قرية فيلاغافي "Vellagavi" الرائعة، قرية نائية يحن إليها العديد من السائحين وعشاق الطبيعة، ليستكشفوا مناظرها الخلابة وجمال الطبيعة والبيئة الصحية فيها، وهي تستقطب الزائرين للمكوث والتخييم فيها، حيث يذوقون من راحة القلب وحلاوة الإنسانية، وتكون ملجأ ينسون فيه أنفسهم، وتتيح لهم فرصة لكي يعيشوا فيها حياة هادئة بعيدة عن ضغوط الحياة اليومية وهمومها الثقال، وعن تعقيدات الحضارة وصخب المدن.
من لا يرغب في هذه الأيام بالبقاء لحظة واحدة في مكان هادئ، بعيد عن ضجيج السيارات وملوثات الهواء؟!
غير أن الوصول إليها ليس من السهولة واليسر، بل يحتاج إلى قطع مسافة تقارب 7 كيلومترات مشيًا على الأقدام، ولا مجال هناك لاستعمال المركبات والسيارات، ولا يوجد أي شارع أو طريق جيد ينتهي إلى القرية، بل ممر وعر فقط.
وتقع هذه القرية في دولة تعد واحدة من أهمّ وأكبر وجهات الجذب السّياحيّ في العالم، وهي جمهورية الهند؛ "أرض الأديان واللغات" و" بلد التنوع الثقافي"، والتي لا تزال أراضيها ذات المساحة الجغرافية الشاسعة تمتلك الطبيعة دائمة الخضرة والبيئة الصالحة، حيث تضم الأراضي الخضراء، والأدغال المكتظة بالأشجار وقمم الجبال الجليدية، إضافة إلى المحيطات والسواحل الجاذبة.
بيدَ أن جميع الأقطار في العالم اليوم، ومن ضمنها الهند، تواجه تحديات متزايدة، وتعاني تدميرًا مروعًا ضد هذه الطبيعة. ورغم أن التحديات ظاهرة أمامنا، فإن أقلية منا هم من لا يزالون يقومون بحماية تلك المواهب الإلهية التي خلقها الله سبحانه لسائر الكائنات والدفاع عنها، ويشارك في هذه المهمة الرسمية العديد من الحركات والمنظمات الناشطة، كما ينضم إليها أناس من أهل الغابات والطبيعة من جميع أنحاء العالم بشكل غير رسمي، بما فيها قرية فيلاغافي.
ولا يزال مواطنو القرية، وأناس مثلهم من جميع أقطار العالم، يتمسكون بالإنسانية والمحبة بينهم، والقناعة بما تملك أيديهم، ويجعلون أنفسهم دروعًا بشرية لحماية الطبيعة وكنوزها، وهؤلاء موجودون منذ العصر القديم إلى عصرنا الرقمي، إلا أنهم بعيدون جدًا عن بصرنا وسمعنا، فربما نواجه ألوانًا من الصعوبات والمشقات للتواصل معهم والوصول إليهم. فنتزود لرحلتنا إليهم بالجرأة والعزيمة، "وكيف السبيل للوصول إليهم بغير ذلك؟"
"من لا يرغب في هذه الأيام بالبقاء لحظة واحدة في مكان هادئ، بعيد عن ضجيج السيارات وملوثات الهواء؟!"
يصفو وجه الزائر بهذا المنظر وما فيه من الراحة والسعادة، ليمسح آثار تعبه وعطشه، ويعود نبض قلبه إلى طبيعته بهدوء وسكون، ويُبلَّل حلقه الجاف بجرعة الماء العذب
موقع القرية
تقع فيلاغافي في غربي ولاية تاميل نادو (Tamil Nadu) الهندية، الواقعة في أقصى جنوبي الهند. وهذه المنطقة التي تضم قريتنا من غربي الولاية، تمنح السياح والزائرين فرصة الاندماج مع الطبيعة أكثر مما هو في أماكن أخرى، وتجاور القرية مدينة كودايكانال (Kodaikanal)، وهي مدينة سياحية مشهورة يقصدها آلاف السياح يوميًا، من داخل الهند وخارجها.
ويمكن الوصول إلى القرية من فاتاكانال (Vattakanal) (حي في كودايكانال)، بقطع مسافة تقارب 7 كيلومترات مشيًا على الأقدام، والطريق الوحيد الذي يربط القرية بفاتاكانال وأسواق قريبة منها هو ممر ترابي وعر، متعرج بين الجبلين شديدَي الانحدار، حيث إنه يخترق الصخور عبر الغابة كثيفة الأشجار والنباتات إلى أن ينتهي إلى حضن الجبلين، حيث ترحب بالقادمين مجموعة وجوه منيرة بتبسم يخطف قلوب الجميع.
ويصفو وجه الزائر بهذا المنظر وما فيه من الراحة والسعادة، ليمسح آثار تعبه وعطشه، ويعود نبض قلبه إلى طبيعته بهدوء وسكون، ويُبلَّل حلقه الجاف بجرعة الماء العذب، ثم يسرع نظره بدهشة طفيفة إلى القرية وفخامتها، وإلى ممراتها وألوانها الجميلة.
تحوي القرية مدرسة ابتدائية ومجموعة من المعابد الهندوسية. والسكان المحليون متحمسون للآلهة الهندوسية، ويعبدون أصنامهم وصورهم، وهناك في القرية 25 معبدًا
تاريخ القرية
يقول السكان المحليون: "يعود تاريخ هذه القرية بالكاد إلى 400 عام. وكان يزورها بعض النخبة من البريطانيين الذين أعجبوا بهذه القرية في أوائل استعمارهم للهند تحت شركة الهند الشرقية، فاختاروها لزمن مكانًا سياحيًا لحاجتهم الشخصية".
وبعد مغادرة البريطانيين الهند، أصبحت هذه المنطقة جزءًا من الاتحاد الهندي. وهذه البقعة استوطنها أسلاف سكان القرية نظرًا إلى إمكاناتها ووفرة المياه والتربة الخصبة. وعلى مر العصور، تشكلت في تلك البقعة قرية فيها أكثر من 150 مستوطنًا.
وكانت القرية تمتلك في داخلها كل مقومات الحياة في العصر القديم، إلا أنها اليوم تعتمد على خارجها في شتى المجالات. ويستخدم سكانها اللغة التاميلية Tamil (لغة ولاية تامل نادو الرسمية) للتواصل والكتابة.
وإلى جانب المساكن تحوي القرية مدرسة ابتدائية ومجموعة من المعابد الهندوسية. والسكان المحليون متحمسون للآلهة الهندوسية، ويعبدون أصنامهم وصورهم، وهناك في القرية 25 معبدًا بين كبير وصغير، ويقيمون الاحتفالات المتعلقة بهذه المعابد سنويًا.
بُنيت جميع المنازل جنبًا إلى جنب في صفوف مستقيمة، وهي مغطاة بألواح أو مسقوفة بالقش، وتم تصميم الفناء والممرات بشكل منهجي لتسهيل تصريف المياه بسرعة في فصل المطر
قرية منظمة
ولا يزال أهل القرية يحاولون تحسين ملجأهم، حيث يصممون كل شيء مع مراعاة صلاحية الطبيعة والبيئة، ومن ذلك أن هذه المنطقة خالية من البلاستيك، وتحظر استخدامه. ويعتقد المحليون بأن القرية مكان مقدس، وتبجيلها من تقاليدهم.
والمستوطنون لا يرتدون الحذاء حتى في العصر الحديث، لأنهم يقدسون القرية وتربتها؛ وذلك لاحتوائها عددًا من المعابد الهندوسية، ومن خلالها يرجون رضا آلهتهم، حسبما يقول أهل القرية.
ولا تتيح القرية للزائر فرصة التواصل مع الطبيعة فحسب، وإنما فيها أيضًا مناظر معمارية فنية وبناءات هندسية تفتن الزائر، والقرية نظيفة وبارزة لدرجة أنه يمكن المشي من زاويتها وممرها بقدمين حافيتين.
وقد بُنيت جميع المنازل جنبًا إلى جنب في صفوف مستقيمة، وهي مغطاة بألواح أو مسقوفة بالقش، وتم تصميم الفناء والممرات بشكل منهجي لتسهيل تصريف المياه بسرعة في فصل المطر.
وجميع المنازل مطلية بألوان متنوعة فاتنة، وفي جدرانها وأبوابها تظهر الرسوم والنقوش الفنية، والنوافذ والأبواب مطلة على الممرات التي تربط أبواب جميع البيوت في القرية، وكل بيت يفتح بابه إلى هذا الممر.
هذه القرية سعيدة رغم أن أهلها يواجهون مشكلات جمة. فما هي المشكلات والتحديات التي يواجهونها؟
حياة المواطنين
يعيش المواطنون حياة بسيطة يسيرة، وهم يسدون جوعهم من خلال القيام بأعمال مختلفة؛ والأغلبية منهم مزارعون، ورعاة مواشٍ، ومنهم من ينتقل إلى خارج القرية طلبًا للعمل.
ويتلقى أبناؤهم الدراسة الابتدائية في القرية نفسها، والمدرسة الموجودة هنا تمنح درجة الابتدائية فحسب، والمعلمون فيها من أماكن أخرى من الولاية. ومن ثم كان كثير من الطلاب ينهون دراستهم في الصف الخامس، تاركين وراءهم أحلامهم المنسوجة، أما مدارس المراحل التالية ومعاهد الدراسات العليا فتقع بعيدة، ولكن أبناء الجيل الجديد من الطلاب بدؤوا يغادرون القرية لكي يلتحقوا بالمدارس الثانوية والكليات، حيث يلزمون غرف النُّزُل القريبة من معاهدهم الدراسية.
في النهاية، يمكنني القول إن هذه القرية سعيدة رغم أن أهلها يواجهون مشكلات جمة. فما هي المشكلات والتحديات التي يواجهونها؟
نحن مولعون بتدمير بيوتهم وملاجئهم، فنقوم بتدمير الجبال وإزالة الغابات، ما يُسفر عن كوارث، مثل: الانزلاقات الأرضية والفيضانات.. وكل ذلك يجرف أحلامهم وسلامتهم، فكيف يمكن أن نحميهم كما يحمون طبيعتنا؟!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.