تعهد المرشد الإيراني علي خامنئي بـ "رد قاسٍ" على الهجمات التي شنّتها إسرائيل ضد طهران أو حلفائها، رغم التحذير عالي النبرة من قبل الخارجية الأميركية، التي دعته لعدم التصعيد؛ لأنّ واشنطن ستقف إلى جانب إسرائيل في دفاعها عن نفسها.
التحذير الأميركي تُرجم على أرض الواقع، حيث ذكر وزير دفاعها لويد أوستن في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن بلاده نشرت صواريخ "ثاد"، وهي منظومتها المتقدمة المضادة للصواريخ الباليستية في إسرائيل. كما أعلن الكونغرس الأميركي عن وصول قاذفاتها الإستراتيجية من طراز "B-52" إلى المنطقة، وأكدت القيادة المركزية بالجيش الأميركي وصولها إلى منطقة العمليات الأحد 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
خطورة الانكشاف الجوي الإيراني يعود فيه البعض لوضع مقارنة مع ما حصل للعرب في حرب النكسة عام 1967. حيث شنّ العدو هجومًا مباغتًا طال معظم المطارات العسكرية في أكثر من دولة عربية، الأمر الذي حسم المعركة لصالح إسرائيل
إنَّ قرار الردّ الإيراني على الضربة الأخيرة، أتى بعدما اطّلع المرشد الأعلى على حجم الأضرار العسكرية التي سببتها الضربة الإسرائيلية. حيث نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أنَّ الضربة الجوية الإسرائيلية ضد إيران الشهر الماضي ألحقت أضرارًا بالغة بمنشآت إنتاج الصواريخ، فتضررت القدرة الإيرانية على إنتاج الصواريخ، كما وتدمرت الدفاعات الجوية الإستراتيجية لطهران، الأمر الذي يجعلها أكثر عرضة لهجمات مستقبلية.
رغم تقليل الإعلام الإيراني لحجم الضربة التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية، صباح السبت 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإن الواقع يشير إلى أن الضربة أفقدت إيران الغطاء الجوي، ما جعل الأهداف متاحة أمام أي هجوم مستقبلي، في حال قامت إيران بالرد على الرد، كما توعد مرشدها.
إن خطورة الانكشاف الجوي الإيراني يعود فيه البعض لوضع مقارنة مع ما حصل للعرب في حرب النكسة عام 1967. حيث شنّ العدو هجومًا مباغتًا طال معظم المطارات العسكرية في أكثر من دولة عربية، الأمر الذي حسم المعركة لصالح إسرائيل.
الأمس ليس كما اليوم، ووضع إيران حاليًّا لا يشبه ما كان عليه العرب سابقًا؛ فطهران إضافة إلى أذرعها في معظم دول الطوق لإسرائيل، والتي تقاتل اليوم تحت إمرة طهران، تربطها اتفاقيات دفاعية مع موسكو.
هذا، وتشير الدراسات إلى أن عملية استبدال أو إصلاح أنظمة الدفاع الجوي في إيران قد تستغرق أشهرًا في حال تلقت مساعدة روسيا. هنا تكمن المعضلة في الدور الروسي في تأمين ما خسرته إيران من جراء الضربة، فهل هناك تنسيق روسي – إسرائيلي، كما هو الحال في سوريا، يهدف إلى ضبط الدور الإيراني في المنطقة، في ظلّ تكفّل إسرائيل بتطويق أذرع إيران في المنطقة، ما يسمح لروسيا بأخذ دور أكبر في المنطقة؟
يستبعد البعض الردّ العسكري الإيراني المباشر على إسرائيل، لأنّ هذا يعطي ذريعة مطلقة لنتنياهو لتحقيق مطلبه الذي يكرره في كافة مناسباته، وهو توجيه ضربة إلى منشآت إيران النووية
تعيش المنطقة على وقع الردّ الإيراني المنتظر لإسرائيل، فبين الردّ "القاسي" الذي توعد به خامنئي، أو الرد "المحسوب" الذي حذّر منه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، يتوقف الأمر عند طبيعة هذا الرد. إذ يجد البعض أنه في حال انتهج الرد الإيراني استنساخًا للرد السابق، أي إطلاق كمية من الصواريخ، ستكون إيران قد أُفرغت حقيقةً من مضمون "الردع" الإستراتيجي الذي يتحدث عنه محورها.
قالت الولايات المتحدة إنّها لن تستطيع كبح إسرائيل في الرد على إيران هذه المرة في حال نفذت طهرات "الوعد الصادق 3″، في دلالة على أن إسرائيل سيكون لها كافة الخيارات المفتوحة لضرب إيران عبر منشآتها النووية، هذا ما أكدته عبر إرسالها لتل أبيب قنابل قادرة على اختراق تحصينات إيران النووية.
كما أن واشنطن هذه المرة لن تستطيع منعها من توجيه ضربات مباشرة إلى منشآت إيران النفطية، فتكون بذلك قد ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد، منها التمويل الإيراني المباشر لميزانيتها الحربية، وإغلاق آبار النفط المخصصة لتمويل أذرعها في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله، وقطع الطاقة عن الأسواق الصينية، حيث تُعتبر إيران ثاني أكبر دولة مصدرة للطاقة إلى الأسواق الصينية.
يستبعد البعض الردّ العسكري الإيراني المباشر على إسرائيل، لأنّ هذا يعطي ذريعة مطلقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتحقيق مطلبه الذي يكرره في كافة مناسباته، وهو توجيه ضربة إلى منشآت إيران النووية، لحرمانها ومنعها من امتلاك القنبلة النووية.
قد تكون إيران هذه المرة أكثر حذاقة، وتمنع نتنياهو من تحقيق حلمه، لهذا قد يكون الردّ معنويًّا، ويعيد الردع الإيراني إلى طاولة المفاوضات، وهو إعلان خامنئي التعديل في "عقيدة إيران النووية".
الردّ الإيراني المحسوب قد لا يتوقف عند الرد الانتقامي كما في الوعد الصادق 1، والوعد الصادق 2، لأنّ الأمور ستخرج عن المألوف، وتقوم إسرائيل بردّ
على مدى سنوات، يؤكد المسؤولون في إيران أن البلاد لن تذهب في السير بإنتاج قنبلة نووية، رغم أن التقارير التي ترتبط ببرنامج إيران النووي تؤكد أنها قادرة على التخصيب وإنتاج القنبلة في وقت قصير، إن أُعطيت الأوامر بذلك.
ينطلق خامنئي من رفض بلاده إنتاج القنبلة من رادع ديني يحرّم ذلك، لكنّ الأمر قد يتغيّر في حال شعرت هذه الدولة بأن أمن بلادها القومي بات في خطر، عندها كل شيء سيصبح مباحًا، ولن يكون هناك فيتو على أي قرار.
يبدو أن الذهاب في السير لإنتاج القنبلة النووية قد يكون الردّ الأكثر معقولية عند الإيراني، لأن إطلاق صليات صاروخية كما يتحدث البعض – حتى ولو كانت ذات نوعية متطورة وفاعلية عالية – سيكون خيارًا خاطئًا في منطقة حولتها الولايات المتحدة لمنظومة دفاع جوي قادرة على إسقاط صواريخ إيران.
الردّ الإيراني المحسوب قد لا يتوقف عند الرد الانتقامي كما في الوعد الصادق 1، والوعد الصادق 2، لأنّ الأمور ستخرج عن المألوف، وتقوم إسرائيل بردّ على أساس ما قاله نتنياهو: "لا مكان في إيران لا تطوله طائراتنا".
الردّ حتمًا سيكون مدروسًا بالتنسيق التام مع موسكو؛ فالإيراني لم يعد قادرًا أن يخوض الحرب في المنطقة وحيدًا دون دعم روسي في ظلّ غياب تام للدور الصيني عن المشهدية القائمة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.