلسطين أفاعٍ صغيرة، وحرضت على قتل جميع الفلسطينيين، لأنهم جميعًا من الأعداء المقاتلين.. ولم يتم حذف تعليقها من فيسبوك.
يدير ضباط مخابرات إسرائيليون في الضفة الغربية صفحات على فيسبوك من أجل الترويج لفكرة عدم وجود الاحتلال، وأن المقاومة الفلسطينية غير أخلاقية، وأن اليهود والعرب متعايشون بسلام
حسب دراسة قامت بها الأكاديمية الفلسطينية أمال نزال (الأستاذ المساعد بجامعة بير زيت)، فإنها لم تجد أي معلومة عن كيفية تعريف يوتيوب عن المحتوى الذي ترفض نشره، وقدمت لائحة طويلة من أفلام فيديو غير عنيفة قام فلسطينيون بتحميلها، ولكن تم حذفها، لأنها (عنيفة)، أي فيديو يصور جنودًا إسرائيليين يعتدون على مسن فلسطيني يعتبرونه غير مناسب، بينما تنشر اليوتيوب عددًا لا يُحصى من الأفلام للجيش الإسرائيلي تحتفي بالعنف، وهناك أعداد هائلة من أفلام الجيش الإسرائيلي تُظهر تخريب غزة.
تقوم فلسفة اليوتيوب على أن المجتمع الفلسطيني عنيف بطبيعته، وبالتالي يجب أن تتم مراقبة محتوياته بدقة، وتُعرّف إسرائيل التحريض بشكل واسع جدًا يشمل مجرد تأييد حقوق الإنسان الفلسطيني، أو معارضة الاستعمار الصهيوني. النشر على وسائل التواصل الاجتماعي سبب كافٍ لكي يقوم الجيش الإسرائيلي باعتقال فلسطيني عدة أيام أو أسابيع أو شهور.
الناشطة الفلسطينية دارين طابور تعرضت لسنوات من الحجز المنزلي وأشهر من الحبس سنة 2018، لأنها نشرت قصيدة "قاوم يا شعبي قاوم"؛ فقد اعتبرت إسرائيل ذلك حضًا على الإرهاب، بينما وجد معهد فيغو للأبحاث 5.2 ملايين تعليق باللغة العبرية، يدعو إلى العنف ويستهدف العرب بالإساءة، ولم يتعرض أي من كتابها للعقاب.
يدير ضباط مخابرات إسرائيليون في الضفة الغربية صفحات على فيسبوك من أجل الترويج لفكرة عدم وجود الاحتلال، وأن المقاومة الفلسطينية غير أخلاقية، وأن اليهود والعرب متعايشون بسلام.
هل سيستمر الفلسطينيون في قبول كونهم مجرد طريقة تكسب بها شركات التقنيات أموالًا هائلة؟ يتساءل الكاتب..
عينت شركة فيسبوك "جوردانا كتلر" في منصب مدير سياساتها العامة في إسرائيل والشتات اليهودي سنة 2016، وهي مستشارة سابقة لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، بينما لا يوجد ممثل للفلسطينيين في فيسبوك.
يمثل مدير السياسات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المقيم في دبي 25 دولة في المنطقة في فيسبوك. تقول نائبة رئيس فيسبوك لشؤون سياسات المحتوى: إن الشركة تستلهم روح ونص التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة. تعريفات "تحالف ذكرى المحرقة" تخلط بين كراهية إسرائيل ومعاداة السامية، وبالتالي يمكن حظر معظم ما يوجه من انتقادات إلى إسرائيل.
كلما أصبحت تصرفات إسرائيل أكثر تطرفًا ضد الفلسطينيين، صعّد مؤيدوها في الغرب جهودهم لمحاولة قمع وإسكات انتقادها.. عندما تم ظلمًا حبس الناشطة الفلسطينية اليسارية خالدة جرار سنة 2021 رفضت إسرائيل السماح لها بحضور جنازة ابنتها.
نشر عمر نزال على حسابه في فيسبوك رسالة، منها: "جاءت سهى إلى العالم بينما كان والدها في السجن، وهي تغادر العالم بينما والدتها في السجن".. بعد خمس ساعات أخبرت فيسبوك نزال أن حسابه سيتم حجبه لمدة شهرين لأن المحتوى المنشور "يتعارض مع قيمنا بشأن الأفراد الخطرين، والمنظمات الخطرة!"
هل سيستمر الفلسطينيون في قبول كونهم مجرد طريقة تكسب بها شركات التقنيات أموالًا هائلة؟ يتساءل الكاتب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.