الجميع عاكف على قراءة طالعه في سياسة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب العائد هادراً إلى البيت الأبيض، فاتحًا باب المخاوف والتكهنات التي تجمع الحلفاء وغيرهم على حد سواء.
لم تكن عودته مفاجأة بالقدر الذي كانت عليه لدى فوزه قبل 8 سنوات، حيث كان مفاجأة من العيار الثقيل.
العالم استعد بالفعل لعودة ترامب إلى السلطة. لكنها بدت مذهلة هذه المرة حيث حقق فوزًا ساحقًا على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، مصحوبًا بسيطرة الجمهوريين على مجلسَي الشيوخ والنواب، ما يضمن له أن يكون رئيسًا أكثر قوة مما كان عليه في ولايته الأولى.
ستزيد شخصية ترامب المتقلبة والمتهورة حالة عدم اليقين بشأن مسار السياسة الأميركية، خاصة في ضوء ميله إلى تغيير المسار فجأة. فلقد خلقت رؤيته أحادية الجانب للعالم "أميركا أولًا" قدرًا كبيرًا من الانقطاع والتقلب في السياسة الخارجية في ولايته الأولى
إن ما ستبدو عليه سياسته الخارجية محل تقييم محموم في مختلف أنحاء العالم. فهل ستحاكي نهجه الذي انتهجه في ولايته الأولى تحت شعار "أميركا أولًا" والذي ترجم إلى سياسة "أميركا وحدها"؟ وهل ستثبت أنها أكثر تدميرًا وزعزعة للاستقرار كما كانت في الماضي؟
إن ما يؤثر على التقييمات هو الرأي السائد بين المجتمع الدولي بأن مشاركة واشنطن في العالم في السنوات الأخيرة لم تكن مستدامة ولا متسقة، وهو ما يثير تساؤلات حول صدقية الولايات المتحدة، التي لم تعد القوة المهيمنة الوحيدة في عالم متعدد الأقطاب، وهو ما يفرض قيودًا على قدرتها على تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية.
ستزيد شخصية ترامب المتقلبة والمتهورة حالة عدم اليقين بشأن مسار السياسة الأميركية، خاصة في ضوء ميله إلى تغيير المسار فجأة. فلقد خلقت رؤيته أحادية الجانب للعالم "أميركا أولًا" قدرًا كبيرًا من الانقطاع والتقلب في السياسة الخارجية في ولايته الأولى، وأضرت بمكانة أميركا الدولية. كما أدّى نهجه الانعزالي إلى تراجع الولايات المتحدة عن دورها العالمي.
إن أحد الأمور المؤكدة، ذات الآثار بعيدة المدى على الاستقرار والاقتصاد العالمي، هو أن "ترامب في ولايته الثانية"، سيواصل سياسة احتواء الصين الراسخة التي تنتهجها الولايات المتحدة. وثمة إجماع أميركي على أن الصين تشكل خصمًا وتحديًا إستراتيجيًا. وقد يصعّد ترامب المواجهة بشأن قضايا التجارة والتكنولوجيا.
وخلال الحملة، هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 % على الواردات الصينية وإنهاء وضع الدولة الأكثر تفضيلًا للصين. ومن المشكوك فيه ما إذا كان سيرفع الرسوم الجمركية إلى هذا الحد؛ لأنه سيتعين عليه حساب تأثيرها على المستهلكين الأميركيين؛ فالواردات الأكثر تكلفة من شأنها أن تدفع الأسعار إلى الارتفاع، وذلك أيضًا عندما يشكل التضخم تحديًا. كما سيشكل ذلك خطرًا على الاقتصادات الأوروبية؛ لأن الصين هي أكبر شريك تجاري لأوروبا.
خلال الحملة، قال ترامب أيضًا إنه سيسعى إلى إقامة علاقة جيدة مع بكين. وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز، قال إنه على الرغم من عدم وجود منتقد للصين أعظم منه، إلا أنه يحترم الصين والرئيس شي جين بينغ.
وعلى الرغم من أن ترامب سيتخذ موقفًا صارمًا بشأن قضايا التجارة، فإن غرائزه التجارية ستحثه على أن يكون براغماتيًا ومنفتحًا على عقد صفقات مع الصين بشأن التجارة، وربما قضايا خلافية أخرى، بما في ذلك تايوان.
إن الأزمة في الشرق الأوسط تشكل تحديًا واضحًا وحاضرًا قد يسعى ترامب إلى معالجته من خلال فرض وقف إطلاق النار في غزة. وبينما تجنب الخوض في التفاصيل، قال مرارًا وتكرارًا خلال الحملة إنه يريد أن يرى السلام في المنطقة
وبينما تزيد حدة التنافس مع الصين، يريد ترامب تجنب مسار تصادمي أو صراع عسكري بشأن تايوان، التي انتقدها قائلًا إنها يجب أن تدفع للولايات المتحدة مقابل الدفاع عنها.
ومن المرجح أن تحدث اضطرابات في السياسة الأميركية في وقت يعيش فيه العالم بالفعل في حالة من الفوضى.
لقد اقترح ترامب فرض تعريفات جمركية تتراوح بين 10% و20% على جميع السلع المستوردة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى توتر العلاقات مع حلفاء أميركا الأوروبيين، الذين تعامل معهم ترامب باستخفاف في ولايته الأولى، ووصفهم بأنهم متطفلون.
ورغم أنّ هذه التعريفات تستهدف جميع البلدان التي لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة، فإنها ستكون صعبة التنفيذ. وسوف تشكل ضربة للاقتصادات النامية، وتثبط النمو الاقتصادي العالمي.
ورغم أن ترامب من أنصار الحماية التجارية، فإن السؤال المطروح هو: إلى أي مدى قد يذهب في الضغط من أجل تحقيق هذه الأجندة؟. فوفقًا لخبراء اقتصاديين، فإن خطته لرفع الرسوم الجمركية، وإصدار أوامر الترحيل الجماعي للمهاجرين، من شأنها أن تزيد من تفاقم التضخم الذي وعد ترامب بمعالجته.
الحلفاء الأوروبيون لديهم الكثير من الأسباب التي تدعوهم إلى القلق. فهم مضطرون إلى التعامل مع رئيس أظهر القليل من الالتزام بالأمن الأوروبي، والذي أعلن خلال الحملة الانتخابية أن "حلفاءنا في كثير من الحالات أسوأ من أعدائنا المزعومين"
من المرجح أن يكون التغيير الجذري في السياسة الأميركية فيما يتعلق بحرب أوكرانيا. غالبًا ما يزعم ترامب أنه يستطيع إنهاء الحرب "في يوم واحد"، ومن المتوقع أن يدفع باتجاه إجراء محادثات لإنهاء صراع يقول إنه "ما كان ينبغي أن يحدث أبدًا". وهذا سببٌ للقلق بالنسبة لأوروبا.
قال ترامب إنه سيضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدخول في مفاوضات للتوصل إلى اتفاق سلام. قد لا يكون معارضًا لنتيجة تصب في صالح موسكو، حيث يتعين على أوكرانيا التنازل عن أراضٍ. ومن غير المرجح أن يستجيب لتحفظات الدول الأوروبية في هذا الصدد.
انتقد ترامب حلفاء الناتو مرارًا وتكرارًا لعدم مشاركتهم في تحمل العبء الدفاعي. كما قال إنه في ولايته الثانية، ستعيد أميركا النظر بشكل جذري في "غرض الناتو ومهمته"، وتطلب من الدول الأوروبية تعويض الولايات المتحدة عن المليارات من الدولارات مقابل الإمدادات العسكرية التي أرسلتها إلى أوكرانيا.
قد يكون هذا مجرد كلام فارغ، لكن لا شك أن ترامب والحزب الجمهوري لا يريدان استمرار التمويل العسكري لأوكرانيا.
من المرجّح أن تكون عدم القدرة على التنبؤ السمة المميزة للسياسة الخارجية لترامب. ما يجعل الجميع ينتظر مفاجآت وحتى اضطرابات في السياسة الأميركية في وقت حساس، حيث الحروب والأزمات معلقة فيما يسميه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "عصر الفوضى"
وعلى هذا فإن الحلفاء الأوروبيين لديهم الكثير من الأسباب التي تدعوهم إلى القلق. فهم مضطرون إلى التعامل مع رئيس أظهر القليل من الالتزام بالأمن الأوروبي، والذي أعلن خلال الحملة الانتخابية أن "حلفاءنا في كثير من الحالات أسوأ من أعدائنا المزعومين".
ويرى ترامب أنّ الدول الأوروبية لا تساهم بما يكفي في أمنها، وتستغل الولايات المتحدة، وهو الوضع الذي يريد إنهاءه. فهو لا يملك صبرًا على التحالفات، أو على التعددية.
إن الأزمة في الشرق الأوسط تشكل تحديًا واضحًا وحاضرًا قد يسعى ترامب إلى معالجته من خلال فرض وقف إطلاق النار في غزة. وبينما تجنب الخوض في التفاصيل، قال مرارًا وتكرارًا خلال الحملة إنه يريد أن يرى السلام في المنطقة، ويجب على إسرائيل إنهاء الحرب بسرعة، من خلال الفوز بها و"إنهاء المهمة".
ترامب أكثر تأييدًا لإسرائيل من بايدن ولا يتعاطف مع محنة الفلسطينيين (وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ترامب ذات مرة بأنه أفضل صديق لإسرائيل على الإطلاق في البيت الأبيض).
لم يبدِ ترامب أيَّ التزام بحل الدولتين، على الرغم من أن هذا لا يزال موقف الولايات المتحدة. وأي اتفاق قد يدفع نحوه سيكون بشروط إسرائيل، وسيهدف أيضًا إلى حثّ الدول العربية الأخرى على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام: مبادرته المميزة في الشرق الأوسط في ولايته الأولى.
من المرجّح أن تكون عدم القدرة على التنبؤ السمة المميزة للسياسة الخارجية لترامب. ما يجعل الجميع ينتظر مفاجآت وحتى اضطرابات في السياسة الأميركية في وقت حساس، حيث الحروب والأزمات معلقة فيما يسميه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "عصر الفوضى".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.