الحكايات الخرافية قد تكون واقعًا، والأحلام المستحيلة قد تتحقق!. لمَ لا؟. فلنجرب قراءة هذا المقال، ولنتحقق: هل بالإمكان صناعة بيت من الحصى؟
وإليك هذه الحكاية.. حين عجز أحد القادة عن فتح مدينة محصنة منيعة شاهد نملة تصرّ على حمل شعيرة، فانقدح في رأسه الإصرار حتى نال مطلبه! إن شرارة ذلك الفتح الكبير نملة صغيرة مع برهة تأمل، فلماذا لا نتفكر قليلًا لنحقق المعجزات؟
كثيرًا ما نشتكي من قلة الوقت، ونحن نبدد دقائق أعمارنا يمينًا ويسارًا، لكن هناك من أنهى قراءة عدة كتب في لحظات انتظار إشارة المرور، فكم من الوقت أهدرنا في قاعات الانتظار؟
أدهشتني قصة في كتاب، ولا تزال حكمتها تدوّي، وهي أن صائغًا لاحظ أن برادة الذهب تتساقط على الأرض، ثم يأتي عامل النظافة ويكنسها، ويلقي بها في القمامة، هنا صرخ هذا الصائغ في أعماقه حين لمعت في عقله فكرة طازجة، فتحرك من فوره وجلب فرشة خاصة، وأخذ يكنس البرادة نهاية كل يوم، ليصنع من نُثار البرادة ثروته.
السؤال الحقيقي الذي نود طرحه هو: أيهما أثمن وأهم؛ وقتك الضائع أم برادة الذهب؟ كثيرًا ما نشتكي من قلة الوقت، ونحن نبدد دقائق أعمارنا يمينًا ويسارًا، أحدهم أنهى قراءة عدة كتب في لحظات انتظار إشارة المرور المزعجة، فكم من الوقت أهدرنا في قاعات الانتظار؟
أعجبتني فكرة وضع كتب في صالون الحلاقة وغرف الانتظار، لكن المؤسف أن الأيدي لا تصل إلى هذه الكتب، بل إن لدى كل شخص ثروة ثمينة هي جهازه المحمول، فهل أحسنا إدارة الوقت المهدور؟ نقول: اصنع من الحصى بيتًا، ووقتك الضائع لو تم جمعه بطريقة جمع برادة الذهب، فإن دقائق الانتظار ستتحول إلى ساعات.
أعجبتني عقلية جامع الخردة، يجمع ما لا يرغب به الناس، ليصنع من الركام ثروة.. كلنا يشاهد أن الشعوب المتقدمة تقرأ على متن القطار والطائرة، يقرؤون في أثناء أسفارهم وفي أوقات انتظارهم، أما بنو جلدتي فيتثاءبون بعيون دامعة كسلى، وهم يعيدون السؤال ذاته عدة مرات: متى سنصل؟. كلنا يمتلك 24 ساعة في اليوم، فهل استخدمناها بكفاءة؟ المدهش أنّ الأخ المتثائب يشتكي قلة الوقت!
إنّ أغلب الشعوب العربية لا تحسن إدارة وقتها، ولهذا تخلفنا وتقدم الآخرون، الوقت ساعة رملية، ومع انتهاء آخر ذرة تنتهي أعمارنا، لنقرأ كتاب "التأثير المركب"، للمتحدث التحفيزيّ الكاتب الأميركي دارين هاردي، وكتاب "العادات الذرية"، لخبير التنمية الذاتية الكاتب الأميركي جيمس كلير، لندرك ما تصنعه الدقيقة في حياتنا.
اقرأ كل يوم صفحة واحدة، أو ضع لك خمس دقائق لمطالعة كتاب، وستندهش من العبقرية التي حققتها، فالثقافة كالثروة
المقال الذي بين يديك ليس مهمًا إذا لم يحرك فيك ساكنًا، اشرب الشاي وشاهد ما يثلج الصدر، ودع ما كان على ما كان إذا أردت.. يعجبني من لا يكمل المقال لكونه فهم القصيدة من مطلعها، ففكرة المقال قائمة على أن الأجزاء تكوّن الهدف، والخطوات توصل للغايات، فأين هدفك؟ ولماذا لا تسعى؟
كلنا قرأ قصة الثعلب القاضي مع جبنة القردين المتخاصمين، بمكره أخذ يأكل من الجبنة حتى أتى عليها.. الثعلب المكار ذاته يغري غرابًا بالغناء، ليظفر بالجبنة التي في فمه، فلماذا لا نمارس حيلة الثعلب مع أوقاتنا الضائعة؟ مائة ريال إذا نقص منها ريال واحد لا تكون مائة، إنه تأثير الجزء الضئيل، القطرة المتوالية تشرخ الصخر، الحبل الضعيف يؤثر في حافة البئر، وقطرات القراءة التي تمارسها بين الحين والآخر، تشكل ثقافة في صندوق الجمجمة.
لقد أدهشني بائع كتب يدمن القراءة حينما تحدث، لم يضيِّع وقته في انتظار الزبون، بل جعل من دكانه مكتبة للقراءة، والأمر الطارئ محاسبة الزبائن، النتيجة أنه أصبح مكتبة صوتية متكاملة إن تكلم، ولا غرابة أن يكون كذلك ما دامت عادته مرافقة العلماء من خلال بساتين علومهم وكتبهم.. المؤسف أن لدينا كتبًا شهية وملونة، وذات قيمة ممتازة، ومع ذلك لا نحرك ساكنًا، نحتاج فقط إلى عملية الانضباط والإصرار على الهدف.
تذكر قصة إصرار النملة في حمل حبة الشعير إلى بيتها، واجعلها لك منهجَ حياة.. اقرأ كل يوم صفحة واحدة، أو ضع لك خمس دقائق لمطالعة كتاب، وستندهش من العبقرية التي حققتها، الثقافة كالثروة.. كن مدخرًا درهمًا كل يوم لتجني جرة الذهب في الختام، ومن يقرأ كل يوم فسيكون مكتبة متنقلة عما قريب، وسيدهش قُرّاءه ومستمعيه!
فقط داء واحد ينبغي عليك محاربته، هو الكسل.. فقط ثمرة واحدة نحتاجها بإلحاح، هي الالتزام على الخطة.. حينها سنصنع من الحصى بيتًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.