ما حدث في شوارع أمستردام من ضرب مشجعين إسرائيليين بعد مباراة كرة قدم، إثر قيام بعض منهم بتمزيق أعلام فلسطينية معلقة على بيوت ومحلات في العاصمة الهولندية، ليس أمرًا معزولًا أو حدثًا عابرًا بتقديري، بل هو أمر يرسل رسائل بالغة، ويعطي مؤشرات بليغة وفي اتجاهات متعددة.
ربما يكون أكثر المشجعين ممن ثاروا للعلم الفلسطيني من أصول عربية ومغاربية، ولكن من الواضح أن رجل الشارع الغربي، بشكل عام، لم يعد يكنّ ذلك التعاطف الذي كان سائدًا وساحقًا مع الإسرائيليين، ما قبل محرقة وغزة وملحمتها.
فالصهاينة الذين شَحنوا خلال عقود عبر قدراتهم الإعلامية والسياسية الشعوبَ الغربية تعاطفًا مع الهولوكوست، عادت تلك المشاعر الغربية لتنقلب في جزء يتعاظم من الغربيين على الصهاينة، وهم – الغربيون- يرون الهولوكوست الغزي كل يوم ومنذ أكثر من عام.
المهاجمون والثائرون الغاضبون هم من مشجعي كرة القدم، فإذا كانت مشاعر الغضب الكامنة في صدور هؤلاء كبيرة ومحتقنة لهذه الدرجة والحد، فكيف هي الحال في صفوف المثقفين والمتدينين والجامعيين في العالمَين: العربي والإسلامي؟
الأمر المثير للقلق لسلطات الاحتلال، بتقديري، هو أن هذا الحادث مفاجئ، وأنه أيضًا قد يصبح ملهمًا لآخرين في عواصم عالمية وغربية وخصوصًا في مناسبات يجتمع فيها الجمهور الإسرائيلي سواء في المباريات أو الحفلات أو مناسبات صهيونية
مما لا شك فيه أن رسالة أمستردام ستهز أنظمة عربية سواء تلك الغارقة في التطبيع، أو التي ذكر مواقفها بوب وودورد في كتابه الشهير والذي صدر منتصف الشهر الماضي: "الحرب". خوف الأنظمة من أن تمتلك مشاعر الغضب قلوب عناصر داخل الأنظمة وربما من صفوة أولئك.
الإسرائيلي لم يعد آمنًا لا في فلسطين المحتلة ولا في غيرها، ومشاعر الغضب العالمية التي رأيناها في شوارع أمستردام ومن قبل في الجامعات الأميركية والغربية، ستحاصرهم حيثما رحلوا وارتحلوا.
ولعل صور السياح الإسرائيليين وهم مقيدون من عصابة في كوستاريكا هاجمت مقرهم بنفس الطريقة التي تقيد بها قوات الاحتلال الأسرى الفلسطينيين، تعود بالذاكرة من جديد لتذكر الإسرائيليين بما ينتظرهم من مفاجآت إن رحلوا أو ارتحلوا في أرجاء المعمورة.
الأمر المثير للقلق لسلطات الاحتلال، بتقديري، هو أن هذا الحادث مفاجئ، وأنه أيضًا قد يصبح ملهمًا لآخرين في عواصم عالمية وغربية وخصوصًا في مناسبات يجتمع فيها الجمهور الإسرائيلي سواء في المباريات أو الحفلات أو مناسبات صهيونية. وهو الأمر الذي يزيد من نسبة القلق والحذر ويستنزف قدرات وإمكانات الدولة العبرية وبطبيعة الحال سمعتها ومكانتها في المجتمع الدولي.
ما حدث في أمستردام وفي إسبانيا وفي يوم واحد، يمد الغزيين المحاصرين الذين يتعرضون لحرب إبادة منذ ما يزيد عن 13 شهرًا، بزخم معنوي، وهم يرون أن صبرهم ومصابرتهم يغيران المشهد العالمي
جاء الحادث بشكل متزامن مع منع الحكومة الإسبانية، سفينتين متجهتين إلى إسرائيل، من التوقف بميناء الجزيرة الخضراء؛ للاشتباه بنقلهما أسلحة. الناطق باسم وزارة الخارجية الإسبانية صرح بأن "حكومة مدريد لم ولن تمنح الترخيص للسفينتين" بالرسو في موانئها، وهو ما يشير إلى تدهور مكانة وسمعة دولة الاحتلال في أوروبا، بل وفي العالم.
فقبل أقل من شهر، أعلنت حكومة نيكاراغوا، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ردًا على "الإبادة الجماعية الوحشية التي تواصل حكومتها الفاشية ومجرمة الحرب ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني".
ما حدث في أمستردام وفي إسبانيا وفي يوم واحد، يمد الغزيين المحاصرين الذين يتعرضون لحرب إبادة منذ ما يزيد عن 13 شهرًا، بزخم معنوي، وهم يرون أن صبرهم ومصابرتهم يغيران المشهد العالمي، وأن أصداء بطولاتهم وتضحياتهم تهزّ عواصم العالم وحواضره.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.