أتكون "مواقع التواصل الاجتماعي" هي الإعلام الاجتماعي – كما سيظهر لو بحثنا عبر غوغل -، أم إن السوشيال ميديا وسائل إعلامية جديدة؟ إذًا، ما هي أنواع الإعلام؟ وما هو تحديدًا الإعلام الاجتماعي، أو المجتمعي كما سماه البعض؟
لو عدنا بلمحة سريعة فسنجد أن التلفزيون الذي كان في الماضي صار اليوم "يوتيوب"، والراديو التقليدي جديده بودكاست، والصحف الورقية هي اليوم مدونات إلكترونية.. جميعها وسائل إعلامية تُعرف بالمرئي والمسموع والمقروء، منها الإلكتروني الرقْمي ومنها أيضًا الوسائل الأولى.
وقبل هذه التطورات كانت السينما أيضًا ومن قبلها المسرح، وكانت الكتب والمخطوطات، وقبل الطباعة واختراع الكتابة كان تداول الحكايات الشفهية.
هذا يوضح لنا في استعراض سريع تطور وسائل الإعلام، ولكل من هذه المراحل محاوره العريضة وتفاصيله الدقيقة، ولكننا نستذكرها فقط لنرى كيف تطورت وسائل الإعلام.
نشأة الصحافة العربية تعود إلى الحملة الفرنسية على مصر، التي نقلت معها الكثير من الثقافة الغربية، بما في ذلك الصحافة المكتوبة
والآن.. ما هي أنواع الإعلام؟
هي ببساطة نوع المادة التي يتم طرحها من خلال وسائل الإعلام، ومنها:
- الإعلام السياسي: يتناول القضايا السياسية، ويؤثر بشكل كبير على الرأي العام.
- الإعلام الاقتصادي: يغطي الأخبار الاقتصادية والتطورات المالية.
- الإعلام الرياضي: يقدم تقارير ومحتوى عن الفعاليات الرياضية.
- الإعلام الاجتماعي: وهو الأكثر تأثيرًا، حيث يتناول القضايا الاجتماعية والثقافية، ويمس حياة الناس بشكل مباشر. وتحت عنوان الإعلام الاجتماعي يمكن أن يتفرع إعلام اجتماعي سياسي وآخر اجتماعي اقتصادي، وتتنوع المواضيع باتجاهات مختلفة.. ومن أدواته القصص والروايات، وأفلام ومسلسلات الدراما، والأغاني والمُقابلات وغيرها.
والآن، بعد أن حددنا بعض وسائل وأنواع الإعلام، ثمة سؤال مهم جدًا لا بد من الإجابة عنه لتكتمل الصورة، وهو عن نشأة وسائل الإعلام، وتحديدًا العربية.
التطور الأكبر جاء مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في أواخر القرن العشرين. والذي تراكم اختراعه أيضًا في الغرب بما يُعرف اليوم بالثورة التقنية
صناعة الإعلام الأولى ونشأة الإعلام العربي الحديث
لقد صنع الغرب وسائل الإعلام بدءًا من اختراع الطابعة في ألمانيا على يد يوهان غوتنبرغ في القرن الخامس عشر، والذي أحدث فارقًا كبيرًا في التاريخ، ما أدى إلى ظهور الصحف الأولى، مثل صحيفة "Relation" في عام 1605. تبع ذلك اختراع الراديو في أواخر القرن التاسع عشر على يد غوليلمو ماركوني، ثم التلفزيون في ثلاثينيات القرن العشرين. وسنتطرق لتفاصيل الإعلام الغربي وتأثيره لاحقًا.
في الوطن العربي، نشأةُ الصحافة العربية تعود إلى الحملة الفرنسية على مصر، التي نقلت معها الكثير من الثقافة الغربية، بما في ذلك الصحافة المكتوبة. ومن هنا، بدأت الصحافة تأخذ مكانتها في العالم العربي مع ظهور أولى الصحف العربية، مثل "الوقائع المصرية" في عام 1828.
وإلى جانب الصحافة، شهد الإعلام العربي تطورات مهمة مع ظهور الراديو في العشرينيات من القرن الماضي والسينما في الثلاثينيات.
ومع ذلك، فإن التطور الأكبر جاء مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في أواخر القرن العشرين. والذي تراكم اختراعه أيضًا في الغرب بما يُعرف اليوم بالثورة التقنية. وباتت وسائل الإعلام الحديثة أو "مواقع التواصل"، مثل: فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، منصات رئيسية لنشر المعلومات وتبادل الأفكار.
الدراما الاجتماعية هي إحدى أهم أدوات الإعلام الاجتماعي، حيث يمكن استخدامها لطرح قضايا مجتمعية حساسة مثل: التنمر، والتحرش، والعنصرية
تحديات ناشئة
مع كل هذه الفرص، جاءت تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتأثير هذه الوسائل على الثقافة والسياسة والمجتمع بشكل عام، وهذا يحتاج منا أيضًا رؤية تحليلية عميقة، في إطار المفهوم العام والمحاور التي وضعناها. وسواء تحدثنا عن وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة فهي صناعة الغرب.. والسؤال: هل استطاعت المجتمعات العربية أن تستخدم وسائل الإعلام بشكل يساهم بتطويرها؟
فالإعلام بشكل عام، والاجتماعي بشكل خاص، له دور مزدوج؛ فهو يمكن أن يكون أداة لتعزيز الوعي الاجتماعي والثقافي، والتماسك المجتمعي، ولكنه قد يساهم أيضًا في تشويه المفاهيم الثقافية ونشر ظواهر اجتماعية سلبية.
وبالعودة إلى أدوات الإعلام الاجتماعي، نجد أن الدراما الاجتماعية هي إحدى أهم أدوات الإعلام الاجتماعي، حيث يمكن استخدامها لطرح قضايا مجتمعية حساسة مثل: التنمر، والتحرش، والعنصرية.. وهنا، أنت تدخل في بنية المجتمعات من خلال تفاصيل أبسط.. كيف تأكل.. تشرب.. تنام.. تلبس.. تعيش.. تعمل؟.. كلها تراها في مشاهد بسيطة تتراكم داخلك، لتنعكس وتظهر تلقائيًا على كلماتك وتصرفاتك وتطلعاتك أيضًا؟ هذا الإعلام هو الذي يحيك نسيج الإنسان والمجتمع..
ويستوقفنا هنا مشهد الإعلام الاجتماعي العربي المعاصر؛ حيث أصبحت معظم الأعمال الدرامية لا تعكس الواقع الاجتماعي، ولا تتناول القضايا الحقيقية التي يواجهها المجتمع.. المشكلة الحقيقية ليست في عرض أعمال من ثقافات أخرى، فهذا موضوع آخر، ولكن السؤال عن تعريب المسلسلات وعرضها كأنها من صلب الثقافة العربية: أسيُنتج ذلك ثقافة منفتحة، أم هُوية مشوهة؟
هو تعريب غير مدروس لأعمال خارجية وغربية، وهذا يؤدي إلى انتشار مفاهيم وسلوكيات غير متوافقة مع المجتمع العربي، ما يخلق تحديات كبيرة خاصة بين الأجيال الشابة.
لو نظرنا للتراويد الفلسطينية، فسنجدها تحكي حكايات وتاريخًا بكل تفاصيله، ليست مجرد أغانٍ، هي تعكس القيم الأخلاقية والعاطفية
الدراما بين الماضي والحاضر
سابقًا، استطاعت الدراما الاجتماعية أن تعرض المشكلة، كما في مسلسل "أشواك ناعمة" للكاتبة رشا شربتجي، الذي عُرض عام 2005، وقد تحدث عن صور مختلفة من المجتمع.. لكن، هل عالجها؟ هل قدم حلولًا؟
واليوم، الدراما تتنوع.. ولنأخذ مثال الدراما المُشتركة المُعربة.. مثلًا، "الخائن" هو النسخة العربية من مسلسل قُدم في أكثر من دولة؛ قُدِّم أول مرة في نسخته الأميركية ""Doctor Foster (دكتور فوستر)، إنتاج عام 2016، بطولة بيرتي كارفيل وسيمون فوستر وجودي كومر.
في عام 2020 قدمت نسخة تركية من المسلسل بعنوان "الخائن"، وقام ببطولته جانسو ديري، وكانر سيندوروك، وميليس سيزين. وفي العام ذاته جاءت النسخة الكورية من المسلسل بعنوان "عالم المتزوجين".
تخيل أن تَعرِض في أميركا مسلسلًا شعبيًا شاميًا، وتقول لهم: هذا مجتمعكم!. لكنك بكل تأكيد تستطيع أن تقدم العمل كما هو تحت معايير معينة.
إن الدراما العربية تحمل في طياتها صورًا وأفكارًا كثيرة لا تتناسب مع مرجعية المجتمعات العربية.. وهنا لن نحكم ولن نقيّم، وإنما سنقوم بعملية تحليل فقط!. استخدام كلمات إنجليزية داخل الجمل العربية يولد ثقافة حقيقية أم هُوية مشوّهة؟
الأغاني
لو نظرنا للتراويد الفلسطينية، فسنجدها تحكي حكايات وتاريخًا بكل تفاصيله، ليست مجرد أغانٍ، هي تعكس القيم الأخلاقية والعاطفية.. "يا ظريف الطول، يوم غربوك شعر راسي شاب والظهر انحنى"..
ننظر في معانٍ جديدة إرهابية عن حب اليوم.. "حبك سفاح مجرم وماسكلي سلاح!".. أغنية لفنانة مشهورة صدرت عام 2021! ما هو هذا الحب؟ إرهاب، سفح، قتل؟ ما هي المعايير التي تقوم عليها الأغنية والمسلسل؟ ومن يراقب انتشارها؟ كيف يمكن إعادة تقديم المشهد الثقافي من أغنية أو مسلسل تاريخي في طبق يلفت انتباه جيل التيك توك؟
المسؤولية المجتمعية تجاه الإعلام الاجتماعي تتمثل في ضرورة حوكمة المحتوى وفقًا للمعايير الثقافية والاجتماعية والقانونية للمجتمع.
لقد نجح الإعلام العربي عمومًا – والاجتماعي تحديدًا – مرات كثيرة في الدراما المصرية.. في الأفلام التاريخية والوثائقية أعمال عمرها سنوات، ما زالت حتى اليوم تتوسط الجلسات العائلية!
أهناك دراسات حقيقية حول تأثير الدراما على المجتمعات العربية؟
ما دام أن الممثل والمغني والشخصيات العامة هم أقرب للناس من غيرهم، ويمكن أن يؤثروا على أعداد كبيرة من الناس.. فما هي أهمية العمل في تطوير برامج عمل للمُمثلين والإعلاميين، وحتى صنّاع المحتوى؟
فالطبيب لو أغلق كتبه، هل سيعرف عن الأمراض الجديدة؟. لو أغلق عينيه، هل سيستطيع استخدام الأدوات التقنية الجديدة بدلًا من الأدوات التقليدية؟. فلماذا لا يعمل الإعلام أيضًا على تطوير أطباء المجتمع؟
عندما يريد الشارع العربي أن يعبّر، فهو ينتقد الممثل والإعلامي وصانع المحتوى.. ولكن، لماذا لا نفكر أن النقد يجب أن يكون على نطاق حقيقي واسع، وهو نقد بعض المؤسسات التي لا تستثمر الإعلامي والممثل وصانع المحتوى!
لقد نجح الإعلام العربي عمومًا -والاجتماعي تحديدًا- مرات كثيرة في الدراما المصرية.. في الأفلام التاريخية والوثائقية أعمال عمرها سنوات، ما زالت حتى اليوم تتوسط الجلسات العائلية!. فمن ينسى رأفت الهجان؟ من لم يسمع كوكب الشرق؟ وكيف تشرق شمس دون صوت فيروز؟
هل صناعة الأزمات فن تتقنه بعض المؤسسات الإعلامية العربية؟
تتبادر إلى الذهن أدوار شركات الإنتاج التي تنفق ملايين الدولارات على مسلسلات خيالية، ومقابلات تقوم على إيقاع الفتنة بين الممثلين وفي الوسط الفني بدلًا من أن تنهض بالفعل وتمارس دورها في وقاية البنية المجتمعية، وطرح حلول لمشكلات وظواهر اجتماعية لإعادة تشكيل الوعي وتصحيح المفاهيم.. نحن نواجه تحديًا كبيرًا لإنقاذ وإعادة تمكين الأدوار الفاعلة للإعلام المجتمعي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.