الإنسان في رحلة الحياة نحلة أم ذبابة؟ إليك البيان بالتفصيل.
لقد خلق الله الكائنات، ومن ضمن ما خلق الحشرات، ومن أشهر الحشرات المعروفة والمألوفة النحلة والذبابة. ورغم أن لكلتا الحشرتين مزايا فريدة وتراكيب معقدة، فإن لهما معاني فارقة.. إحداهما ترفع المنعوت بها فوق السماء، والأخرى تحط بالموصوف بها في درك الحضيض!.
إياك أن تقول لأحدهم: "أنت ذبابة"؛ فهي شتيمة لاذعة في نظر الجميع، بينما سيسعد كثيرًا من تنعته بالنحلة، رغم أنهما حشرتان طائرتان متقاربتان في الحجم.. فما الفرق بينهما؟ ولماذا كان النعت بالأولى مسبة وشتيمة وبالثانية مديحًا وثناء؟
النحلة هي صانعة العسل، الحلو طيب المذاق، بما يحمل من لذة وشفاء للناس، وقيمة غذائية متفق عليها.. النحلة طيبة لا تحط إلا على الورود والطيبات، تعمل بجد لجمع الرحيق، ولا تتوقف حتى تكتمل الخلية وتملأَها بالشمع والعسل المصفى
تسقط الذبابة على القاذورات عادة، وتسبب الأمراض، وهي من أخطر الحشرات نقلًا للأوبئة، ومن أبرز الأمراض التي تسببها الذبابة: (التيفوئيد، والكوليرا، والجمرة الخبيثة، والجذام، وداء الليشمانيات، والدوسنتاريا، وغيرها).. في بعض المصادر أن الذبابة تنقل 200 نوع من البكتيريا، البعض لا يحتمل مظهرها القبيح والمقزز، والبعض تأقلم مع وجودها وقد يهشّها أحيانًا برفق غير مكترث لوجودها من عدمه.
بيد أن بعض الباحثين ينبه على خطورتها، وأنها تتقيأ بصورة دائمة على طعامك، ثم إنها تستطيب الأماكن القذرة، فتهبط على العفن وكل مستقذر يأنفه الذوق السليم، البعض يتهاون مع الذباب، علمًا أن بعض العلماء يحذر منها، حيث يقول عالم الحشرات "رون هاريسون": لا يحتاج الذباب لنقل جراثيمه إلا للمسة بمقدار ثانية واحدة، لهذا يحذر من تناول الطعام الذي يبيعه الباعة المتجولون، فإذا شاهدت ذبابة تحوم فتوقع أنّ الجراثيم مهيأة للانتقال إلى معدتك. بعض الذباب لحوح لجوج، وكأنه يتعمد إيذاءك وإزعاجك، لا سيّما في فصلَي: الصيف والربيع.
أما النحلة فهي صانعة العسل، العسل الحلو طيب المذاق، بما يحمل من لذة وشفاء للناس، وقيمة غذائية متفق عليها.. النحلة طيبة لا تحط إلا على الورود والطيبات، تعمل بجد لجمع الرحيق، ولا تتوقف حتى تكتمل الخلية وتملأها بالشمع والعسل المصفى، ورغم وجود شوكتها الدفاعية فإنها تذكرنا بكل العناوين الخيرة، العمل والإخلاص، الورد والرحيق، العسل الشهي الذي يمدنا بالطاقة والحيوية والشفاء.
النحلة لها العديد من الفوائد، سواء على البيئة كدورها البارز في التلقيح النباتي، أو لما يتحصله الإنسان من منتجات غاية في الأهمية، ومما تنتجه النحلة للبشر الشمع، والعسل، والعكبر، وغذاء الملكات.
فلماذا الحديث عن هاتين الحشرتين؟. نستطيع قراءة كل حشرة قراءة مسطحة، ونحفظ المعلومات العلمية لكل صنف وكفى.. غير أن الأهم هو القراءة الأعمق، لبلوغ أغوار المعاني المستفادة من درس هاتين الحشرتين. فماذا نستفيد؟ على الواحد منا أن يتأمل حياته جيدًا، ويقيّم تصرفاته بموضوعية؛ أهو ضمن عالم الذباب اللعين، أم في كرنفال راقص برفقة الملكة المكرمة؟
الإنسان حيث وضع نفسه، فلماذا لا نجعل هذا الكوكب يدوّي بفيالق النحل، ويترفع عن الانخراط ضمن جيوش الذباب الضار؟، ما أجمل أن يكون الواحد فينا نحلة بكل المقاييس التي تبعث على الفخار
أي نوع نحن في الحقيقة؟ أنقدم الفائدة لأنفسنا وللآخرين كما تصنع النحلة، أم نزاول الأذية بكل فنونها وأشكالها؟ البعض يضر نفسه باستخدام المواد الضارة كالتدخين والمخدرات وإنتاج عوادم السيارات والمصانع، وإلقاء النفايات في البحر والطرقات وغيرها، وهذا هو دور الذبابة.. فمتى سنوقف الوباء؟ بينما نجد آخرين دورهم دور النحلة، يعطرون الأجواء بزراعة الورود وتشجير الحدائق، ونشر الطاقة الإيجابية، في كل مكان.
نتعلم من درس النحلة والذبابة فن الابتعاد عن الخصال الذميمة، كالكذب والسرقة والاحتيال والتعامل الفظ الخشن، وإحلال كل محمود بالتعامل الطيب وإلقاء التحية ونشر الابتسامة.
إننا نتعلم من هذا الدرس بذل النشاط القوي في كل خير، وصرف المنفعة الجزلة لكل المحيطين، لأنفسنا وللبشر ولسائر المخلوقات والكائنات، ورفع الأذى وتحاشي الوقوع في بؤرة الشر.
لا نحتاج لتقييم الآخرين ولا داعي أن يصفنا أحدهم بالنحلة أو الذبابة؛ فالإنسان أبصر بطبيعته، والمهم هي الحقيقة التي تتشكل بها شخصيتنا، لا مجاملات الآخرين وشتائمهم.
البعض حقيقة هو نحلة بالفعل في كل فصول حياته، والبعض الآخر – مع شديد الأسف – لا يتقمص إلا قميص الذباب، فالإنسان حيث وضع نفسه، فلماذا لا نجعل هذا الكوكب يدوّي بفيالق النحل، ويترفع عن الانخراط ضمن جيوش الذباب الضار؟، ما أجمل أن يكون الواحد فينا نحلة بكل المقاييس التي تبعث على الفخار.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.