أثار إعلان وزارة خارجية الكيان الصهيوني إبلاغ الأمم المتحدة إلغاء الاتفاقية المبرمة، بين الكيان ووكالة الأونروا في العام 1967، انتقادات وردود فعل واسعة، وذلك بعد أسبوعٍ على إقرار الكنيست قانونًا يحظر نشاط وكالة الأونروا في الأراضي المحتلّة والضفة الغربية وقطاع غزة، وهي التي تقدّم المساعدات والخدمات التعليمية لملايين الفلسطينيين، وذلك ربطًا بمزاعم وسردية الاحتلال حول تورّط موظّفين من الوكالة بعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشربن الأول 2023.
وقد اتهم كاتس، وزير خارجية الكيان، وكالة الأونروا بأنها "جزء من المشكلة في قطاع غزة وليست جزءًا من الحل"، كما كرر المزاعم والسردية والادعاءات الكاذبة.
لم يكن عداء كيان الاحتلال لوكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة وليد لحظة بدء العدوان على غزة، بل إن الاستفزاز والتحرش الصهيوني بالوكالة يتزايدان منذ سنوات ليبلغا ذروة غير مسبوقة في هذا العدوان
لم يكتفِ الاحتلال على مدار أكثر من عام بشن عدوان وحشي ونازي على قطاع غزة فحسب، وهو ما أسفر حتى الآن عن أكثر من 43 ألف شهيد و102 ألف جريح فلسطينيّ، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، بل تجاوز ذلك إلى تبني نهج عداء صارخ تجاه المؤسسات الدولية والأممية.
أثار العدوان الهمجي على غزة نداءات ومطالبات متتالية من مسؤولين أمميين لاتخاذ موقف حاسم تجاه تل أبيب، وصلت إلى حد المطالبة بتعليق عضويتها في الأمم المتحدة. وأوصت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فرانشيسكا ألبانيزي، الخميس 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بالنظر في تعليق عضوية "إسرائيل" في الأمم المتحدة، وإعلانها دولة فصل عنصري؛ بسبب الإبادة الممنهجة التي ترتكبها في حقّ الشعب الفلسطيني.
وقالت ألبانيزي في تقرير قدمته إلى الأمم المتحدة: إن "إسرائيل" لا ترتكب جرائم حرب في غزة فحسب، بل ترتكب إبادة جماعية ممنهجة، في صورة مشروع يهدف إلى محو الفلسطينيين من الوجود، لإقامة "إسرائيل الكبرى".
وامتد مشهد الانتهاكات التي مارسها الكيان بحق المؤسسات الدولية والأممية ليشمل مؤسسات وشخصيات عدة، في مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والمحكمة الجنائية الدولية، ومنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) في لبنان، وغيرها.
لم يكن عداء كيان الاحتلال لوكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة وليد لحظة بدء العدوان على غزة، بل إن الاستفزاز والتحرش الصهيوني بالوكالة يتزايدان منذ سنوات ليبلغا ذروة غير مسبوقة في هذا العدوان.
فبعد وقت قصير من أحداث معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، اتَّهم الاحتلال 12 موظفًا في وكالة الأونروا بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ما أدى إلى تعليق نحو 11 دولة غربية مساعدتها لوكالة الأونروا، فيما لم يُقدم الاحتلال أي أدلة على اتهامه لموظفي الوكالة، بحسب تقارير عدة.
في تعليقها على قرار الكنيست "الإسرائيلي" بحظر أنشطة وكالة الأونروا، قالت صحيفة الغارديان البريطانية، إن حظر وكالة الأونروا دون إيجاد بديل لها لن يؤدي إلا إلى شلّ المساعدات المقدمة للفلسطينيين في وقت الشدة
مزاعم الاحتلال بحق وكالة الأونروا والعاملين فيها لم تكن الأولى من نوعها، بل هي أحدث فصل من فصول التوترات المستمرة منذ عقود بين الاحتلال والأونروا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
تشكل وكالة الأونروا المصدر الأساسي للدعم الإنساني لحوالي 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني في فلسطين المحتلة والدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين. من جهته قال المفوض العام لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني: إن القرار الصادر عن الكنيست "الإسرائيلي" بـ "حظر أنشطتنا" غير مسبوق، و"يشكل سابقة خطيرة، ويعارض ميثاق الأمم المتحدة".
وفي تعليقها على قرار الكنيست "الإسرائيلي" بحظر أنشطة وكالة الأونروا، قالت صحيفة الغارديان البريطانية: إن حظر وكالة الأونروا دون إيجاد بديل لها لن يؤدي إلا إلى شل المساعدات المقدمة للفلسطينيين في وقت الشدة.
ووصفت الغارديان في افتتاحيتها القرار بأنه خطوة غير مسؤولة إلى حد كبير من جانب المشرعين "الإسرائيليين"، وأضافت الصحيفة أن الحكومة اليمينية "الإسرائيلية" تُظهر ازدراءً صارخًا بالمعايير العالمية التي تحكم حقوق الإنسان والنزاعات والدبلوماسية، ما يجعل "إسرائيل" تتحول إلى دولة مارقة.
دور وكالة الأونروا ينتهي عندما يتحقق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وأرضهم وديارهم، ولا أعتقد أن شعبنا بكل أطيافه، والعالم الحر، سيسمح بتصفية قضية اللاجئين من خلال تصفية وكالة الأونروا
وقال إيريك بيورج، أستاذ القانون في جامعة بريستول: إن القوانين "الإسرائيلية" الجديدة بحظر وكالة الأونروا تشكل خرقًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة، حيث تعتبر المنظمة الأممية قطاع غزة أرضًا تحتلها "إسرائيل"، ويلزم القانون الدولي القوة المحتلة بالموافقة على برامج الإغاثة لمستحقيها، وتسهيل ذلك بكل الوسائل المتاحة لها.
لا يخفى على أحد سعي الاحتلال منذ زمن لتقويض وكالة الأونروا وإنهائها بأسرع وقت ممكن، باعتبارها شاهدًا أمميًا على النكبة والمأساة الفلسطينية المستمرة إلى هذا الوقت، ويؤجج هذا السعي أن وكالة الأونروا تمثّل إطارًا مؤسسيًا جامعًا لشريحة واسعة من الفلسطينيين، إذ تقدم خدماتها لمجمل المخيمات داخل فلسطين وخارجها، الأمر الذي ساهم في حفظ الهوية الفلسطينية وتكريسها، خصوصًا في مخيمات اللجوء داخل الدول المضيفة، التي راهن الاحتلال على تماهي اللاجئين واندماجهم فيها مع المجتمعات المضيفة، وخسارتهم هويتهم الوطنية الجامعة.
وعليه، إن دور وكالة الأونروا ينتهي عندما يتحقق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وأرضهم وديارهم، ولا أعتقد أن شعبنا بكل أطيافه، والعالم الحر، سيسمح بتصفية قضية اللاجئين من خلال تصفية وكالة الأونروا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.