شهد الإعلام الجزائري خلال السنوات الأخيرة تحولات عميقة، تأثرت بتسارع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وصعود نجم المؤثرين الرقميين.
أولئك الذين بدؤوا كأشخاص عاديين، يشاركون يومياتهم أو هواياتهم، تحولوا اليوم إلى مصدر رئيسي للحصول على الأخبار والمعلومات بالنسبة لكثير من الجزائريين.. في مجتمع كان يعتمد بشكل كبير على الإعلام التقليدي كالجرائد والتلفزيون، يظهر أن تأثير المؤثرين قد ألقى بظلاله على هذا المشهد، وطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الصحافة والإعلام في البلاد.
بعض المؤثرين الجزائريين قد تناولوا قضايا كانت تعد من المحرمات في الإعلام التقليدي، مثل الفساد، والبطالة، والأوضاع المعيشية. هذه الجرأة في الطرح جعلت منهم رموزًا للحرية التعبيرية
المؤثرون الجزائريون استطاعوا في فترة وجيزة أن يجذبوا جمهورًا واسعًا، خاصة من فئة الشباب؛ فقد وجدوا في المنصات الرقْمية وسيلة للتعبير بحرية عن آرائهم، ومشاركة محتوى متنوع يتراوح بين الترفيه، والتعليم، وحتى القضايا الاجتماعية والسياسية. هؤلاء المؤثرون باتوا يشكلون منصة بديلة للإعلام التقليدي، حيث يقدمون معلومات بأسلوب بسيط وسريع، يناسب إيقاع العصر.
لكن، ما الذي يدفع الجزائريين اليوم للاعتماد على المؤثرين كمصدر للمعلومات بدلًا من متابعة الجرائد أو القنوات التلفزيونية؟ الإجابة قد تكون مرتبطة بالتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية التي شهدتها البلاد.
الصحافة التقليدية رغم دورها التاريخي تعاني من عدة تحديات، مثل: الرقابة والتمويل والبيروقراطية، بينما يظل المؤثرون أحرارًا في تقديم محتواهم بشكل مباشر وسلس، دون الحاجة إلى المرور عبر سلسلة طويلة من التحرير والرقابة.
على سبيل المثال، نجد أن بعض المؤثرين الجزائريين قد تناولوا قضايا كانت تعد من المحرمات في الإعلام التقليدي، مثل: الفساد، والبطالة، والأوضاع المعيشية. هذه الجرأة في الطرح جعلت منهم رموزًا للحرية التعبيرية، وهو ما زاد من شعبيتهم بين فئة الشباب التي تبحث عن إعلام يتحدث بلغتها ويعبّر عن همومها.
لكن، رغم هذا الانتشار الكبير للمؤثرين، يبقى السؤال حول الحدود الفاصلة بين الصحافة كحرفة، والمحتوى الذي يقدمه المؤثرون.. الصحفيون الجزائريون – تاريخيًا – كانوا ولا يزالون حماة الحقيقة، يعتمدون على مصادر موثوقة، ويخضعون لمعايير مهنية صارمة. أما المؤثرون، فهم في الغالب يعتمدون على الشهرة والتفاعل السريع مع المتابعين، دون الالتزام دائمًا بالدقة أو التحقق من المعلومات.
يبقى على الصحافة الجزائرية أن تعيد صياغة دورها في المجتمع، فالجمهور اليوم ليس كما كان قبل عقد أو اثنين؛ هو جمهور ذكي، يريد محتوى يلبي احتياجاته في الوقت الحقيقي
ومع ذلك، لم يعد بالإمكان إنكار التأثير الكبير الذي يمارسه هؤلاء المؤثرون على الرأي العام؛ فالإعلام الجزائري اليوم يجد نفسه أمام تحدٍّ جديد، حيث يجب عليه التكيف مع هذا الواقع الرقمي المتغير.. لقد أدركت بعض وسائل الإعلام التقليدية هذا التحول، وبدأت تلجأ إلى المنصات الاجتماعية لمحاولة مواكبة المتطلبات الجديدة، حيث باتت تستعين بالمؤثرين للترويج لمحتواها، أو تلجأ حتى للتعاون معهم في إنتاج الأخبار.
إلى جانب ذلك، تشكل المنصات الرقمية سلاحًا ذا حدين.. فهي – من جهة – تتيح فرصة لحرية التعبير والوصول إلى جمهور واسع، ومن جهة أخرى، تحمل معها خطر انتشار الأخبار الزائفة، والمعلومات غير الموثوقة. المؤثرون – رغم شعبيتهم – قد يفتقرون في كثير من الأحيان إلى التدريب الصحفي أو الالتزام بأخلاقيات المهنة، ما يعرِّض الجمهور لمحتوى قد يكون مضللًا أو منحازًا.
في هذا السياق، يبقى على الصحافة الجزائرية أن تعيد صياغة دورها في المجتمع، فالجمهور اليوم ليس كما كان قبل عقد أو اثنين؛ هو جمهور ذكي، ومتطلب، ويريد محتوى يلبي احتياجاته في الوقت الحقيقي.
قد يكون الحل في الجمع بين المهنية الصحفية وسرعة الوصول التي توفرها المنصات الرقمية؛ فالصحفيون والمؤثرون قد يجدون في التعاون فيما بينهم صيغة ناجحة لتقديم محتوى إعلامي يجمع بين العمق والجاذبية.
المستقبل قد يكون رقميًا، لكن المصداقية تظل هي الفيصل بين النجاح والفشل
في النهاية، يمكن القول إن الإعلام الجزائري يعيش فترة مفصلية.. المؤثرون أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المشهد الإعلامي الجديد، ولهم دور كبير في تشكيل الرأي العام. لكن الصحافة التقليدية ستظل دائمًا – بمبادئها وقيمها – الركيزة الأساسية لضمان الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة.
المستقبل قد يكون رقميًا، لكن المصداقية تظل هي الفيصل بين النجاح والفشل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.