بنيامين نتنياهو وإستراتيجية الفوضى!

نتنياهو وقائد جيشه من منصة اكس - @IsraeliPM
نتنياهو لا يستقوي بانتصاراته في لبنان فقط بل بدعم إقليمي غير معلن من عواصم عديدة (مواقع التواصل)

يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سياسة الهروب إلى الأمام من دون أن تتبدى في سباقه المحموم ملامح أي أفق إستراتيجي أو سياسي واضح ولا معالم لأي مخرج من نفق حرب طالَ أمدها.

الثابت في هذه المعادلة أنه بإصراره على إشعال المنطقة، يروم تحويل الأنظار عن إخفاقاته السياسية والأمنية والعسكرية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، والتغطية على مجازره المستمرة في غزة، وغلق الباب – ولو على نحو مؤقت – أمام أي مساءلة تنهي مستقبله السياسي، أو قد تلقي به في غياهب السجون.

والحال أن لا أحد بات قادرًا في هذه المرحلة على كبح جماح نتنياهو ليوقف مجازره في غزة ولبنان، وربما في مساحات جغرافية أخرى قد يعلن قريبًا توسيع رقعة النزاع إليها. فالداخل الإسرائيلي – مع بعض الاستثناءات – يرى فيه بطلًا قوميًا استطاع أن يقلّم أظافر المقاومة، ويفتك بأبرز رموزها تباعًا. وتأسيسًا على ذلك توارت خلف المشهد الأصوات الناقمة عليه، أو تلك المطالبة برأسه، وتوحدت من خلفه القيادة العسكرية؛ لاستكمال مشروع صبّ الزيت على النار في منطقة ملتهبة أصلًا.

نتنياهو لا يستقوي بانتصاراته في لبنان فقط، بل بدعم إقليمي غير معلن من عواصم، ترقص طربًا بعد التطورات الميدانية الدرامية الأخيرة في غزة ولبنان

أما في الخارج، فإن عجز الإدارة الأميركية عن كبح جماح نتنياهو، بالتوازي مع استمرارها في مده بسخاء بالعتاد والسلاح والمعلومات الاستخباراتية، وافتقارها للقدرة الكافية للتأثير في مجريات الأحداث وفرض مبادرة الرئيس جو بايدن لوقف إطلاق النار في غزة، كل ذلك جعل من الولايات المتحدة مجرد تابع لإسرائيل مسلوب الإرادة، غير قادر أو راغب في وقف "آلة القتل الضخمة التي زحفت من غزة إلى لبنان"، وفق تعبير الدبلوماسي اللبناني غسان سلامة.

ومع سحب جو بايدن ترشّحه من سباق الرئاسة لفائدة نائبته كامالا هاريس، وما يفتحه ذلك من آفاق لعودة مفترضة لدونالد ترامب إلى سدّة الحكم في الولايات المتحدة، باتت الطريق سالكة أمامه صوب تصعيد إقليمي غير مسبوق، قد يمتدّ لَهِيبه إلى إيران، مع كل ما يعنيه ذلك من فوضى غير خلّاقة، يصعب التنبؤ بتداعياتها، أو بحجم تأثيراتها على المنطقة.

إعلان

الأنكى، أن نتنياهو لا يستقوي بانتصاراته في لبنان فقط، بل بدعم إقليمي غير معلن من عواصم، ترقص طربًا بعد التطورات الميدانية الدرامية الأخيرة في غزة ولبنان. فتوافُق الأجندات السياسية وتطابق المصالح والأهداف، شجعا رئيس الوزراء الإسرائيلي على فتح جبهات جديدة، أو بالأحرى توسيع نطاقها، ليصرف الانتباه عن فشله في تحقيق أهداف الحرب في غزة، وفي مقدمتها القضاء على حركة حماس واستعادة الرهائن.

إستراتيجية الفوضى هذه التي يتبعها نتنياهو مكّنته في المدى القصير من استعادة زمام المبادرة، والسعي على المدى المتوسط لإعادة رسم شرق أوسط جديد يقوم في المقام الأول على القوة العسكرية، من أجل فصل ساحات الإسناد، وتسريع وتيرة مسلسل التطبيع مع "محور الاعتدال"، وتفكيك محور المقاومة، وصولًا إلى تصفية القضية الفلسطينية بالتنكّر لحلّ الدولتين المتوافق عليه دوليًا على نطاق واسع، وتهجير الفلسطينيين نحو الأردن، ومصر.

 يطمح نتنياهو لاستثمار اللحظة التاريخية الراهنة بكل تقلباتها، لتصريف قناعات الائتلاف اليميني المتطرف، وبلورة الرؤية التوراتية لمفهوم الدولة على قاعدة تغييرات في أدوات الصراع

إن السعي إلى تغيير الواقع الإستراتيجي في المنطقة، في سياق تطلُّعات توسعية ومشروع كولونيالي هدَّام خالٍ من المواجهات، ولا مكان فيه للدولة الفلسطينية، أضحى ضرورة وجودية بالنسبة لبنيامين نتنياهو، وأفقًا سياسيًا ضمن توافقات واسعة، إقليمية ودولية، الهدف منها إعادة ترتيب الأولويات وموازين القوى، وصياغة ثوابت جديدة تنهل من معجم الفوضى الخلّاقة، التي بشرت بها من قبله الإدارة الأميركية؛ بغرض إدراك موقف أو واقع سياسي معين؛ سواء من خلال التدخل المباشر، أو القوى الناعمة، أو عبر الحروب بالوكالة، أو الثورات والثورات المضادة.

في خلفية المشهد مساعٍ إسرائيلية دؤوبة للحد من التأثير الإيراني في المنطقة، وتقويض القدرات العسكرية لطهران، والتحريض عليها، وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية لبناء تحالفات جديدة هجينة، وتعزيز شراكاتها الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية مع حلفاء في المنطقة، يتقاسمون وإياها مشاعر الخوف ذاتها من تغوّل إيران وتمدّد نفوذها.

بانتهازية خالصة، لا يمكن بأي حال من الأحوال فصلها عن القراءة البراغماتية للواقع، يطمح نتنياهو لاستثمار اللحظة التاريخية الراهنة بكل تقلباتها، لتصريف قناعات الائتلاف اليميني المتطرف، وبلورة الرؤية التوراتية لمفهوم الدولة على قاعدة تغييرات في أدوات الصراع، وذلك عبر توسيع البؤر الاستيطانية، وابتلاع الضفة الغربية؛ من أجل تقويض أسس الدولة الفلسطينية المستقبلية.

وهو يدرك تمامًا أن القضية الفلسطينية، وقد تراجع الاهتمام بها بعد أحداث عام 2001، لم تعد على أجندة المجتمع الدولي ولا في صلب أولوياته، وأن اهتمام الولايات المتحدة انصرف إستراتيجيًا بعد حرب أوكرانيا إلى مواجهة روسيا، ووقف تغلغل الصين، والعمل على إجهاض محاولات إقامة أقطاب جديدة، قد تهدد النفوذ العالمي للولايات المتحدة، وتنال من هيبتها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان