جيل ألفا بين التكنولوجيا والتحديات الاجتماعية

الأطفال والشاشات: دعوة جديدة للتيقظ
الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات يُظهرون معدلات أعلى من العزلة الاجتماعية (غيتي إيميجز)

في العقد الأخير، برز جيل جديد يُطلق عليه "جيل ألفا"، وهم الأطفال الذين وُلدوا بعد عام 2010.. هؤلاء الأطفال نشؤوا في بيئة مشبعة بالتكنولوجيا الحديثة، حيث الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والاتصال بالإنترنت جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية.

وبينما تقدم هذه التكنولوجيا فرصًا تعليمية وترفيهية هائلة، فإنها تثير تساؤلات حول تأثيرها على التطور الاجتماعي والنفسي للأطفال؛ ومن أبرز المخاوف التي تصاحب هذا الجيل زيادة معدلات التشخيص بالتوحد.. فهل هناك رابط بين الحداثة الرقمية والتوحد؟

تشير دراسة نُشرت في مجلة "JAMA Pediatrics" إلى أن الأطفال الذين يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميًا أمام الشاشات يواجهون صعوبات في تطوير المهارات الاجتماعية

من هو جيل ألفا؟

يتميز جيل ألفا، المولود بين عامي 2010 و2025، بأنه أول جيل ينشأ بالكامل في ظل الثورة التكنولوجية الرقمية، وتشير الإحصاءات إلى أن حوالي 90% من الأطفال في هذا الجيل يمتلكون أو يستخدمون جهازًا ذكيًا بحلول سنّ الثانية. يعتمد هذا الجيل على التكنولوجيا بشكل يومي في التعليم، والترفيه، وحتى التفاعل الاجتماعي، ما جعله أكثر تأقلمًا مع التكنولوجيا مقارنة بالأجيال السابقة.

التقدم التكنولوجي وتأثيره على النمو الاجتماعي

على الرغم من الفوائد الكبيرة التي تقدمها التكنولوجيا لجيل ألفا، مثل: الوصول إلى مصادر تعليمية متنوعة، وزيادة التواصل مع العالم الخارجي، فإن هناك جوانب سلبية يجب أخذها في الاعتبار.

تشير دراسة نُشرت في مجلة "JAMA Pediatrics" إلى أن الأطفال الذين يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميًا أمام الشاشات يواجهون صعوبات في تطوير المهارات الاجتماعية، مقارنةً بأقرانهم الذين يقضون وقتًا أقل أمام الأجهزة الإلكترونية، وأن هذا الاستخدام المكثف للتكنولوجيا قد يؤدي إلى انعزال اجتماعي، وانخفاض التفاعل الشخصي مع الآخرين.

التوحد وزيادة الحالات المُشخصة

تشير الإحصاءات الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أن نسبة الأطفال المصابين بالتوحد ارتفعت بشكل ملحوظ في العقدين الأخيرين. في الولايات المتحدة، ارتفعت نسبة الأطفال المُشخصين بالتوحد من 1 في كل 150 طفلًا عام 2000، إلى 1 في كل 36 طفلًا في عام 2023. على الرغم من أن جزءًا من هذه الزيادة قد يعود إلى تحسين أدوات التشخيص وزيادة الوعي بالاضطراب، فإن هناك اهتمامًا متزايدًا بالبحث عن العوامل البيئية التي قد تؤثر على هذه الزيادة.

من أجل حماية جيل ألفا من الآثار السلبية المحتملة للتكنولوجيا، من الضروري أن يُوجَّه الأطفال لاستخدام التكنولوجيا بشكل متوازن. هذا يتطلب تقليل ساعات استخدام الشاشات، وتشجيع الأطفال على المشاركة في الأنشطة التفاعلية غير الرقمية

هل هناك صلة بين التكنولوجيا والتوحد؟

في دراسة أُجريت في اليابان ونُشرت في Frontiers in Psychiatry، تمت الإشارة إلى أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا في سن مبكرة قد يؤدي إلى تأخير في تطوير المهارات اللغوية والاجتماعية. ومع ذلك، لم يتم إثبات وجود علاقة سببية بين استخدام التكنولوجيا وزيادة حالات التوحد بشكل مباشر، لكن ما هو مؤكد أن الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات يُظهرون معدلات أعلى من العزلة الاجتماعية، وصعوبات في التفاعل مع العالم الخارجي.

نسبة استخدام الهواتف الذكية لدى جيل ألفا

تشير الإحصاءات العالمية إلى أن نسبة الأطفال الذين يمتلكون هاتفًا ذكيًا في سن السادسة قد وصلت إلى 40% في الدول المتقدمة، بينما يقضي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عامًا في المتوسط حوالي 4.5 ساعات يوميًا في استخدام الأجهزة الذكية، حسب تقرير صادر عن Common Sense Media عام 2023. هذا الاستخدام المكثف يثير مخاوف بشأن التأثيرات طويلة المدى على النمو العقلي والاجتماعي للأطفال.

مع زيادة تشخيصات التوحد، تظهر الحاجة الملحة لمزيد من الدراسات حول التأثيرات البيئية، بما في ذلك استخدام التكنولوجيا

كيف يمكن تحقيق التوازن؟

من أجل حماية جيل ألفا من الآثار السلبية المحتملة للتكنولوجيا، من الضروري أن يُوجَّه الأطفال لاستخدام التكنولوجيا بشكل متوازن. هذا يتطلب تقليل ساعات استخدام الشاشات، وتشجيع الأطفال على المشاركة في الأنشطة التفاعلية غير الرقمية، مثل: اللعب الجماعي، وممارسة الرياضة، والأنشطة الفنية.

إعلان

جيل ألفا يعيش في عصر التقدم التكنولوجي السريع، ما يخلق تحديات جديدة على مستوى النمو النفسي والاجتماعي. ومع زيادة تشخيصات التوحد، تظهر الحاجة الملحة لمزيد من الدراسات حول التأثيرات البيئية، بما في ذلك استخدام التكنولوجيا.. وبينما تظل العلاقة بين التكنولوجيا والتوحد غير محسومة، فإن إدارة استخدام التكنولوجيا بشكل متوازن تعتبر الحل الأمثل لضمان تنمية صحية لجيل المستقبل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان