إن نجاح الاحتلال قبل فترة في اغتيال الشهيد يحيى السنوار "أبو إبراهيم" خسارة للقضية الفلسطينية على المدى القصير دون شك، وقد يبعث في النفوس بعض الريب وعدم اليقين.. لكن،،
- أليس من الحكمة عدم الاقتصار في النظر على اللحظة الحالية فقط، بل رؤية الحدث وفق منظور شامل، يجمع بين دروس الماضي واستشراف المستقبل؟
في هذا المقال إضاءة على دروس وعبر في النظر إلى الثورات.
اغتيال وأسر القادة لا يقضي على ثورات التحرر، بل يزيدها قوة وعنفوانًا!. هذا من أهم الدروس التي تعلمناها من حركات النضال والمقاومة ضد الاحتلال عبر التاريخ. ولعل الجزائر خير مثال على ذلك؛ فالثورة التي خطط لها مجموعة من الشباب، وقادها ستة منهم عشية الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، تلقت ضربات قاسية جدًا بعد بضعة أشهر فقط، فاستشهد ديدوش مراد، ووقع مصطفى بن بولعيد في الأسر قبل أن يستشهد لاحقًا، وهذا كان المصير ذاته للشهيد العربي بن مهيدي، بينما تم أسر محمد بوضياف.. وكان غيرها من الأزمات التي عصفت بقادة الثورة.
- لكن السؤال الأهم هنا هو: هل نجحت كل هذه الاغتيالات والاعتقالات في إخماد نار الثورة؟
بكل تأكيد لم تفعل، بل كان لها أثر عكسي؛ فبعدما رأى الجزائريون التضحيات البطولية لقادة جبهة التحرير الوطني، ومواجهتهم للاستعمار في الصفوف الأولى حتى قدموا أرواحهم فداء للوطن، زاد الالتفاف على جبهة التحرير، والإيمان بالثورة كسبيل وحيد لتحقيق الاستقلال، فالتحق الآلاف من المقاتلين بصفوفها، وبهذا تحققت أخطر كوابيس الاحتلال من حيث لا يدري، وهذه بركة دماء القادة التي تزيد من اشتعال نيران الثورة لتحرق المحتل وأعوانه.
قد تخبو الثورة أحيانًا، لكن ما تلبث أن تعود أكثر قوة وعنفوانًا، لتحرق كل من يقف في طريقها من الاحتلال وأعوانه.. هذه الحقيقة واضحة وضوح الشمس في كل الثورات، لكن قوى الاستعمار في كل مرة ترتكب الخطأ ذاته
إن الاحتلال غبي ولا يفهم رغم التكرار، فكيف يفكر في القضاء على ثورة الشعب الفلسطيني باستهداف قادته، وهو الذي يملك تاريخًا طويلًا في اغتيال القادة، ولم تنجح هذه السياسة في كبح جماح المقاومة، فكل قائد راحل يخلفه من هو أشد بأسًا على الاحتلال من سابقه، ليسوء وجهه ما شاء الله أن يفعل؛ فبعد الياسين جاء الرنتيسي ثم هنية، وفي كل مرحلة كانت المقاومة أشد قوة من التي سبقتها، لتصل الأمانة إلى السنوار، الذي أداها على وجهها الأمثل مقبلًا غير مدبر، وستنتقل لإخوانه من بعده ليواصلوا المسير.. وهذا هو الوضع أيضًا مع بقية فصائل المقاومة، من قائد إلى آخر حتى تحقيق الحرية.
نهاية العدو تكون عندما يبلغ إجرامه الذروة، فأمام أنهار الدماء التي يسفكها الاحتلال صباح مساء، وتدميره للشجر والحجر في القطاع والضفة ولبنان، قد يظن البعض أن هذا سينجح في كسر المقاومة وحاضنتها الشعبية، لكن الحقيقة التاريخية تقول إن سياسة الأرض المحروقة والعقاب الجماعي لن تدفع الشعب للكفر بالثورة، وإنما ستجعله أكثر إيمانًا بها كوسيلة للتحرر.
قد تخبو الثورة أحيانًا، لكن ما تلبث أن تعود أكثر قوة وعنفوانًا، لتحرق كل من يقف في طريقها من الاحتلال وأعوانه.. هذه الحقيقة واضحة وضوح الشمس في كل الثورات، لكن قوى الاستعمار في كل مرة ترتكب الخطأ ذاته. فالإقدام على الإبادة الجماعية للسكان الأصليين يبعث في النفوس الحقد على الاحتلال، ويشجع من بقي حيًا على الانضمام إلى صفوف الثوار، للانتقام لدماء الأطفال والنساء وكبار السن الذين اغتالتهم قوى الإجرام.. وهكذا تبقى نار الثورة مشتعلة حتى النصر.
قد يبدو كلامي هذا غير واقعي للبعض، إلا أن ما تعلمناه من قصص أجدادنا الثوار في الجزائر يؤكد هذا، فما يقوم به المجرم نتنياهو الآن، سبقه إليه مجرم آخر هو شارل ديغول، الذي عاشت الثورة في سنوات حكمه أقسى أيامها؛ إذ حاول عزل الثورة عن الشعب بالترهيب والإجرام، ففرض حصارًا مطبقًا على الجزائر شرقًا وغربًا، وكثف من هجماته على الثوار، ولم يرحم أحدًا لمس عنده تعاطفًا مع جبهة التحرير.
لكن، كيف كانت خاتمة ذلك؟ بعد سبع سنوات ونصف من الصبر والمقاومة، أجبر الجزائريون شارل ديغول على الجلوس إلى طاولة المفاوضات التي نالوا فيها استقلالهم رغم أنف المحتل، ورغم اغتيال القادة وتقديم ملايين الشهداء، فهذه طبيعة الأشياء، وللحرية ثمن لا بد أن يدفع.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.