شعار قسم مدونات

التكنولوجيا الإسرائيلية المحرمة وتفجيرات "البيجر"!

Prague, CZ 25 April 2021: Used cell mobile phone different brands batteries in the market. lot of Lithium rechargable Recycling lithium. EDITORIAL
كما اختُرِق البيجر يُمكن اختراق الهواتف الذكية، لكن غالبًا ما سيحتاج تفجير هذه الهواتف إلى زرع متفجرات صغيرة الحجم داخلها (شترستوك)

في القرن السادس عشر تعرض اليهود لمذابح عنيفة، تم خلالها إحراق منازلهم في مدينة "براغ " (عاصمة  الجمهورية التشيكية حاليًا) من قبل البوهيميين الغاضبين، وبمساعدة من جنود الإمبراطورية الرومانية المقدسة، بعد اكتشافهم وهم يسرقون أطفالًا مسيحيين ليلًا، للتضحية بدمائهم من أجل الطقوس التلمودية.

وفي العام 1609م ومن أجل محو ذلك العار من الذاكرة اليهودية، انتشرت أسطورة في التراث العبري مقتبسة من التلمود، تتضمن سردًا عن كائن عملاق من الطين اسمه غوليم  "Le Golem"، صنعه وبث فيه الروح حاخام يهودي يدعى "ماهارال براغ"، ليدافع عن الأحياء اليهودية في "براغ " خلال أحداث تلك المذابح، ولكنه لاحقًا خرج عن سيطرة الحاخام وقتل ودمر الأحياء اليهودية.

ثم يأتي العام 2017م، وفي مشهد يبدو مهزلة، يستهل البرلمان الأوروبي أولى خطواته التشريعية بشأن الذكاء الاصطناعي بالحديث عن الأسطورة العبرية "غوليم" في ديباجة مشروع القانون، للتأكيد على خطورة الذكاء الاصطناعي، بل ويأتي في مقدمة تبريرات إصدار ذلك القانون، مستندًا في ذلك إلى تأثر الشعوب الأوروبية بالأساطير الدينية اليهودية والمسيحية؛ لتمرير ذلك القانون، غير أن الرياح قد جاءت بما لم يشتهِهِ المشرع الأوروبي.

أثارت هذا الاختراق غضب دول وحكومات، وآلاف الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا على اختلاف جنسياتها، حيث سيؤدي لفقدان ثقة ملايين المستخدمين حول العالم بمستويات الأمان في منتجاتهم الإلكترونية، ما يعني تكبدها خسائر بمليارات الدولارات

 

بالعودة إلى التكنولوجيا المتطورة، نجد الحكومات الصهيونية تتباهى بأنها تستخدمها لسفك دماء الأبرياء، وشن الحروب على شعوب المنطقة، والتي كان أشهرها على الإطلاق العملية الإرهابية الإلكترونية التي طالت الجمهورية اللبنانية، ونتج عنها سقوط عشرات القتلى وآلاف الجرحى، من ضمنهم أطفال ونساء، نتيجة انفجار أجهزة النداء (البيجر)، وأجهزة اتصال لاسلكي محمولة باليد، وأنظمة الطاقة الشمسية المنزلية، بالإضافة إلى معدات التعرف على بصمات الأصابع، وأجهزة كمبيوتر محمولة، وهواتف ودراجات كهربائية، وسيارات تعمل بالبطاريات.

إعلان

أثار هذا غضب دول وحكومات، وآلاف الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا على اختلاف جنسياتها، من تبعات تلك الهجمات، التي ستؤدي من دون شك إلى فقدان ثقة ملايين المستخدمين حول العالم بمستويات الأمان في منتجاتهم الإلكترونية، الأمر الذي يعني تكبدها خسائر مادية قد تصل إلى مليارات الدولارات.

وهذا ما أكده الخبير العسكري في مركز أبحاث "يوانوانغ" ومدير مركز أبحاث التدريب القتالي العسكري الأجنبي "كيغون" ، الذي اعتبر أن ما أقدمت عليه إسرائيل قد دمر تمامًا ثقة الناس بالصناعات الإلكترونية الأميركية والغربية، مستدلًا بانخفاض سعر سهم شركة "آبل" بنسبة 2.78%، وتبخر قيمتها السوقية بنحو 665.7 مليار يوان في أسبوع، بعد انفجار معدات الاتصالات في لبنان، وأن هنالك حراكًا في الآونة الأخيرة لتقييم بطارية الليثيوم المستخدمة في سيارة تسلا موديل 3 الكهربائية، التي تزن بطارية الليثيوم الثلاثية فيها 455 كيلوغرامًا، وتعادل قوتها حوالي 15% إلى 20% من مادة تي إن تي المتفجرة.

وفي غمرة الجلبة التي أحدثها ذلك الهجوم الإرهابي الإلكتروني المحرم دوليًا، والذي لم يميز بين عسكري ومدني، لاحظنا أن أيادي خفية عملت على التقليل من شأن ذلك الحدث، عبر كثير من وسائل الإعلام الغربية والعربية، ونجحت في حرف مسار القضية، وتوجيه الوعي العام الدولي إلى أن الهجوم تمحور حول استهداف حزب الله وأعضائه، وأن الهجوم السيبراني اقتصر- بحسب وصفهم- على أجهزة الاتصال التي يستخدمها الحزب لضرب إرهابيين دون غيرهم.

واستمرت عملية تغييب وتشتيت وتضليل وعي الملايين؛ لصرف أنظارهم عن القضية الأساسية، من خلال اختلاق قصص وروايات حول اتهام الشركة التايوانية المنتجة لتلك الأجهزة، فتثار ثائرة شركات التكنولوجيا مرة أخرى، وتستخدم ثقلها لتحذير وسائل الإعلام من توجيه أصابع الاتهام نحوها، ليتم الحديث أخيرًا عن أن اختراقًا استخباراتيًا للموساد الإسرائيلي قد تم في سلسلة التوريد.

إعلان

وعن شركة مغمورة في العاصمة المجرية "بودابست"، تديرها سيدة أعمال حسناء، وشركة أخرى في العاصمة البلغارية "صوفيا"، وعن تفخيخ الأجهزة، والترويج بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد باعت حزب الله وحلفاءها في المنطقة، وفي سبيل ضمان وأد تلك الجريمة قامت إسرائيل بالتصعيد، وذلك بعملية عسكرية استهدفت بها الأمين العام لحزب الله وعددًا من قياداته في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، ثم قامت بفتح عملية عسكرية برية في الجنوب اللبناني.

إذا ثبت ضلوع برامج ضارة أو قرصنة إلكترونية، فإن هذا الحدث قد يكون حالة نادرة من العنف الجسدي الناتج عن هجوم إلكتروني، كما أنه مثال كلاسيكي على اندماج الحرب الإلكترونية والحرب الفيزيائية في الصراعات

وبينما الأمر كذلك، كان هنالك إجماع لمتخصصين وباحثين في هذا المجال، مفاده أن الكيان الصهيوني قد شن هجومًا إلكترونيًا إرهابيًا معقدًا، راح ضحيته أبرياء لا علاقة لهم بعناصر حزب الله، الذين يستخدمون أجهزة الاتصال التي تعرضت للتفجير، كانوا ضمن المناطق المستهدفة، فيما ظلت هنالك حلقات مفقودة وتكهنات حول طبيعة ما حدث، لا تعرفها إلا الجهات السيادية في الدول الكبرى ومراكز الأبحاث المتقدمة في مجال التكنولوجيا.

وما نميل إليه ونرجحه ونؤمن به، من خلال كل الملابسات والظروف التي أحاطت بهذه الجريمة النكراء، هو أن الكيان الصهيوني المارق عن القانون الدولي قد استخدم تكنولوجيا الحرب الإلكترونية والطاقة الموجهة، لتنفيذها بتلك الطريقة وبذلك الشكل.

وهذا ما أكده مكتب "تشيان ويب إنتليجنس"، وهو مركز أبحاث صيني يضم فريقًا أمنيًا محترفًا في صناعة وتطوير أمن الشبكات، في وثيقته التي جاء فيها أنه "إذا ثبت ضلوع برامج ضارة أو قرصنة إلكترونية، فإن هذا الحدث قد يكون حالة نادرة من العنف الجسدي الناتج عن هجوم إلكتروني، كما أنه مثال كلاسيكي على اندماج الحرب الإلكترونية والحرب الفيزيائية في الصراعات الحالية، وسيفتح فصلًا جديدًا في الحرب الإلكترونية".

إذن، ومن وجهة نظرنا، فقد تم اختراق سلسلة التوريد الخاصة بأجهزة الاتصال التابعة لحزب الله، لا لتفخيخها كما ورد سابقًا، إذ إن من السذاجة أن يتم وضع مادة متفجرة كان يمكن أن تكتشفها سلطات الجمارك اللبنانية أو العناصر التقنية والفنية في حزب الله، باعتبار أن الأمر يتعلق بأجهزة ستستخدم في إدارة حرب حتمية مع إسرائيل، وسيستخدمها قادة ومسؤولون كبار، بالإضافة إلى أعضاء في البرلمان وسفراء، وبالتالي فإن المنطق يقول إن ذلك الاختراق في سلسلة التوريد كان لمعرفة مهمة كل قطعة خاصة بتلك الأجهزة، وتسجيل بياناتها كاملة، بما في ذلك الأرقام التسلسلية للأجهزة، وكانت تلك هي المرحلة الأولى.

 تمتلك إسرائيل أبراج اتصالات ضخمة، على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، في 42 موقعًا ابتداءً برأس الناقورة حتى مزارع "شبعا"، تضم تقنيات متطورة جدًا، ومدعمة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، من مهامها اختراق شبكات الاتصال الخلوية والأرضية وخوادم الإنترنت

أما المرحلة الثانية، فهي الانتقال من تطبيق الخطة نظريًا إلى تطبيقها عمليًا عن طريق إجراء التجارب، التي أدت في نهاية المطاف إلى تفجيرها، وهو ما أكده الخبراء الأمنيون في مختبر "تشيان شينتيانجونغ" من أن الهجمات التي تستغل الثغرات الأمنية لتسخين الأجهزة أو إشعالها ليست مجرد نقاش نظري، بل أثبتها الباحثون أمنيًا من خلال التجارب، وعادة ما تتطلب هذه الهجمات فهمًا عميقًا للأجهزة المستهدفة، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالثغرات الأمنية.

إعلان

كما أن إسرائيل تمتلك أبراج اتصالات ضخمة، تقع على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ومنتشرة في 42 موقعًا ابتداءً برأس الناقورة حتى مزارع "شبعا" المحتلة، تضم تقنيات متطورة جدًا، ومدعمة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، من مهامها اختراق شبكات الاتصال الخلوية والأرضية وخوادم الإنترنت، وهذه الأبراج الضخمة – كما أثبتت تلك الحادثة – مجهزة بمنظومة تعمل على استخدام الطاقة الموجهة كسلاح، وهي موجات لها عدة خصائص تستخدم في الحروب الإلكترونية، تم رصدها لأول مرة في حادثة "متلازمة هافانا".

وبالتالي، فقد نجحت في ذلك اليوم بالولوج عبر ثغرة أمنية لأجهزة النداء واختراقها، ثم قام المخترقون بتعطيل الدوائر الإلكترونية للوحة الحماية الخاصة بالبطارية "ليثيوم أيون" القديمة، التي ثبت من التجارب العملية أنها تستطيع أن تحدث انفجارًا كالذي رأيناه في أجهزة النداء، ثم – ومن خلال معلومات استخباراتية – تم تحديد الأماكن المفترضة التي يتواجد فيها أغلبية عناصر حزب الله، وهي: الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وبلدتا "علي النهري" و"رياق" وسط وادي البقاع، ومناطق مختلفة في الجنوب الشرقي والشمال الشرقي من لبنان.

بعد ذلك، قامت إسرائيل في صباح ذلك اليوم – عن طريق أبراجها الضخمة – باختراق أبراج شبكات الاتصال الخلوية والأرضية الموجودة في المناطق المستهدفة، ثم برمجتها؛ لتقوم ببث موجات كهرومغناطيسية وموجات الميكرويف في محيط الأماكن، التي تم رصد عناصر حزب الله فيها، ومع اقتراب الساعة من الثالثة عصرًا كانت البطاريات الخاصة بأجهزة النداء، التي سبق تعطيل لوحة الحماية عنها، قد وصلت إلى مرحلة خطيرة من التسخين بفعل الموجات الكهرومغناطيسية، وموجات الميكرويف التي تصلها من أبراج الاتصالات، وفي الساعة الثالثة عصرًا – وبحسب شهادات الضحايا – وصلت إلى تلك الأجهزة رسالة، كانت ذبذباتها هي الشرارة التي بسببها بدأت الانفجارات، واستمرت لمدة ثلاثين دقيقة.

إعلان

وبخصوص تلك الرسالة فإنها لا تخرج عن فرضيتين؛ إما أن الكيان الصهيوني هو الذي أرسلها بعد أن اخترق منظومة التحكم الرئيسية، التي ترتبط بها جميع الأجهزة، أو أن هنالك من سرب له معلومات تفيد بأن القيادة في حزب الله عادة ما ترسل رسائل لعناصرها في ذلك الوقت.

وهذا يفسر انفجار الأجهزة مباشرة بعد سماع صوت تلك الرسالة، بينما البعض الآخر – ولأسباب متعلقة بالبطارية – كان انفجار الأجهزة عنده بعد أن قام المستخدم بالضغط على زر مشاهدة الرسالة، وهذا يفسر أيضًا إصابات عدد من العناصر في أعينهم بعد أن تطايرت الشظايا البلاستيكية نتيجة انفجار البطارية. وبما أن أجهزة النداء كما نعرفها تحتوي على حاضن بلاستيكي يوضع به الجهاز، فهذا أدى إلى عدم تنبه مستخدميها لمستوى الحرارة التي كانت قد وصلت إليها الأجهزة.

لقد كان هدف إسرائيل الجوهري من ذلك الهجوم الإلكتروني هو استعراض سطوتها وقوتها وتفوقها التكنولوجي، وبما يفيد أنها لا تلقي بالًا لقواعد القانون الدولي، يلي ذلك الحرب النفسية التي ستخلفها تلك العملية على كل من يناصبها العداء

وما التقارير التي تلت حادثة أجهزة النداء عن انفجارات أخرى طالت أجهزة إلكترونية أخرى، ضمت هواتف ذكية وسيارات ودراجات تعمل ببطاريات الليثيوم ومنظومات الطاقة الشمسية وتلفزيونات ومعدات التعرف على بصمات الأصابع، إلا خير دليل على وجاهة شواهد معتبرة، ترجح فرضيتنا المتعلقة بالموجات الكهرومغناطيسية وموجات الميكرويف، حيث أثرت تلك الموجات على أجهزة إلكترونية أخرى في محيط الأماكن المستهدفة، ولعل ذلك يعود لخلل في دوائرها الإلكترونية أو بطارياتها، الأمر الذي تسبب في اشتعالها أو انفجارها.

وعلى الرغم أن العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية، ومنصات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا على اختلافها، قد تم تجنيدها لتكذيب وقائع انفجار منظومات الطاقة الكهربائية والأجهزة الإلكترونية الأخرى، والتشكيك بها حتى تظل العملية مجهولة فلا يتنبه أحد لتفاصيلها، وحتى لا تتضرر سمعة شركات التكنولوجيا الغربية، فإن وسائل إعلامية عبرية كانت قد أكدت ذلك من مصادرها الموثوقة حسب وصفها.

إعلان

أخيرًا، لقد كان هدف إسرائيل الجوهري من ذلك الهجوم الإلكتروني الإرهابي هو استعراض سطوتها وقوتها وتفوقها التكنولوجي، وبما يفيد أنها لا تلقي بالًا لقواعد القانون الدولي، يلي ذلك الحرب النفسية التي ستخلفها تلك العملية على كل من يناصبها العداء، غير أن ما أثبته الواقع أن ذلك – وبرغم الضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله – لم يفقده قدرته في الرد والمواجهة والصمود.

وفيما يخشى كثير من اليهود المتدينين أن تنقلب تلك التكنولوجيا وبالًا عليهم يومًا ما، كما فعل "غوليم" بأجدادهم، وتكون بذلك نهايتهم، فإن الحقيقة الواضحة للعيان هي أن غباء جنرالات الموت في تل أبيب قد أصاب الثقة بصناعات حلفائها التكنولوجية والإلكترونية بأضرار بالغة، وصل صداها للأفراد قبل الدول والحكومات.

وحتى إن لم يؤدِّ ذلك إلى محاسبة إسرائيل من قبل المجتمع الدولي، لانتهاكها قواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية، واستخدامها أسلحة محرمة دوليًا تضر بالبشرية جمعاء، فإنها بفعلتها قد فتحت الباب على مصراعيه نحو سباق تسلح آخر، مدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي والطاقة الموجهة، ستكتوي به حتمًا طال الزمن أم قصر.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان