على مدى العقدين الماضيين، كانت العلاقات الاقتصادية بين بنغلاديش والهند غير متوازنة لدرجة أن بنغلاديش أصبحت تُوصف "بدولة قمر صناعي" للهند.. أدى هذا الوضع إلى تنامي المشاعر المعادية للهند بشكل سريع في بنغلاديش، ما أتاح الفرصة لعدد من القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك باكستان، للتدخل وتحسين العلاقات مع الحكومة المؤقتة في بنغلاديش.
اتخذت باكستان عدة خطوات في هذا السياق، بما في ذلك تسهيل سفر البنغلاديشيين إلى باكستان دون تأشيرة، وتعزيز التعاون التجاري بين البلدين، كما قامت باكستان بتعيين دبلوماسيين مخضرمين لتعزيز العلاقات الثنائية، ولكن رغم القرب الديني، ظلت العلاقات بين البلدين معقدة وحساسة منذ استقلال بنغلاديش عام 1971، بعد حرب الاستقلال عن باكستان.
أصبحت العلاقة بين بنغلاديش وباكستان أمرًا تحكمت بها رابطة عوامي. وأصبح الشعب منقسمًا إلى قسمين: قسم يحب تحسين العلاقة مع باكستان، وقسم يحب تحسين العلاقة مع الهند.
مع تغير الأوضاع السياسية في بنغلاديش، خاصة مع سقوط حكومة الشيخة حسينة، تواجه الهند تحديات في الحفاظ على نفوذها الاقتصادي، ما يعزز آمال باكستان في تحسين علاقاتها مع بنغلاديش
التحديات التاريخية في العلاقات
لقد تركت حرب الاستقلال ندوبًا عميقة في ذاكرة الشعب البنغلاديشي، حيث فقدت البلاد ملايين الأرواح خلال الصراع مع باكستان. رغم ذلك، ومع التغيرات السريعة في الساحة العالمية والإقليمية، أصبح من الضروري إعادة النظر في العلاقات مع باكستان من منظور تجاري وإستراتيجي.
في السنة المالية 2023، بلغت صادرات بنغلاديش 55.55 مليار دولار، ولكن العلاقات التجارية مع دول رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (SAARC)، بما فيها باكستان، ظلت محدودة. وبينما نمت الصادرات بشكل عام، انخفضت الصادرات إلى دول SAARC – باستثناء الهند- بشكل ملحوظ.
فيما يتعلق بالعلاقات التجارية، تشمل صادرات بنغلاديش إلى باكستان منتجات، مثل: الأفران، والأقمشة، والجوت الخام، والأحذية الجلدية، بينما تستورد بنغلاديش من باكستان مواد خام لقطاع الملابس، والقطن، والقمح، والمواد البلاستيكية.
التحديات الراهنة
على الرغم من الجهود الكبيرة لتعزيز التجارة، فإن الصادرات البنغلاديشية إلى باكستان انخفضت بنسبة 7.07% في السنة المالية 2023، حيث بلغت 83 مليون دولار مقارنة بـ 89 مليون دولار في العام السابق. وفي المقابل، مثلت الهند 92% من واردات بنغلاديش في إطار "SAARC"، ما يعكس هيمنة الهند على العلاقات التجارية في المنطقة.
مع تغير الأوضاع السياسية في بنغلاديش، خاصة مع سقوط حكومة الشيخة حسينة، تواجه الهند تحديات في الحفاظ على نفوذها الاقتصادي، ما يعزز آمال باكستان في تحسين علاقاتها مع بنغلاديش.
تظل العلاقات بين بنغلاديش وباكستان متشابكة ومعقدة نتيجة للتاريخ المشترك والحرب. ومع ذلك، في ظل التغيرات الجيوسياسية الراهنة وتنامي المشاعر المعادية للهند في بنغلاديش، تبدو الفرصة سانحة لإعادة تشكيل العلاقات التجارية بين البلدين
موقف باكستان وفرص التعاون
من جانبها، أبدت باكستان استعدادها لحل الخلافات المتعلقة بحرب 1971، وتعزيز العلاقات الثنائية. وأعرب السفير الباكستاني سيد أحمد معروف خلال اجتماعه مع مستشار المعلومات البنغلاديشي عن رغبة باكستان في مناقشة وحل القضايا العالقة، بما في ذلك قضية 1971؛ بهدف إعادة بناء العلاقات على أساس المصالح المشتركة.
رغم وجود فرص للتعاون، تبقى عدة قضايا عالقة تعرقل العلاقات التجارية، منها التعويضات المالية المستحقة لبنغلاديش منذ استقلالها عن باكستان. تقدر هذه التعويضات اليوم بـ 480 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم يصعب تحقيقه فعليًا، ولكن قد يكون هناك مجال للتفاوض على شكل من أشكال التعاون الفني أو العسكري بين البلدين.
تظل العلاقات بين بنغلاديش وباكستان متشابكة ومعقدة نتيجة للتاريخ المشترك والحرب. ومع ذلك، في ظل التغيرات الجيوسياسية الراهنة وتنامي المشاعر المعادية للهند في بنغلاديش، تبدو الفرصة سانحة لإعادة تشكيل العلاقات التجارية بين البلدين.
وعلى الرغم من العقبات التاريخية، يمكن أن تؤدي الدبلوماسية الذكية والتعاون التجاري إلى تحسين العلاقات الثنائية وتحقيق منافع اقتصادية للطرفين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.