في عالمنا العربي المليء بالتناقضات، هناك ظاهرة لا يمكن تجاهلها: التبعية العمياء.
هل تساءلت يومًا كيف يمكن لشخص أن يدافع بشراسة عن شخص آخر لمجرد أنه من نفس الدين، المذهب، أو العشيرة، حتى وإن كان هذا الشخص يرتكب أخطاء واضحة كالشمس؟
إنها حالة من الانتماء الطائفي أو القبلي التي تقتل المنطق وتُغلق العقل، وتصبح كلمة "أخو العشيرة" أو "أخي في المذهب" هي الحل السحري لتبرير كل شيء.
التبعية العمياء لا تقتصر على الدين والعشيرة، بل تمتد أيضًا إلى السياسة. تجد البعض يدافعون عن زعيم سياسي أو حزب سياسي لمجرد أنه "يمثل مذهبهم أو طائفتهم"
الدين والمذهب: الدرع المقدس
لنبدأ بالدين. في كثير من الأحيان، تجد شخصًا يدافع عن قائد أو شخصية دينية فقط لأنه "من نفس دينه"، بغض النظر عن أفعاله. ربما يكون هذا القائد قد تورط في فساد أو قمع، لكن التبعية العمياء تجعلك تسمع العبارة السحرية: "لا يهم، هو من ديني، ويجب أن أدافع عنه". وكأن الدين أصبح بطاقة مرور لتبرير كل شيء، من السرقة إلى الدمار. وفي النهاية، يُصبح الدفاع عن المذهب أهم من الدفاع عن الأخلاق والعدالة.
العشيرة: الولاء للدم
أما عندما نتحدث عن العشيرة، فالقصة تصبح أكثر إثارة للسخرية. في بعض الأماكن، يكفي أن تكون "من العشيرة" لتستحق ولاءً مطلقًا، حتى وإن كنت أسوأ شخص في العالم. هل سرقت؟ لا بأس، أنت "ابن العشيرة"! هل استوليت على أراضي الآخرين؟ لا مشكلة، فالعشيرة ستقف خلفك كأنك بطل! والنتيجة؟ مجتمع كامل يغض الطرف عن الجرائم والمظالم؛ لأن "الدم" أهم من الأخلاق والقانون.
السياسة: التبعية السياسية للمذهب والطائفة
التبعية العمياء لا تقتصر على الدين والعشيرة، بل تمتد أيضًا إلى السياسة. تجد البعض يدافعون عن زعيم سياسي أو حزب سياسي لمجرد أنه "يمثل مذهبهم أو طائفتهم"، بغض النظر عن مدى سوء أدائه أو فساده.
يصبح الزعيم السياسي هو المرجع المقدس، ولا يمكن التشكيك فيه مهما حدث. حتى وإن كان يقود البلاد إلى الدمار، فإنك تجد المدافعين عنه يرددون نفس العبارة: "لأنه من طائفتنا، يجب أن ندعمه".
التبعية العمياء ليست ظاهرة جديدة، ولكن في عالم اليوم، أصبحت أكثر وضوحًا وأكثر ضررًا. إنها مرض يتسلل إلى المجتمعات ويمنعها من التقدم
الطاعة العمياء: التخلي عن العقل
المشكلة الأساسية في التبعية العمياء، هي أنها تقتل العقل. التابع الأعمى لا يفكر، بل يتبع، وكأن العقل البشري أصبح مجرد أداة للتبرير بدلًا من التفكير النقدي.
فبدلًا من أن يكون الشخص قادرًا على التفكير والتحليل واتخاذ مواقف مبنية على الحقائق، نجده يتخلى عن عقله، ويصبح مجرد تابع أعمى. لا يهم إن كان ما يحدث أمامه ظلمًا أو فسادًا، فما يهم هو الولاء والانتماء.
ماذا عن القيم والأخلاق؟
في النهاية، السؤال الذي يجب طرحه هو: أين القيم والأخلاق؟ هل أصبحت التبعية العمياء هي التي تحكم تصرفاتنا؟ هل الولاء الأعمى لأشخاص فقط لأنهم "من ديننا أو مذهبنا أو عشيرتنا" أهم من الوقوف بجانب الحق؟ كيف يمكن لمجتمع أن يتقدم إذا كانت هذه هي المعايير التي تحكمه؟
إذا استمررنا في اتباع الأشخاص بشكل أعمى لمجرد انتمائهم، فسنبقى عالقين في دوامة من الظلم والفساد والانقسام
التبعية العمياء: مرض يجب علاجه
التبعية العمياء ليست ظاهرة جديدة، ولكن في عالم اليوم، أصبحت أكثر وضوحًا وأكثر ضررًا. إنها مرض يتسلل إلى المجتمعات ويمنعها من التقدم.
ما نحتاجه اليوم هو وقفة جادة لمواجهة هذه التبعية والتفكير بشكل نقدي ومستقل. فبدلًا من أن نسأل "من أين هو؟" أو "إلى أي طائفة ينتمي؟"، يجب أن نسأل "ماذا فعل؟" و"هل هو على حق؟"
أما إذا استمررنا في اتباع الأشخاص بشكل أعمى لمجرد انتمائهم، فسنبقى عالقين في دوامة من الظلم والفساد والانقسام. لن يتغير شيء؛ لأن التبعية العمياء تعني التخلي عن المسؤولية والحق. والأهم من ذلك، التخلي عن العقل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.