في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها فلسطين، يجد المواطن العربي العادي نفسه واقعًا بين تيارين مختلفين حول كيفية التعاطي مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هذان التياران ليسا فقط حالة سياسية، بل واقع تتغلغل آثاره في أعماق الفكر والمجتمع العربيين، ما يعكس حالة الانقسام والتباين في المواقف بين من يؤمن بالسلام والتفاوض كحل، وبين من يرى أن المقاومة والصمود هما الطريق الوحيد لتحقيق الحقوق.
الحركات الليبرالية والعلمانية العربية تدعو إلى نهج براغماتي في التعامل مع إسرائيل، معتبرة أن الأولوية يجب أن تكون لتحقيق الاستقرار الداخلي وتعزيز التنمية، حتى ولو كان ذلك مقترنًا بالتنازل عن بعض الحقوق
التيار الأول: اليأس إحدى الراحتين
يعبّر هذا التيار عن الفئة التي تؤمن بأن الحلول التفاوضية والدبلوماسية هي الخيار الأمثل، حتى وإن كان الثمن تقديم بعض التنازلات. هذه الرؤية تجد تمثيلها في أغلب الحكومات العربية الرسمية، التي تميل إلى اتّخاذ مواقف "معتدلة"، أو داعية إلى السلام مع إسرائيل في إطار اتفاقيات سياسية ودبلوماسية.
هذا التيار يستند إلى منطق يبرر التفاوض بأنه الحل الأنسب لتجنب المزيد من سفك الدماء، وتحقيق بعض المكتسبات السياسية والاقتصادية للفلسطينيين. الفئة التي تنتمي إلى هذا التيار ترى أن استمرار الصراع قد لا يكون مجديًا، خصوصًا في ظل تراجع الدعم الدولي والانقسامات الداخلية الفلسطينية. لذلك، تدعو إلى الاستفادة من الفرص المتاحة للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من الحقوق الفلسطينية.
من أبرز من يمثل هذا التيار، الحركات الليبرالية والعلمانية العربية التي تدعو إلى نهج براغماتي في التعامل مع إسرائيل، معتبرة أن الأولوية يجب أن تكون لتحقيق الاستقرار الداخلي وتعزيز التنمية، حتى ولو كان ذلك مقترنًا بالتنازل عن بعض الحقوق.
وهذا التيار يلقى دعمًا من بعض الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، معتبرة أن التطبيع الاقتصادي والسياسي يمكن أن يكون وسيلة لتحسين الظروف المعيشية في المنطقة.
حركات المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي، والتي تتبنى هذا التيار، تؤكد في كل مرة أن الحل لا يمكن أن يكون إلا عبر الضغط والمقاومة المستمرة
التيار الثاني: الشجاعة صبر ساعة
على النقيض، يتمسك التيار الآخر بفكرة أن المقاومة والصمود هما السبيل الوحيد لتحقيق العدالة للفلسطينيين. يرى هؤلاء أن التنازل أو التفاوض مع إسرائيل لا يجلب إلا المزيد من الإذلال والضعف، وأن الصبر والمقاومة المسلحة والسياسية هما الطريق الوحيد لتحصيل الحقوق كاملة.
هذا التيار يجد تمثيله في التيارات المحافظة والإسلامية في العالم العربي، التي تؤمن بأن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي هو صراع وجودي لا يمكن تسويته عبر المفاوضات أو الاتفاقيات الجزئية.
هذه الفئة تستشهد بالتاريخ، معتبرة أن الاحتلال لن يقدم تنازلات جوهرية إلا تحت ضغط المقاومة والصمود، كما ترى أن التمسك بالقضية الفلسطينية وعدم تقديم أي تنازل هو جزء من الهوية العربية والإسلامية، التي لا يمكن التفريط بها.
حركات المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي، والتي تتبنى هذا التيار، تؤكد في كل مرة أن الحل لا يمكن أن يكون إلا عبر الضغط والمقاومة المستمرة. في تصريح لإسماعيل هنية، الرئيس السايق للمكتب السياسي لحركة حماس، أكد أن "المقاومة ستظل الخيار الأصيل حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني"، ما يعكس إصرارًا على خيار المواجهة بدلًا من المفاوضات.
يبدو أن المسار المستقبلي سيتحدد بناءً على توازن القوى السياسية والإقليمية، لكن يبقى المواطن العربي العادي في حالة انتظار وترقب، متأرجحًا بين هذين الخيارين
المواطن العربي بين التيارين
المواطن العربي العادي، الذي يعايش هذه الأفكار المتناقضة يوميًا عبر وسائل الإعلام ومواقف الحكومات، يجد نفسه مشوشًا بين هذين التيارين. من جهة، يرى الحاجة إلى الاستقرار وإنهاء النزاعات التي تؤثر على حياة الشعوب، ومن جهة أخرى، يشعر بواجب أخلاقي وديني تجاه القضية الفلسطينية التي تمثل رمزًا للنضال ضد الظلم.
غالبية المواطنين العرب يشعرون بأن القضية الفلسطينية هي قضية عربية وإسلامية، لكنها لم تعد تحظى بمستوى الاهتمام الشعبي كما كان الحال في السابق، نظرًا للتحديات الداخلية التي تعيشها الدول العربية. ومع ذلك، هناك شعور بالمرارة إزاء المحاولات المتزايدة للتطبيع مع إسرائيل، ما يخلق شعورًا بالازدواجية بين دعم السلام والاستياء من عدم تحقيق العدالة الكاملة للفلسطينيين.
الصراع بين هذين التيارين يعكس الحالة المعقدة التي يعيشها العالم العربي تجاه القضية الفلسطينية. بين من يرى أن اليأس قد يكون مبرَّرًا إذا أدى إلى السلام والاستقرار، وبين من يرى أن الصمود والمقاومة هما الطريق إلى النصر والكرامة.
في النهاية، يبدو أنَّ المسار المستقبلي سيتحدد بناءً على توازن القوى السياسية والإقليمية، لكن يبقى المواطن العربي العادي في حالة انتظار وترقب، متأرجحًا بين هذين الخيارين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.