تملك أمي مجموعة كبيرة من "المرطبانات"، تستعملها في تخزين المؤونة من سنة إلى سنة، تسكب فيها عصير الطماطم الذي تغليه مع البهارات والملح في فناء المنزل، والخيار المخلل الذي أخذت وصفته من زوجة عمي، وترص فيها حبات الباذنجان المحشوة بالجوز والفلفل الأحمر ليصير باذنجانًا مكدوسًا.. آهِ، كم أحب الباذنجان المكدوس! أكبر المرطبانات مرطبانات المكدوس، وأنا واثقة من أن أمي لن تمانع إن أخذتُ مرطبانًا واحدًا.
سآخذ بيتي معي.. سأخفي "المرطبان" في الحقيبة كما يخفي الطلاب كتبهم المدرسية في شنطهم الملونة. لا يهم إذا كانت الحقيبة ثقيلة، سأشد وثاقها وأحكم ربطة حزامها حتى تستقر على ظهري
مرطبان واحد فقط سيفي بالغرض، سيكون كافيًا لآخذ الضيعة معي، سأضعها في مرطبان المكدوس الزجاجي، وأحكم إغلاق الغطاء.. سأضعها بكل ما فيها، بأوديتها وجبالها وشجر الحور الطويل الشامخ، وأناسها الطيبين، وشمسها التي تنير الدنيا، ونهرها الصغير الذي يجف معظم شهور السنة، ومنزلنا الدافئ بداره الواسعة، وشجرة الصفصاف التي قَسَم البرق جذعها قسمين ذات مساء.. ستسافر الضيعة معي، وستكون سالمة منعمة آمنة في مرطباني الزجاجي.
أريد أن آخذ منزلي معي!. سأحمل المرطبان كما كانت النساء يحملن جرات المياه على رؤوسهنّ، لا يهم إذا كان المرطبان كبيرًا، سأثبته جيدًا وأشده بكلتا يدي.. ولكني أخاف أن أتعثر بحصى صغيرة على جانب الطريق فيختل توازني، وإذا اختل توازني أن يهتز المرطبان ويقع فينكسر.
ولذلك، سأنقل المرطبان إلى حقيبة ظهري، عندي حقيبة ظهر صفراء فاقعة، أحبها، أزينها بأزرار جمعتها وأختي من أماكن حول العالم، قد تفي بالغرض. وربما تكون حقيبة أخي السوداء الداكنة أكبر وأفضل لأخفي المرطبان فيها، وأنا واثقة من أن أخي لن يمانع إن استعرت حقيبة ظهره السوداء الكبيرة.. سيكون الحمل أسهل هكذا، لن أخاف من أن أخسر توازني فيسقط المرطبان عن رأسي، ففي نهاية المطاف، أنا لست خبيرة مثل النساء ناقلات جرات المياه.
سآخذ بيتي معي.. سأخفي "المرطبان" في الحقيبة كما يخفي الطلاب كتبهم المدرسية في شنطهم الملونة. لا يهم إذا كانت الحقيبة ثقيلة، سأشد وثاقها وأحكم ربطة حزامها حتى تستقر على ظهري.
ولكني أخاف أن أخلع حقيبة ظهري لأربط شريط حذائي فيأخذها شخص ما. ولذلك، سأحمل المرطبان بين ذراعي.. نعم، هكذا أفضل، سيكون معي في حضني في كل وقت، أرعاه بعيني وقلبي وروحي، ولن يفلت من يدي.. ولكني أخاف أن تتعب ذراعاي أو تنهك يداي.. ماذا أفعل وقتها؟
إذا اختل توازني أو لم تتسع أكبر حقائب الظهر عندي، إن لم تسعفني مرطبانات أمي الكبيرة ولا حقيبة أخي الأكبر، وإذا تعبت ذراعاي وأنهكت يداي، فسأحمل بيتي معي في قلبي
أريد أن أكون في منزلي، أريد أن أتابع الأخبار مع أبي، وأطبخ المعكرونة سريعة التحضير مع أخي.. أريد أن أستيقظ على صوت الأذان من مسجد ضيعتي، وأن أجلس على الأرجوحة الصغيرة التي اشتريتها قبل سنوات الغلاء، على شرفة غرفتي، أريد أن أتمشى مع أختي على الطريق المعبد بشجر الصنوبر قرب بيتنا، وأرصّ الباذنجان في المرطبانات الزجاجية الكبيرة على أرض مطبخنا مع أمي.
أريد أن أحتسي الشاي مع الكعك على شرفة منزلنا الأمامية، المطلة على شجرة الصفصاف ذات الجذع المقسوم، وأن أنام على السرير الجديد الذي اختارت تصميمه أمي وصنعه لي عمي.. نومًا مريحًا، أعرف فيه أنني على الأقل في منزلي.
إذا اختل توازني أو لم تتسع أكبر حقائب الظهر عندي، إن لم تسعفني مرطبانات أمي الكبيرة ولا حقيبة أخي الأكبر، وإذا تعبت ذراعاي وأنهكت يداي، فسأحمل بيتي معي في قلبي.. هكذا لن يفلت مني أبدًا.
لن أقلق من أن يختل توازني فيسقط المرطبان عن رأسي، ولن أخاف من أن أخلع حقيبتي لأربط شريط حذائي فيأخذها شخص ما.. سيظل منزلي معي، وسأظل أنا جالسة أحتسي الشاي مع الكعك على شرفة منزلنا، التي تطل على شجرة الصفصاف ذات الجذع المقسوم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.