كثيرًا ما نتحدث عن تسميات كالوعي والفطرة والروح والقلب وغيرها.. ولكون هذه المفاهيم غير مادية، فإن معرفتها بشكل صحيح بعيدًا عن القرآن الكريم غير ممكنة، لأن الوعي الإنساني مهما بلغ من تطور وتقدم علمي، سيبقى غائبًا عن حقيقة الجانب اللامادي من الخلق.
أوضح القرآن الكريم بشكل صريح أن النفس تنتمي إلى عالم الخلق {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها}، وأن الروح تنتمي إلى عالم الأمر {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي}. أي أنهما تنتميان إلى عالمين مختلفين تمامًا، عالم الخلق وعالم الأمر
النفس والروح
يلتبس مفهوما النفس والروح عند معظم المسلمين، وكل باحث يطرح نظرته ورؤيته لهذه المفاهيم بحسب فهمه لها، في حين أن الحقيقة مختلفة تمامًا، ولا يمكن معرفتها دون العودة إلى النصوص وتدبرها، وتقديم المعنى المراد بشكل لا يعتريه الشكّ أو التخمين.
أوضح القرآن الكريم بشكل صريح أن النفس تنتمي إلى عالم الخلق {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها}، وأن الروح تنتمي إلى عالم الأمر {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي}. أي أنهما تنتميان إلى عالمين مختلفين تمامًا، عالم الخلق وعالم الأمر {ألا له الخلق والأمر}. وبيّن أيضًا أن كلًا من النفس والروح مخلوقتان {والله خالق كلّ شيءٍ}.
أما عالم الخلق، فهو عالم الخلق بالفعل {خلقنا لهم ممّا عملت أيدينا أنعامًا}، وهو عالم يحتاج إلى وجود الأسباب والمؤثرات، فخلقُنا مثلًا يُشترط فيه وجود الوالدين، ويُشترط فيه المرور بمراحل {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً}.
وأما عالم الأمر، فهو عالم الخلق بالقول بقوله تعالى "كن" {إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون}.. {إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون}. أي أنه عالم فوري الوجود، ولا يُشترط في حدوثه وجود الأسباب والمؤثرات.
ما لم يتم الكشف عن مفهومي النفس والروح بشكل صحيح، وتبيان عمل الروح بشكل دقيق، فإن العلم بحقيقة خلق الإنسان سيبقى ناقصًا، لكون الروح آخر مكون من مكونات الخلق
وكما أن المخلوقات مختلفة وكثيرة في عالم الخلق، فهي كذلك في عالم الأمر؛ وهذا ما يفسر وجود اسم الروح بمعانٍ مختلفة في القرآن الكريم .وبينما يملك الإنسان قدرة السيطرة على نفسه {قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها}، فإنه لا قدرة له على روحه إطلاقًا {قل الرّوح من أمر ربّي}.
هذا وإن النفس تذوق الموت {كلّ نفسٍ ذائقة الموت}، وتموت {إنّك ميِّت وإنهم ميِّتون}، بينما الروح تُقبض.. "إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها إليكم حين شاء.. ثم قال: يا بلال، قم فأذن الناس بالصلاة" [الراوي أبو قتادة – صحيح البخاري]. وبالتأكيد، إن الروح تفنى في مرحلة من مراحل الوجود {كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه}.
وما لم يتم الكشف عن مفهومَي النفس والروح بشكل صحيح، وتبيان عمل الروح بشكل دقيق، فإن العلم بحقيقة خلق الإنسان سيبقى ناقصًا، لكون الروح آخر مكون من مكونات الخلق {فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي} (يأتي الملَك فينفخ فيه الروح).
وهنا ينبغي الإشارة إلى عدم الخلط بين الروح المنفوخة والوعي الذي هو من عالم الأمر أيضًا؛ فجميع الموجودات دون استثناء تمتلك الوعي {كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} (لا يمكن أن يوجد العلم بدون وعي).. في حين أن البعض منها يمتلك الروح، وعند هذه لا وجود للوعي دون وجود الروح.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.