نعم هو الفشل بعينه، بل هو الفشل الذريع لجبهة الرفض ضد البارزاني، إذا صحت هذه التسمية، وهي كذلك إذا علمنا أن الكل – دون استثناء – وقف ضد البارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني في الانتخابات البرلمانية، التي جرت مؤخرًا في كردستان العراق، في العشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
فالحركة السياسية بمجملها في كردستان العراق، من علمانييها وقومييها إلى إسلامييها، ومن يسارها إلى يمينها، من قديمها إلى جديدها، من الحلفاء معه في الحكومة الحالية إلى المعارضة والرافضين له.. كلهم اجتمعوا ووضعوا أمام عيونهم هدفًا واحدًا، وهو إسقاط الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإنهاء حكمه في كردستان العراق.
هكذا تحدثت شعاراتهم، وكأن الجميع اجتمعوا واتفقوا على ذلك، ودخلوا المعركة بذلك، تحت: "إسقاط الحكم المتسلط في كردستان".. الشعار الذي رفعه الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني، نجل الزعيم الكردي الراحل جلال الطالباني، والذي كان يقود حملة إسقاط الديمقراطي الكردستاني بكل ما أوتي من قوة، رغم أنه حليف البارزاني في الحكم الذي سماه بالمتسلط في كردستان!!
قيل أيضًا إن جبهة الرفض للبارزاني هذه كانت مدعومة من إيران، ومن الأحزاب الشيعية في بغداد، ومليشيات الحشد الشعبي، إلى درجة تواجد القيادي المسيحي الكلداني في الحشد الشعبي (ريان الكلداني) في السليمانية إلى جانب بافل الطالباني، وسمى الكلداني نفسه بـ"الرئيس المشترك" مع بافل للاتحاد الوطني الكردستاني!
بافل طالباني قاد هذه الجبهة، ووقف وراءه الآخرون من جبهة الرفض الذين أشرنا إليهم، وكان بافل متحمسًا لهذه المهمة بشكل فوق العادة، واستخدم كل ما أوتي من قوة الصراخ، وألفاظ سوقية وإهانات لفظية، وصلت إلى درجة أن يقول بشأن رئيس الوزراء مسرور البارزاني إنهم بعد الانتخابات سيمنحونه وظيفة مدير عام أو ما دونه، وليس رئيس وزراء في الحكومة القادمة!
فمن شعار "إسقاط الحكم المتسلط" أو "سننهيه"، كما رفعه الاتحاد الوطني الكردستاني، مرورًا بشعارات "سنقف في طريقهم"، "سنتخذ موقفًا"، "نحن من يمكنه التغيير"، هم "يكذبون"، "كفاية"، وما على هذه الشاكلة من الشعارات للقوى التي تسمي نفسها الرافضة للسلطة في إقليم كردستان العراق.. كلها اصطفت تمامًا مع الاتحاد الوطني الكردستاني، الشريك الرئيسي في السلطة منذ عام 1992 وحتى الآن، ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني..
وقيل أيضًا إن جبهة الرفض للبارزاني هذه كانت مدعومة من إيران، ومن الأحزاب الشيعية في بغداد، ومليشيات الحشد الشعبي، إلى درجة تواجد القيادي المسيحي الكلداني في الحشد الشعبي (ريان الكلداني) في السليمانية إلى جانب بافل الطالباني، وسمى الكلداني نفسه بـ"الرئيس المشترك" مع بافل للاتحاد الوطني الكردستاني! وذلك لسرقة ما يمكن سرقته من الأصوات المسيحية، التي كانت سابقًا تقف بجانب البارزاني، ليجعلها الكلداني لصالح بافل الطالباني – وبالتالي جبهة الرفض – لإسقاط حزب البارزاني.
من جانبه، رد مسعود البارزاني – وبكل ثقة نفس – تجاه شعارات ودعاوى جبهة الرفض بمقولة: "من كان لسانه طويلًا فيده قصيرة".. أما مسرور البارزاني، رئيس وزراء التشكيلة الحكومية الحالية، والذي قاد الحملة الدعائية للحزب الديمقراطي الكردستاني للانتخابات، فقال كلمة واحدة تجاه كل الشعارات أعلاه: "ناتوانن" (بمعنى: لن تقدروا)!. الكلمة التي أصبحت فيما بعد "ترندًا" على لسان كل الحزب وجماهيره، وسارت تحتها حملة الديمقراطي الكردستاني.
مقابل الشعارات السابقة، التي كانت جميعها تتحدث عن إسقاط السلطة، إنهائها، اتخاذ موقف تجاهها، الوقوف في طريقها، تكذيبها، أو وضع نقطة في نهاية سطرها بشعار كفاية.. رفع الحزب الديمقراطي الكردستاني شعارًا مؤلفًا من أربع كلمات، وهي: الاستقرار، العمران، العمل معًا، الصمود.
تنظيف قوائم المصوتين لأكثر من 200 ألف صوت، كانت جبهة الرفض تزعم أنها تذهب للحزب الديمقراطي الكردستاني
عاش المواطنون في إقليم كردستان العراق عشرين يومًا من الصخب الإعلامي، والقلق النفسي، والترقب لما ستؤول إليه النتائج، وما سيتمخض عنه كل هذا الكمّ من التهديد المتبادل، إلى درجة خشية كثيرين من ألا نصل إلى يوم الانتخابات، متوقعين أنّ قتالًا قد يحدث بين الأطراف المتعادية في الحملة الدعائية، حيث ذكّرهم ذلك بإعلام الحرب بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني في تسعينيات القرن الماضي.
قبل أن نتحدث عما آلت إليه نتائج الانتخابات التي جرت في العشرين من أكتوبر/ تشرين الأول، والتي كانت – كما أشرنا – فشلًا ذريعًا لجبهة الرفض! نذكر القصة الدرامية لهذه الانتخابات، التي كان من المقرر أن تجري قبل أكثر من سنتين؛ حيث وقفت جبهة الرفض هذه في طريق إجرائها، وعرقلتها خشية فوز حزب البارزاني، ونجحت بتأخير إجرائها لمدة سنتين.
خلال هاتين السنتين عملت هذه الجبهة – وبالتعاون مع بغداد، وباستغلال المحكمة الاتحادية – بالضد من الديمقراطي الكردستاني، فأبطلوا وغيروا وعدلوا الكثير من الأمور التي كانوا يعتبرونها تصب في مصلحة الديمقراطي الكردستاني ومنها:
- تعطيل برلمان كردستان العراق بقرار من المحكمة الاتحادية؛ لإيقاف دوره في التجديد لمفوضية انتخابات كردستان، والتجديد لقانون جديد للانتخابات!
- إبطال دور المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء، الخاصة بالإقليم، والتي من مهامها إجراء انتخابات الإقليم، كي تجري الانتخابات بدلًا عنها مفوضية بغداد!
- إلغاء قانون انتخابات برلمان كردستان، وصياغة قانون آخر من قبل مفوضية بغداد يكون بالضد من مصلحة الديمقراطي الكردستاني، حسب ما خططت له جبهة الرفض.
- إلغاء نظام الكوتا (للمسيحيين والتركمان والأرمن) حيث كان لهم 11 مقعدًا برلمانيًا، باعتبار أن كل هذه المقاعد كانت تذهب لصالح الديمقراطي الكردستاني، وبذلك إنقاص عدد أعضاء برلمان كردستان من 111 إلى 100 مقعد فقط.
- تنظيف قوائم المصوتين لأكثر من 200 ألف صوت، كانت جبهة الرفض تزعم أنها تذهب للحزب الديمقراطي الكردستاني.
لكن الديمقراطي الكردستاني كان أذكى من جبهة الرفض.. عندما حصل على معلومات تؤكد له أن هذه الانتخابات هي عبارة عن هندسة نتيجة انتخابات، معد لها مسبقًا – حتى قبل إجرائها – من قبل جبهة الرفض والداعمين لها من طهران وبغداد
وقبل ذلك عملت هذه الجبهة، وبالتعاون مع بغداد وعواصم دول إقليمية مجاورة، على سحب أوراق قوة أخرى من الديمقراطي الكردستاني منها:
- وقف تصدير نفط إقليم كردستان.
- عرقلة صرف موازنة الإقليم.
- تحويل عملية صرف رواتب الموظفين من أربيل إلى بغداد..
نجحت الجبهة في تحقيق كل هذه النقاط، ثم عملوا من أجل تحديد موعد إجراء الانتخابات، ظنًا منهم أنهم بذلك قد قضوا على الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، حتى قبل إجراء الانتخابات! فتم تحديد موعد الانتخابات في يونيو/ حزيران.
لكن الديمقراطي الكردستاني كان أذكى من جبهة الرفض.. عندما حصل على معلومات تؤكد له أن هذه الانتخابات هي عبارة عن هندسة نتيجة انتخابات، معد لها مسبقًا – حتى قبل إجرائها – من قبل جبهة الرفض والداعمين لها من طهران وبغداد، ومن ثم ثبت للديمقراطي هذه المعلومة بحصوله على تسريب صوتي بين رئيس الحزب بافل طالباني، وشقيقه قوباد طالباني نائب رئيس وزراء التشكيلة الحالية، تحدثا فيه بالتفصيل حول كيفية هذه الهندسة بجعل حزب الطالباني الرقم الأول، أو على الأقل مساويًا للديمقراطي، وتحديد مقاعد لأحزاب جبهة الرفض، تؤهلها لتشكيل الحكومة بدون الديمقراطي، وتم فيما بعد نشر هذا التسريب الصوتي من قبل المكتب الإعلامي للحزب الديمقراطي.
الديمقراطي أعلن مباشرة عن ذلك، ورفض المشاركة في الانتخابات، ما جعل الجميع أمام الصدمة، وتدخل الوسطاء الدوليون في الموضوع، وكشف الديمقراطي للجميع ما يُعَدّ له من وراء هذه الانتخابات، وعرض أدلته، ما وضع بغداد أمام الأمر الواقع، وضرورة تأجيل موعد الانتخابات لأربعة أشهر، وإزالة كل تخوفات الحزب الديمقراطي من (الهندسة المسبقة للنتيجة). وبعد أن اطمأن الديمقراطي لهذه النقطة وافق على مشاركته، فتم تحديد موعد جديد، في العشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
بهذه النتيجة أثبت الحزب الديمقراطي الكردستاني أنه الأول، وبفارق الضعف من حيث عدد الأصوات والمقاعد البرلمانية عن الثاني، وهو الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني
جرت الانتخابات فكانت النتيجة كالتالي:
- الحزب الديمقراطي الكردستاني بعدد أصوات 809,197 (ما يقدر بنسبة 40% من مجمل المصوتين، وعددهم حوالي المليونين)، بذلك زاد الحزب الديمقراطي الكردستاني عدد أصواته بمئتي ألف صوت مقارنة بالانتخابات السابقة!
- الاتحاد الوطني الكردستاني بعدد أصوات 408,141 (ما يقدر بنسبة 20%).
- الجيل الجديد بعدد أصوات 290,991 (ما يقدر بنسبة ما يقدر بنسبة 14,5%).
- الاتحاد الإسلامي الكردستاني بعدد أصوات 116,981 (النسبة 5.8%).
- جماعة العدل الإسلامية بعدد أصوات 64,710 (النسبة 3.25%).
- كتلة الموقف بعدد أصوات 55,775 (النسبة 2.7%).
وحصلت قوى وكتل سياسية أخرى على ما تبقى من النسب..
بهذه النتيجة أثبت الحزب الديمقراطي الكردستاني أنه الأول، وبفارق الضعف من حيث عدد الأصوات والمقاعد البرلمانية عن الثاني، وهو الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني.
وهكذا سيستمر الحزب الديمقراطي بتشكيل الحكومة القادمة، وسيضطر الاتحاد الوطني للتحالف معه، فلا مفر من ذلك، وستبقى خريطة السلطة في الإقليم كما هي؛ يتصدر المشهد فيها مسعود البارزاني كزعيم ومرجع قوي لأي قرار سياسي داخل الإقليم، وعلى مستوى العراق أيضًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.