منذ أن بدأت الحرب قبل أكثر من سنة، الجميع يتحدثون عن الجهود التي تتواصل من أجل وقفها، اللجنة الثلاثية الوسيطة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول لم تتوقف عن صرف الوقت والطاقة؛ للوصول إلى نهاية هذه الحرب الجنونية، لكنها كلها لم تأتِ بالنتيجة المرجوة، توقفت أسابيع ثم عادت أكثر ضراوة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لما قال إن الطريق لوقف الحرب هو منع تصدير الأسلحة، التي تستعمل في الحرب في غزة ولبنان، قال له نتنياهو: "عار عليك".. أهانه بكلمات صريحة، وأجبر الإليزيه على تقديم توضيح بدلًا من إبداء موقف يليق بكرامة الإليزيه التاريخية
الحرب الدائرة الآن في غزة ولبنان، لو أن دولة أخرى غير إسرائيل هي التي تشنها وتمارسها لسارع مجلس الأمن لوضعها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يفعلونه الآن مع روسيا، لكن العاصم لها أنها عضو في مجلس الأمن، حمتها عضويتها في المجلس، وإلا لكانت الآن تحت وطأة الألم والمعاناة نتيجة القرارات الأممية، التي كانت ستصدر بحقها.. لكن الغرب لم يتوانَ في فرض حصار عليها، وتزويد أوكرانيا بأغلب ما يوجع موسكو، وهو الحال مع إيران، وهو ما جرى من قبل مع العراق في محطات مختلفة، بالحق وبالباطل.
أما إسرائيل، فالأمر معها مختلف، لا تعاقَب، وإنما تكافَأ، وتُفرض العقوبات على المعتدى عليه، وعلى كل من يريد مساعدته في دفع الظلم.. فهذه الحرب لا تتوقف لهذه الأسباب الظاهرة:
في البدايات، كل الدول الغربية اعتمدت الرواية الإسرائيلية، وتجاهلت مبدأ التحقيق والتثبت من الأخبار الكثيرة، فوقفت إلى جانب "إسرائيل"، وأبدت التعاطف الكامل معها، فزودتها بكل ما تحتاجه في ممارسة الظلم، وسحق المظلومين، من سلاح ومال، ودعم سياسي.
وبمرور الوقت، لما تبين لهم الأمر وظهرت لهم الحقائق، ورأوا الكوارث بحق الإنسان ومفهوم الإنسانية، بدأت المواقف تتغير، لكن لم يمكنهم فعل شيء.
إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لما قال إن الطريق لوقف الحرب هو منع تصدير الأسلحة، التي تستعمل في الحرب في غزة ولبنان، قال له نتنياهو: "عار عليك".. أهانه بكلمات صريحة، وأجبر الإليزيه على تقديم توضيح بدلًا من إبداء موقف يليق بكرامة الإليزيه التاريخية، فالغرب بدا أضعف أمام نتنياهو، وأشرس على أطفال غزة، كأنه خارج المعادلة الشرق – أوسطية.
الولايات المتحدة الأميركية؛ التي تريد لهذه الحرب الاستمرارية، ولا تريد لها أن تتوقف، فهي إحدى أضلاع اللجنة الثلاثية الوسيطة مع الدوحة والقاهرة، وهي التي لم تتردد ولم تُخْف دعمها المطلق للكيان الإسرائيلي المعتدي، بدعوى أكذوبة الدفاع عن النفس
المؤسسات الدولية القانونية العدلية والدبلوماسية، التي تتحدد مهامها بتنفيذ القانون، واللجوء إلى القوة القانونية في سبيل ذلك، والمؤسسات العدلية والجنائية التي مهمتها محاسبة ومعاقبة العاصي والخارج على القانون الدولي، ومجلس الأمن الدولي الذي يفرض القانون والميثاق الأممي.. كل هذه وغيرها عطلتها الولايات المتحدة الأميركية، وأفرغتها من محتواها.
هذه المؤسسات تحولت فيما يتعلق بالحرب على غزة ولبنان إلى قوالب فارغة من المحتوى، وذلك بسبب صلافة الأميركيين واستعمال حق النقض أمام كل الجهود الدولية. لقد أهان ممثل إسرائيل الأمم المتحدة في مقرها، وأمينها العام أنطونيو غوتيريش، وأما ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، فانتظر على الحدود الجنوبية لغزة في رفح، لم يسمح له بالدخول إلى أراضي غزة.. فهذه المؤسسات والشخصيات، التي تقتضي مهامها العمل في مثل هذه الأجواء، عُطّلت ومُنعت من أي تحرك يسعى لإيقاف المجازر والتوحش القائم بفعل واشنطن.
السبب الثالث، ورأس الأسباب كلها، هو الولايات المتحدة الأميركية؛ التي تريد لهذه الحرب الاستمرارية، ولا تريد لها أن تتوقف، فهي إحدى أضلاع اللجنة الثلاثية الوسيطة مع الدوحة والقاهرة، وهي التي لم تتردد ولم تُخْف دعمها المطلق للكيان الإسرائيلي المعتدي، بدعوى أكذوبة الدفاع عن النفس، كما هي أكذوبة حقوق الانسان التي تتذرع بها للتدخل في شؤون الدول والشعوب. بعضهم يصدقون مزاعم واشنطن، فيرددون أنها لا تريد لهذه الحرب أن تتوسع، أو أن تتحول إلى حرب إقليمية كبرى، وهذه المقولة بحاجة إلى تصويب.
صحيح أن واشنطن لا تريد لهذه الحرب أن تتوسع رسميًا، حتى لا تخرج عن سيطرتها وضبط إيقاعها؛ لأن ذلك يفتح الباب لمشاركة بعيدة لمنافسيها من الدول الكبرى كالصين، والحرب الواسعة تفتح الباب على المزيد من التوتر والصداع في المنطقة العربية والإسلامية، وتثير المشاكل مع شعوبها، وتعرّض مصالح الولايات المتحدة إلى الاستهداف المباشر دون تردد من طرف المجموعات المسلحة، وقد لا يستطيع العراق – البلد المهم لأميركا- البقاء محايدًا في حرب كهذه.
إرادة الشعوب لا تكون ذات أهمية إذا ناقضت المصالح السياسية، والمصلحة لا تستوجب أكثر من القلق إزاء الكم الكبير من القتل، لكن من دون توقف القتل
فأميركا لا تريد حربًا واسعة، لكنها تريد حربًا كالتي تجري الآن، تريد لهذه الحرب أن تستمر على النمط القائم، حيث إسرائيل تقوم -كما تزعم- بمهمة الحدّ من نفوذ إيران، وتقليم قواها الإستراتيجية في المنطقة. هذه الحرب تعمل على إزالة العوائق في طريق الهيمنة الأميركية، وتحييد القوى المعارضة التي تسبب الصداع لها، وتتمرد على سياساتها، وتمتنع عن تلبية رغباتها، هذه القوى التي لا تخفي معارضتها الفعلية لواشنطن تريد الأخيرة من هذه الحرب إفناءها والقضاء عليها، فهي فوائد متبادلة بين نتنياهو وبايدن.
من جانب آخر، فإن نتنياهو لا يحترم كثيرًا الرئيس الأميركي، الذي يراه منتهي الصلاحية، كما أن النافذين في الإدارة الأميركية واقفون كليًا مع الحرب بالكيفية التي تشتهيها إسرائيل، مثل: جاك سوليفان مستشار الأمن القومي، وأنتوني بلينكن وزير الخارجية، وبريت ماكغورك ممثل الرئيس في الشرق الاوسط.
إن التحركات الشعبية والفعاليات الثقافية، التي غطّت مدن العالم، لم تنجح في التأثير على الرأي الرسمي الغربي لتغيير مسار هذه الحرب، ومن ثم وقفها، ما يعني أن إرادة الشعوب لا تكون ذات أهمية إذا ناقضت المصالح السياسية، والمصلحة لا تستوجب أكثر من القلق إزاء الكم الكبير من القتل، لكن من دون توقف القتل.
لهذا كله، بالإضافة إلى تكاسل الدول الإسلامية وتواطؤ بعضها، فشلت كل جهود المفاوضات التي استمرت سنة عجفاء كاملة، والحرب تحصد الأرواح من دون خجل تستدعيه الطبيعة الإنسانية التي تستحي من أعمال السوء.. وهذا لا يمكن أن يقبل به أي شخص شريف، حسب قول وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.