منذ أغسطس/ آب 2024، صدر مرسوم موقَّع من العميد عبدالرحمن تياني، رئيس المجلس العسكري الحاكم بالنيجر، ينص على الجرائم التي يحق لدولة النيجر بسببها تجريد المواطن من جنسيته في حالة ثبوتها في حقه.
وكان صدور مثل هذه المذكرة من حكومة الأمر الواقع، التي فرضت نفسها على الشعب بقوة السلاح؛ قرارًا اعتبره البعض نوعًا من الدكتاتورية، وسياسة تكميم الأفواه بالتهديدات.
نحن في النيجر ومنطقة الساحل الأإفريقي عمومًا نحتاج مزيدًا من التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، ولا ينبغي أن نسمح للصراع السلبي على السلطة بأن يزعزع ما تبقى من الاستقرار
ضحايا التهديد بسحب الجنسية
وما لبث ذاك القانون أن دخل مرحلة التنفيذ الفوري على أشخاص تتهمهم حكومة الأمر الواقع بالإرهاب، والتآمر على الدولة، والخيانة العظمى، ومن بينهم وزراء من الحكومة المعزولة، ومقربون من الرئيس المعزول. وإلى الآن تم تهديد 19 شخصًا بتجريدهم من الجنسية، بمرسومين أصدرتهما حكومة الأمر الواقع، بينهما حوالي شهر، وعلى رأس هؤلاء وزراء من الحكومة المعزولة، وهم:
- وزير الداخلية ثم التجارة، السيد ألكاش الهدأ.
- وزير الدولة للشؤون الخارجية، السيد هاسومي مسعودو.
- وزير الدولة المكلف بالأمن برئاسة الجمهورية، السيد غيسى أغ بولا.
وشمل ذلك أيضًا عددًا من أصحاب الرتب العسكرية مثل:
- العميد أبو تركة محمدو.
- العقيد سليمان غازوبي.
كما شملت قائمة المهددين بسحب الجنسية قادة الحركات المتمردة، وهم:
- محمود صلاح، رئيس جبهة التحرير الوطنية.
- محمد توري وحلي، رئيس الجبهة الوطنية للعدالة.
وشملت كذلك عددًا من النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، يعارضون توجه حكومة الأمر الواقع، مثل:
- بوسعدة بن علي.
- باغوي حامد عبدو.
- صفية إخيا المؤمن (المرأة الوحيدة بينهم).. وغيرهم.
الحل الأمثل لهذه الحالات هو إنشاء مذكرة اعتقال دولية للمطالبة بالأفراد المتهمين بالإضرار بأمن الدولة، ثم معاقبتهم بما ينص عليه القانون، بعد محاكمة علنية عادلة
عواقب سحب الجنسية بالنيجر
بغض النظر عن قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالمطالبة بالحد من وجود حالات عدم الجنسية؛ فإنه في دولة مثل النيجر تعيش في محيط متوتر في الساحل، يعج بالجماعات المتطرفة والحركات المتمردة، وكذلك الجبهات المطالِبة بالانفصال عن الدولة المركزية، مثل حالة شمال مالي "أزواد"، يصير لمثل هذه العقوبات أخطارها.
ليس من الحكمة السياسية التنصل من المسؤولية، وسحب الجنسية من المواطنين المعارضين، وتوسيع دائرة الخلاف، حتى تدفعهم للانضمام إلى تلك الفئات الخارجة عن القانون؛ فنحن في النيجر – ومنطقة الساحل الأإفريقي عمومًا – نحتاج مزيدًا من التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، ولا ينبغي أن نسمح للصراع السلبي على السلطة بأن يزعزع ما تبقى من الاستقرار، ونزرع أعداء للوطن بسحب الجنسية من المواطنين، بل إن بعضهم قادة، ولهم نفوذ في قبائلهم وبعض أحزابهم السياسية؛ فضرر هذا على التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية أكبر مما يرجى الوصول إليه من أساليب العقوبة والردع، إن وجدت أساسًا.
وكيف يتم استعطاف هؤلاء المتمردين بالوطنية، وقد تم تجريدهم من الجنسية التي تربطهم بالوطن؟!
المعارضون للرئيس المعزول، يرون أن هذا ليس سوى العدالة الإلهية لقاء ما سبق أن ارتكبه الرئيس المعزول عندما كان وزيرًا للداخلية في حق الصحفي الرياضي بابا ألفا ووالده
عواقب سحب الجنسية على المجتمع الدولي
إذا سمح المجتمع الدولي بسحب الجنسية من كل مجرم، فهذا سوف يصبح ديدن كل دولة ضعيفة لا تستطيع تطبيق القانون على مواطنيها.. سوف تجردهم من الجنسية ليصبحوا عديمي الولاء، وينضموا للجماعات الإرهابية الخارجة عن القانون، ما يزيد من تهديد الأمن والسلم الدوليين.
فلذلك، الحل الأمثل لهذه الحالات هو إنشاء مذكرة اعتقال دولية للمطالبة بالأفراد المتهمين بالإضرار بأمن الدولة، ثم معاقبتهم بما ينص عليه القانون، بعد محاكمة علنية عادلة.
سلاح التهديد بسحب الجنسية من المعارضين أثبت عدم نجاعته، وغالبًا ما يدل على ضعف الأنظمة التي تنتهجه سياسيًا؛ إذ هناك إجراءات لعقوبة المذنب أيًا كانت جريمته
لماذا أصدرت حكومة الأمر الواقع بالنيجر مرسوم التهديد بسحب الجنسية؟
الذي يظهر لدى الشارع النيجري أن ذلك من ضمن سياسة العسكر لتكميم الأفواه.. ولكنّ مناصري الرئيس المعزول محمد بازوم رجحوا أن شخص رئيسهم هو المستهدف، وما هؤلاء الأفراد إلا لتحقيق التدرج حتى يصلوا إلى الرئيس ويجردوه من الجنسية، ثم يتم نفيه خارج البلاد، لكي يقطعوا عنه أي صلة بالبلاد فضلًا عن رئاسة الجمهورية.
أما المعارضون للرئيس المعزول، فيرون أن هذا ليس سوى العدالة الإلهية لقاء ما سبق أن ارتكبه الرئيس المعزول عندما كان وزيرًا للداخلية في حق الصحفي الرياضي بابا ألفا ووالده، حينما عارضهم وكشف أنهم يسعون إلى الغش الانتخابي، فما كان من حكومة إسوفو محمدو إلا أن اختلقت له قضية تزييف مستندات الجنسية، وزجت به بالسجن هو ووالده، ثم تم نفيه إلى مالي، حتى رجع بعد الانقلاب العسكري.
ومع كل الافتراضات، لا ينبغي لحكومة الأمر الواقع الفجور بالخصومة، وتمزيق النسيج الاجتماعي الوطني بسحب الجنسية من بعض المواطنين، كورقة ضغط سياسية على المعارضين لها؛ أوَ لا تخشى هي أيضًا من العدالة الإلهية، فيأتي من ينتقم منها لفجورها في الخصومة بشكل أفظع مما ارتكبت.
وعلى كل حال؛ سلاح التهديد بسحب الجنسية من المعارضين أثبت عدم نجاعته، وغالبًا ما يدل على ضعف الأنظمة التي تنتهجه سياسيًا؛ إذ هناك إجراءات لعقوبة المذنب أيًا كانت جريمته، غير تجريده من الانتماء والولاء الوطني، الذي ورثه أبًا عن جَدّ.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.