شعار قسم مدونات

"اليوم التالي بعد الحرب" كخدعة إستراتيجية

ارتفع عدد القتلى الفلسطينيين إلى 53، بينهم 13 من عائلة الفرا؛ جراء استهداف الجيش الإسرائيلي عشرات المنازل في مناطق توغله بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، قبل أن ينسحب منها فجر الأربعاء. و "تم انتشال جثامين الشهداء عبر مركبات مدنية وطواقم الإسعاف والدفاع المدني، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، ولا تزال عمليات انتشال الجثامين والبحث عن المفقودين تحت الأنقاض مستمرة". ( Abed Rahim Khatib - وكالة الأناضول )
فكرة "اليوم التالي بعد الحرب" هي جزء من خداع إستراتيجي يتم استخدامه لتهدئة الأوضاع بشكل مؤقت (وكالة الأناضول)

تروّج الحكومات والأنظمة في أوقات النزاع لفكرة "اليوم التالي" الذي يعقب الحرب، حيث تصور هذا اليوم كفترة جديدة تبدأ فيها مرحلة من الاستقرار وإعادة الإعمار. ولكن، في السياقات السياسية المعقّدة، مثل الحرب على غزة، يمكن أن تكون هذه الفكرة مجرد جزء من خداع إستراتيجي؛ بعد انتهاء أي مواجهة عسكرية، تروج بعض القوى لفكرة أن الأمور ستعود إلى طبيعتها أو حتى تتحسن بعد الحرب، ولكن الواقع في كثير من الأحيان يكون مختلفًا.

إن الخطاب السياسي الذي تروج له الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال من خلال القيادات، كان يمهد لعودة التصعيد في أي لحظة؛ أي إن فكرة "اليوم التالي" كانت تستخدم كجزء من إدارة الأزمة، وليس كمرحلة حقيقية للتحول.

الحروب لم تكن نتيجة حوادث عرضية أو تصعيد مفاجئ، بل هي جزء من خطة طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق أهداف محددة

التحليل الإستراتيجي

في السياق الفلسطيني – الإسرائيلي، يتم استخدام مفهوم "اليوم التالي" لتخفيف حدة الغضب الدولي والمحلي بعد كل حملة عسكرية.. الحديث عن المساعدات الدولية لإعادة الإعمار، وتأهيل البنية التحتية، يكون في الغالب خدعة لصرف النظر عن استمرار الاحتلال، وتكثيف إستراتيجيات الحصار، والضغط على المجتمع الفلسطيني. الأمر الأهم هنا أن "اليوم التالي" ليس إلا مرحلة مؤقتة يتم فيها استجماع قوى الاحتلال والمقاومة على حد سواء من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة.

  • الأمثلة على الخداع الإستراتيجي:

يمكننا استذكار الحملات العسكرية السابقة على غزة؛ بعد كل حرب، يتحدث الجميع عن "فرصة" جديدة لبدء عملية سياسية، ولكن الواقع يكون دائمًا مزيدًا من القيود المفروضة على غزة، ومزيدًا من القمع تجاه السكان المدنيين. هذه التكرارات تشير إلى أن "اليوم التالي" هو ببساطة جزء من إستراتيجية للخداع والتمويه على الواقع المستمر للحصار والسيطرة.

  • الحرب على غزة كمخطط إستراتيجي للاحتلال:

منذ بدء الحصار على غزة، كانت الحروب المتكررة على القطاع جزءًا من إستراتيجيات الاحتلال الإسرائيلي؛ لإضعاف المقاومة الفلسطينية، وضمان استمرار السيطرة على الأوضاع السياسية في المنطقة. هنا يمكننا القول إن الحروب لم تكن نتيجة حوادث عرضية أو تصعيد مفاجئ، بل هي جزء من خطة طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق أهداف محددة.

الاحتلال يستفيد بشكل واضح من كل حملة عسكرية لتعزيز موقفه التفاوضي في المحافل الدولية، وكذلك لتأكيد سيطرته على الأرض، حتى لو كان ذلك على حساب آلاف الأرواح

التجربة الشخصية: مراقبة الأوضاع قبل الحروب

في كل مرة تندلع فيها الحرب على غزة، يكون هناك تصعيد تدريجي وتوترات متزايدة على الحدود. من خلال متابعتي الأحداث قبل اندلاع الحرب الأخيرة، لاحظت أن الاحتلال كان يستعد بشكل واضح لمواجهة جديدة، حيث كانت هناك زيادة في التواجد العسكري على الحدود، وتصريحات من القادة الإسرائيليين تهيئ الجمهور لحرب قادمة.

  • التحليل الإستراتيجي:

الحرب على غزة ليست فقط مواجهة عسكرية، بل هي أداة سياسية في يد إسرائيل لتحقيق عدة أهداف:

  1. تحييد المقاومة المسلحة، أو على الأقل إضعافها.
  2. اختبار قدرات المقاومة وردود فعلها من أجل تحسين الإستراتيجيات العسكرية للاحتلال.
  3. خلق ضغط دولي ومحلي على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من خلال تعزيز الانقسام بين غزة والضفة.
  • الشواهد التاريخية:

بالنظر إلى الحروب المتكررة على غزة، نجد أن الاحتلال يستفيد بشكل واضح من كل حملة عسكرية لتعزيز موقفه التفاوضي في المحافل الدولية، وكذلك لتأكيد سيطرته على الأرض، حتى لو كان ذلك على حساب آلاف الأرواح. هذه الحروب هي جزء لا يتجزأ من سياسة الاحتلال في إبقاء الفلسطينيين تحت السيطرة، وتجزئة المقاومة الفلسطينية.

عندما ننظر إلى الحروب السابقة، نرى أن كل رد فعل غير متوقع من المقاومة يخلق حالة من الفوضى في صفوف الاحتلال، ويعيد خلط الأوراق

رد فعل المقاومة كعنصر غير متوقع

في كل حملة عسكرية إسرائيلية على غزة، كانت المقاومة الفلسطينية تأخذ دورًا أساسيًّا في تغيير مجريات الأمور. وفي كثير من الأحيان، لم تكن إسرائيل تتوقع ردود الفعل القوية والمنظمة من قبل المقاومة، وهو ما يؤدي إلى إعادة التفكير في إستراتيجيات الاحتلال.

  • التحليل الإستراتيجي:

إسرائيل، في كثير من الأحيان، تقلل من شأن قدرات المقاومة الفلسطينية. فالحروب السابقة أظهرت أن المقاومة ليست مجرد قوة تقليدية تستخدم الأسلحة البسيطة، بل هي حركة ديناميكية تستفيد من كل مواجهة لتطوير أساليبها وإستراتيجياتها. على سبيل المثال، تطور استخدام الأنفاق خلال الحروب الأخيرة كان بمثابة مفاجأة كبيرة للاحتلال، حيث كانت تلك الأنفاق تستخدم لتنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط العدو.

  • الشواهد التاريخية:

عندما ننظر إلى الحروب السابقة، نرى أن كل رد فعل غير متوقع من المقاومة يخلق حالة من الفوضى في صفوف الاحتلال، ويعيد خلط الأوراق. على سبيل المثال، في الحرب الأخيرة على غزة استخدمت المقاومة تقنيات جديدة، مثل: الطائرات المسيرة، والصواريخ بعيدة المدى التي وصلت إلى مناطق لم تكن تتوقعها إسرائيل.

يستمرّ الصراع على الأرض بين قوى الاحتلال والمقاومة، وكل طرف يسعى لتحقيق أهدافه، ولكن الواضح هو أن أي محاولة للتوصل إلى حل دائم ستظل بعيدة المنال ما دامت الأسباب الجذرية للصراع لم تُحلّ

في النهاية، يمكن القول إن الحرب على غزة لم تكن حدثًا عرضيًّا، بل كانت جزءًا من مخططات إستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي لتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية. ومع ذلك، كانت ردود فعل المقاومة الفلسطينية عنصرًا غير متوقع في كثير من الأحيان، ما أدى إلى تغيير موازين القوى على الأرض.

فكرة "اليوم التالي بعد الحرب" هي جزء من خداع إستراتيجي يتم استخدامه لتهدئة الأوضاع بشكل مؤقت، لكنها لا تعبر عن تحول حقيقي في الصراع.. الحرب على غزة تظل مستمرة بشكل أو بآخر، سواء من خلال المواجهات العسكرية أو الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض على القطاع.

يستمر الصراع على الأرض بين قوى الاحتلال والمقاومة، وكل طرف يسعى لتحقيق أهدافه بطرق مختلفة، ولكن الواضح هو أن أي محاولة للتوصل إلى حل دائم ستظل بعيدة المنال ما دامت الأسباب الجذرية للصراع لم تُحلّ.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان