في الذكرى العزيزة لثورة نوفمبر/ تشرين الثاني، يتجدد التذكير بتضحيات الأجداد وشجاعتهم، ليظل تاريخنا علامة بارزة تعكس إرادتهم الصلبة في نيل الحرية والاستقلال.

هذه الذكرى ليست مجرد وقفة للتأمل في أمجاد الماضي، بل هي دعوة ملحة لمواصلة بناء الحاضر وصياغة مستقبل أفضل.. الجزائر، رغم ما شهدته من تقدم ملحوظ في مجالات الطاقة والصناعة، طموحها نحو التطور الشامل ما زال يستدعي بذل المزيد من الجهود وتطوير الذهنيات.

استثمرت الجزائر انضمامها إلى مجلس الأمن لتكون نصيرًا صلبًا للقضية الفلسطينية. في ظل تصاعد التوترات في غزة، عملت الجزائر على تسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، داعيةً إلى ضرورة الحماية الدولية للفلسطينيين

إنجازات

لقد حققت الجزائر إنجازات بارزة في مجال الطاقة، حيث بلغ إنتاج الغاز الطبيعي أكثر من 136 مليار متر مكعب بنهاية 2023، محققًا نموًّا سنويًّا بنسبة 2% منذ عام 2015. واحتلت الجزائر المرتبة السابعة عالميًّا في تصدير الغاز، بفضل صادرات بلغت 52 مليار متر مكعب موزعة بين الغاز المسال وخطوط الأنابيب. كما وصلت قيمة إنتاج المحروقات إلى 194 مليون طن مكافئ نفط، ما يعكس قدرات البلاد في استغلال مواردها الطبيعية وزيادة الإنتاج.

تنويع الاقتصاد

لم تقتصر الإنجازات على قطاع الطاقة، إذ شهدت الجزائر طفرة في الاستثمارات الصناعية، ما ساهم في تعزيز النمو الاقتصادي خلال الربع الأول من عام 2023، مع توقعات باستمرار هذا التوسع حتى 2025. كذلك، بفضل السياسات الاقتصادية الجديدة، ارتفعت الصادرات خارج قطاع المحروقات إلى أكثر من 7 مليارات دولار في عام 2022، مع استمرار هذا النمو في العام الحالي، ما يعكس نجاح الجزائر في تنويع مصادر دخلها وتعزيز اقتصادها.

دعم فلسطين

وعلى الصعيد الدولي، استثمرت الجزائر انضمامها إلى مجلس الأمن لتكون نصيرًا صلبًا للقضية الفلسطينية. في ظل تصاعد التوترات في غزة، عملت الجزائر على تسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، داعيةً إلى ضرورة الحماية الدولية للفلسطينيين، وحقهم المشروع في إقامة دولتهم المستقلة. هذا الدور يدعم التزام الجزائر الثابت بمواقفها المبدئية، ويبرز سعيها لتكثيف التنسيق مع الدول المناصرة للحقوق الفلسطينية، ساعيةً إلى كسب تأييد عالمي لعدالة هذه القضية.

لنستمدّ من تضحيات الأجداد العزم، ولنمضِ قدمًا لبناء جزائر مزدهرة، فالتقدم لا يتحقق إلا بتكاتف الجهود وتطوير الذهنيات نحو جعل العمل قيمة عليا، تسهم في بناء الوطن بأيدي أبنائه، ليمتد عطاؤهم جيلًا بعد جيل، نحو مستقبل يليق بطموحاتهم

استغلال الوضع الدولي

في ظل الأزمة الطاقوية التي تعصف بأوروبا نتيجة الحرب في أوكرانيا، تقف الجزائر في موقع إستراتيجي متميز، لكونها أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي في أفريقيا. وبالنظر إلى حاجة أوروبا المتزايدة إلى مصادر طاقة بديلة للغاز الروسي، تستطيع الجزائر التفاوض بشروط أكثر مواتاة لتعزيز علاقاتها مع الدول الأوروبية.

هذه الظروف تمثل فرصة ذهبية لتعزيز استثماراتها في البنية التحتية للطاقة، وزيادة الإنتاج، وتطوير أنابيب الغاز باتجاه أوروبا، ما سيمنحها نفوذًا أكبر في القضايا الإقليمية والدولية، ويعزز مكانتها كفاعل محوري في المنطقة.

الإعلام سلاح

مع التطورات المتسارعة في العالم، أصبح الإعلام واحدًا من أقوى الأدوات لتشكيل الرأي العام وبناء الوعي المجتمعي. لضمان حرية تعبير فعّالة، تحتاج الجزائر إلى بيئة إعلامية حرة، تتيح للصحفيين ممارسة دورهم دون قيود، مع ضرورة الاستثمار في التكوين المهني الفعّال للإعلاميين؛ فالإعلام المتزن والحر يعد من ركائز التنمية، ودونه لا يمكن بناء وعي جمعي يسهم في دعم الإصلاحات والتغيير الإيجابي.

تغيير الذهنيات ضرورة

ورغم هذه الإنجازات، فإن الطريق إلى التنمية المستدامة ما زال يتطلب تغييرًا جذريًّا في الذهنيات نحو تقدير العمل باعتباره شرفًا، مهما كانت ظروفه. العمل الجاد والإتقان هما حجر الأساس لبناء الوطن، فالجزائر بحاجة إلى أبنائها وإلى جهدهم الموصول لبناء مستقبل مزدهر.. ولعل هذه الذكرى تمثل فرصة ملهمة للعمل بعيدًا عن التباهي، مع التركيز على الإنتاجية والعطاء كسبيل لتحقيق الأهداف الكبرى.

فلنستمدّ من تضحيات الأجداد العزم، ولنمضِ قدمًا لبناء جزائر مزدهرة، فالتقدم لا يتحقق إلا بتكاتف الجهود وتطوير الذهنيات نحو جعل العمل قيمة عليا، تسهم في بناء الوطن بأيدي أبنائه، ليمتد عطاؤهم جيلًا بعد جيل، نحو مستقبل يليق بطموحاتهم.