شعار قسم مدونات

خفايا إقالة نتنياهو لغالانت

إقالة غالانت قد تمنح نتنياهو فرصة لترتيب الأولويات الدفاعية وفق رؤيته الخاصة (الفرنسية)

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو قرار يتجاوز مجرد تبديل الأدوار الحكومية ليشير إلى صراع سياسي أعمق واعتبارات تتعلق بتوجيه سياسة الأمن والدفاع في إسرائيل. فكيف يمكن أن يستفيد نتنياهو من هذه الخطوة؟ وما هي أبعادها وتأثيراتها المحتملة على مستقبل الجيش الإسرائيلي؟

تزامنت إقالة غالانت مع تزايد الحاجة إلى إعداد وتجهيز جنود جدد في الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش في حرب غزة وحرب لبنان

غالانت: وزير الدفاع ذو الشخصية المستقلة

يُعدّ يوآف غالانت من الشخصيات الصلبة ذات التأثير الكبير داخل الجيش الإسرائيلي.. فمنذ تعيينه، اتخذ مواقف حازمة فيما يخص إدارة الجيش واعتماد القرارات المصيرية في سياق الحروب والعمليات العسكرية.

استقلالية غالانت وقوة شخصيته كانتا تقفان حجر عثرة أمام نتنياهو، خصوصًا في الملفات الحساسة التي تتعلق بتجنيد طائفة الحريديم. ووفقًا للقانون الإسرائيلي، كان غالانت يحمل الصلاحية لتقديم مشروع قانون تجنيد الحريديم، الذي يتضمن قرارًا بالبتّ بين قبول هذا المشروع أو رفضه، وهو أمر كان يقلق نتنياهو، ويزيد من رغبته في السيطرة الكاملة على هذا الملف المهم لبقاء ائتلافه قائمًا.

كما تزامنت إقالة غالانت مع تزايد الحاجة إلى إعداد وتجهيز جنود جدد في الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش في حرب غزة وحرب لبنان.

إعلان

وفي ظل رفض غالانت الضغوط السياسية التي يمارسها نتنياهو، فإن إقالته قد تمنح نتنياهو فرصة لترتيب الأولويات الدفاعية وفق رؤيته الخاصة، دون وجود وزير دفاع يتخذ قرارات بمعزل عن توجهات القيادة السياسية. وجاءت اللحظة التي قصمت ظهر البعير، حينما قرر غالانت دون الرجوع إلى نتنياهو قرارًا بتجنيد 7000 من اليهود الحريديم، وهو ما استغله نتنياهو ليطيح به.

تعيين يسرائيل كاتس: خطوة لتعزيز سيطرة نتنياهو

اختيار يسرائيل كاتس ليشغل منصب وزير الدفاع لم يكن عشوائيًّا، بل كان خطوة محسوبة بدقة من نتنياهو؛ فكبار المحللين السياسيين يرون أن نتنياهو يفضّل كاتس لما يراه فيه من مرونة وقابلية للخضوع والتكيف مع رؤيته السياسية، وهو ما ظهر جليًّا خلال فترة تولّي كاتس منصب وزير الخارجية.

تقييد نتنياهو لدور كاتس كوزير للخارجية – رغم أهمية هذا المنصب – كان بمثابة تدريب على الإدارة الحذرة والمحدودة للوزراء، وهي الإستراتيجية ذاتها التي يسعى نتنياهو لتطبيقها في وزارة الدفاع.

إقالة غالانت وتعيين كاتس، إجراء يتيح لنتنياهو التحكم في القرارات العسكرية بشكل شبه كامل، دون خوف من معارضة مستقلة أو قرارات غير متوافقة مع أجندته، ما يعني أن نتنياهو يهدف إلى توجيه السياسة الدفاعية، خاصة في القضايا الملحّة، مثل: التجنيد العسكري والعمليات الحربية، دون تدخل من وزير دفاع قوي ومستقل.

تواجه حكومة نتنياهو تحديات داخلية، تتعلق بالمحكمة الدستورية والضغوط الشعبية، وقد أجبرته تلك الضغوط سابقًا على إعادة غالانت إلى منصبه عندما حاول إقالته بسبب قرارات متعلقة بالمحاكم

هدف إستراتيجي: السيطرة على الجيش

من جهة أخرى، فإن هذه الإقالة تُعد تكتيكًا لتوسيع سيطرة نتنياهو على الجيش الإسرائيلي، خصوصًا في ظل القيود التي يواجهها في عزل رئيس الأركان هرتسي هاليفي، الذي يتبع مباشرة لوزير الدفاع. ومع بقاء غالانت، كان من المستحيل أن يكون لنتنياهو التأثير المباشر على هاليفي وتوجيه قراراته، إلا أن تعيين كاتس يمنح نتنياهو إمكانية فرض توجيهاته على الجيش بشكل غير مباشر.

نتنياهو يبدو أنه "اصطاد عدة عصافير بحجر واحد" من خلال إقالة غالانت، فهو لم يكتفِ بالتخلص من عائق سياسي يقف في وجه سياساته، بل مهّد الطريق لإحكام قبضته على المؤسسة العسكرية، وهو أمر ذو أبعاد إستراتيجية كبرى في سياق التوترات الأمنية المحيطة.

إعلان

تداعيات الخطوة على إدارة الحرب وإعادة الأسرى

إحدى القضايا التي عكرت صفو العلاقة بين غالانت ونتنياهو، هي مسألة إنهاء الحرب الحالية وإعادة الأسرى الإسرائيليين. يعتبر نتنياهو أن غالانت كان سببًا رئيسيًّا في بطء التقدم في هذا الملف، إذ لم يكن غالانت على استعداد للتساهل أو القبول بتسويات سياسية قد تؤثر على أمن إسرائيل بشكل مباشر.

ولذا، فإن إبعاده من الحكومة يتيح لنتنياهو التحرك بحرية أكبر دون قيود من وزير دفاع عنيد، ما يسهل له اتخاذ خطوات قد تسهم في تسريع استعادة الأسرى، ووضع حد نهائي للمسار العسكري الحالي.

مستقبل العلاقة بين نتنياهو والشعب الإسرائيلي

تواجه حكومة نتنياهو تحديات داخلية، تتعلق بالمحكمة الدستورية والضغوط الشعبية، وقد أجبرته تلك الضغوط سابقًا على إعادة غالانت إلى منصبه عندما حاول إقالته؛ بسبب قرارات متعلقة بالمحاكم.

من المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى مواجهة مع الشعب الإسرائيلي الذي قد يرى في هذه القرارات تدخلًا سياسيًا في إدارة الأمن الوطني، ما قد يثير سخطًا أوسع على حكومة نتنياهو. علاوة على ذلك، قد تؤدي هذه التغييرات إلى تأجيج الاحتجاجات الداخلية وتعميق حالة السخط الشعبي، خاصة في ظل الأزمات الأمنية والاقتصادية المستمرة.

أستنجح خطة نتنياهو في ترسيخ سلطته على الجيش الإسرائيلي، أم إن تداعيات هذه الخطوة ستدفعه إلى مواجهة غير محسوبة مع الشعب الإسرائيلي ومع مؤسسات الدولة الأخرى؟

توضح هذه الأحداث أن إقالة غالانت لم تكن مجرد قرار إداري، بل خطوة إستراتيجية تهدف إلى تمكين نتنياهو من السيطرة على الملف العسكري وتأمين تحكُّمه الكامل بالجيش الإسرائيلي، وخاصة في ظل تصاعد التوترات الأمنية.

لكن هذه الخطوة تحمل في طياتها تبعات سياسية وأمنية قد تضع نتنياهو أمام صدام حتمي مع المجتمع الإسرائيلي الذي يراقب تحركاته من كثب، ومع شخصيات عسكرية قوية مثل هرتسي هاليفي، قد تشكل عقبة أمام طموحاته المستقبلية.

ختامًا، يبقى التساؤل الأهم: أستنجح خطة نتنياهو في ترسيخ سلطته على الجيش الإسرائيلي، أم إن تداعيات هذه الخطوة ستدفعه إلى مواجهة غير محسوبة مع الشعب الإسرائيلي ومع مؤسسات الدولة الأخرى؟

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان