شعار قسم مدونات

ليبيا وطن الاعتدال لا مكان فيه للتطرف!

وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية الليبية اللواء عماد الطرابلسي - من الحكومة الليبيه
وزير الداخلية الليبي اللواء عماد الطرابلسي (الحكومة الليبيه)

جاء قرار وزير الداخلية الليبي، بقيود جديدة تحدّ من حرية المرأة في ليبيا متذرّعًا في ذلك بدعاوى أخلاقية، حيث ذهب يقول: "إن من لا تعجبه هذه القرارات فعليه أن يترك ليبيا، وليذهب ليعيش في أوروبا"!. ما يذكرنا بطلب القذافي من الليبيين أن يتركوا بلادهم، ويذهبوا ليعيشوا على ضفاف النيل.

إن ما ورد من وزير الداخلية السيد عماد الطرابلسي يدلّ على عدم إدراك كافٍ بمهمة الحكومة في الديمقراطيات، والتي تتمثل في خدمة الشعب والسهر على راحته، وليس في السيطرة عليه.. {فذكّر إنّما أنت مذكرٌ لست عليهم بمسيطرٍ}.

ليبيا بلد معتدل، والأغلبية تنتمي إلى المذهب السني المالكي، مع وجود القليل من بهرات الصوفية الرومانسية، وهو متقوقع في قلب البحر الأبيض المتوسط

فالحكومات في الدول التي تحترم نفسها لا تملك صلاحية فرض الأخلاق على المجتمع؛ فالأخلاق لا تُفرض بالقوة. أما القول بغير ذلك فهو الإكراه، أي عين الدكتاتورية. فنتائج الدكتاتورية لها عواقبها الوخيمة وأسوأ من عدم ارتداء المرأة "تستمالها" (يبي يطببها عماها)؛ وإنه {لا إكراه في الدِّين قد تبيَّن الرُّشد من الغيّ}.

إننا جميعًا نعلم ما قد أدى إليه إجرام بوليس الأخلاق في بعض الدول من كبت وقمع للحريات لعقود طويلة، وقد دفع فئة إلى الرذيلة وليس إلى الخلق الحسن؛ لذلك سرعان ما أُلغيت مثل هذه الهيئات في بعض الدول لخروجها عن الهدف والغاية من وجودها، بعد أن ذهب الشباب (فتيان وفتيات) إلى التطرف في رفض كل ما هو ديني علانية؛ فالضغط يولد الانفجار.

إعلان

الجميع يرفض انحراف الأخلاق، وهذه الظواهر السلبية هي عورة المجتمع، وهي موجودة في كل مجتمع.. بيد أن هذه الفئات تحتاج إلى تأهيل ودعم نفسي، وليس إلى المزيد من فرض القيود غير الراشدة؛ لأنها إفرازات طبيعية ومتوقَّعة بعد أي حرب، وما تقوم به طالبان من قمع للمرأة تحت شعار حماية الأخلاق ليس عنا ببعيد.

ليبيا بلد معتدل، والأغلبية تنتمي إلى المذهب السني المالكي، مع وجود القليل من بهرات الصوفية الرومانسية، وهو متقوقع في قلب البحر الأبيض المتوسط.. لذا فإن المرجو هو عدم مصادرة هذا الإرث الروحاني التاريخي.

أي رسالة يرسلها السيد الطرابلسي بقراراته المتعنتة التي غابت عنها الحصافة السياسية والرؤية الشرعية السديدة في التطبيق إلى الداخل وإلى الخارج؟

إن السؤال الذي يتردد على لسان كثير من الليبيين هذه الأيام، هو: لماذا اختار السيد الطرابلسي هذا التوقيت ليعلن عن قراراته هذه؟ هل أراد صرف الأنظار عن فقدان تلك الحكومة التي ينتمي إليها للشرعية؟ فهي تعطل حتى اللحظة الوصول إلى بناء المؤسسات الدستورية والديمقراطية.

إن الحكومة التي ينتمي إليها السيد الطرابلسي تحوم حولها شبهات الاتهام بالفساد على نحوٍ يجعل الحليم حيرانَ.. فلماذا لا يوجه السيد الطرابلسي اهتمامه إلى القبض على ناهبي المال العام من تهريب النفط، والهجرة غير الشرعية، والعديد من برامج السرقة الممنهجة للاقتصاد الليبي، ثم تقديمهم إلى المحاكمة، بدلًا من أن ينشغل باتخاذ قرارات متعلقة بالمرأة دون وعي بمآلاتها، وما يمكن أن تنتجه مستقبلًا من علل مجتمعية؟

أي رسالة يرسلها السيد الطرابلسي بقراراته المتعنتة -التي غابت عنها الحصافة السياسية والرؤية الشرعية السديدة في التطبيق- إلى الداخل وإلى الخارج؟ إنه يضع ليبيا في قائمة الدول الأصولية، ما يجعلها هدفًا للاستهداف، كما حصل في دول أخرى قد سارت على هذا النهج من قبل.

إن الأخلاق تنبع من ضمير الفرد ومن الدعوة إليها بالتي هي أحسن، وليس من فوهة البندقية؛ لهذا دعا الإسلام إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالمغالاة والتشدد، {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك}.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان