تُعتبر الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بمثابة نقطة تحول في تاريخ فلسطين، حيث أسفرت عن تفاقم حاد في المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، أدت الحرب إلى تدمير حوالي 80% من البنية التحتية في غزة، بما في ذلك الطرق، والمستشفيات، والمدارس، ما أثر بشكل كبير على تقديم الخدمات الأساسية. كما يُقدَّر أن عدد النازحين تجاوز 2 مليون شخص، ما يزيد الضغط على الموارد المحدودة، ويؤدي إلى تفشي أزمة إنسانية غير مسبوقة.
أدت السياسات الاحتلالية إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل مقلق، حيث يُمنع العديد من العمال من العمل داخل الأراضي المحتلة، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الأسر الفلسطينية
إضافةً إلى ذلك، شهدت معدلات البطالة ارتفاعًا مقلقًا، حيث بلغ معدل البطالة نحو 90% في المناطق المتضررة، ما يدل على فقدان العديد من فرص العمل؛ نتيجة تدمير المنشآت التجارية والصناعية. كما تفاقمت أزمة المعيشة، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة تصل إلى 170% بعد النزاع، ما جعل الفئات الأكثر ضعفًا تواجه تحديات متزايدة في تلبية احتياجاتها اليومية.
إن هذه الظروف تجعل من الضروري البحث عن سبل لعلاج هذه المشاكل الاقتصادية؛ بهدف تحقيق الاستقرار والنمو المستدام، وهو ما يتطلب جهودًا متضافرة من الحكومة الفلسطينية، والمجتمع الدولي، ومنظمات المجتمع المدني.
أما الضفة الغربية، فقد عانت بشكل كبير من تداعيات الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حيث تفاقم العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. من أبرز هذه المشاكل الاجتياح المتكرر لمدن ومخيمات شمال الضفة (جنين، نابلس، طولكرم،…)، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية وإلحاق أضرار بالغة بالمنشآت التجارية والسكنية.
كما أدت السياسات الاحتلالية إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل مقلق، حيث يُمنع العديد من العمال من العمل داخل الأراضي المحتلة، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الأسر الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، شهدت الضفة الغربية تراجعًا في الاستثمارات المحلية والأجنبية، ما أثر سلبًا على النمو الاقتصادي، وفرص العمل. كما تفاقمت أزمة المعيشة نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، حيث تعاني الأسر من صعوبات في تأمين احتياجاتها اليومية.
وتشكل هذه المشاكل مجتمعة تحديات جسيمة أمام التنمية المستدامة في الضفة الغربية، ما يستدعي جهودًا عاجلة من الحكومة والمجتمع الدولي لإيجاد حلول فعّالة.
منذ عام 2022، تراوحت نسبة الرواتب التي تصرفها الحكومة للموظفين بين 50% و70%، ما يعكس حاجة ملحة لتأمين مصادر تمويل بديلة
علاج المشاكل الاقتصادية في فلسطين ما بعد حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول
تتطلب معالجة المشاكل الاقتصادية في فلسطين بعد الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إستراتيجيات شاملة ومتكاملة، تأخذ في الاعتبار القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي. من أجل تحقيق الاستقرار والنمو المستدام، يمكن اعتماد الخطوات التالية:
- تنويع مصادر التمويل
يعد تنويع مصادر التمويل خطوة أساسية لتحسين الوضع الاقتصادي في فلسطين، على الرغم من القيود المفروضة. يتعين على الحكومة الفلسطينية أن تسعى لتوسيع قاعدة مصادر التمويل من خلال بناء شراكات مع منظمات دولية غير حكومية، والقطاع الخاص في الدول الصديقة. كما يمكنها العمل على جمع التبرعات من الجاليات الفلسطينية في الخارج، حيث يظهر الكثير منهم استعدادًا لدعم وطنهم.
وعلى الرغم من التحديات، فإن هناك فرصًا للحصول على دعم خارجي غير مرتبط بالاحتلال.. يُمكن أن يوفر هذا التنوع في المصادر مرونة أكبر في مواجهة الأزمات المالية، بالإضافة إلى تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، وتقليل الاعتماد على الدعم الداخلي، بدلًا من الاعتماد على الحكومة في ظل التهديدات المحتملة من شخصيات، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ممن قد يقررون منع دخول أموال المقاصة أو اقتطاعها، ما يؤدي إلى أزمة مالية خانقة. منذ عام 2022، تراوحت نسبة الرواتب التي تصرفها الحكومة للموظفين بين 50% و70%، ما يعكس حاجة ملحة لتأمين مصادر تمويل بديلة.
- إعادة بناء البنية التحتية
تعتبر إعادة بناء البنية التحتية المتضررة في غزة والضفة الغربية خطوة أساسية نحو تحسين الوضع الاقتصادي.. يتطلب ذلك تكثيف الجهود، والتعاون مع المنظمات الدولية والمانحين؛ لضمان الحصول على التمويل اللازم. رغم التحديات الكبيرة التي يفرضها الاحتلال، يمكن تنفيذ مشاريع إعادة البناء من خلال آليات تضمن سلامة الأطراف المنفذة.
يجب التركيز على إنشاء بنية تحتية قادرة على الصمود أمام الأزمات المستقبلية، ما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة. هذا سيساعد على تحسين جودة الحياة للمواطنين، ويعزز الاقتصاد المحلي. بالتالي، سيكون لإعادة بناء البنية التحتية دور محوري في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
- تحفيز الاقتصاد المحلي
تحفيز الاقتصاد المحلي يعد من أولويات الحكومة الفلسطينية، خاصة في ظل القيود المفروضة من الاحتلال. يجب وضع سياسات تعزّز الاستثمار المحلي، مع تقديم حوافز للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. توفير تسهيلات مالية لهذه المشاريع سيزيد من قدرتها على النمو والازدهار.
إضافةً إلى ذلك، من المهم تطوير بيئة أعمال قادرة على مواجهة التحديات، من خلال توفير التدريب والدعم الفني. كما يُعتبر التعاون مع رجال الأعمال الفلسطينيين في الخارج خيارًا إستراتيجيًّا؛ لجذب الاستثمارات. من خلال هذه السياسات، يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام يعزز من فرص العمل في فلسطين.
يجب على الحكومة الفلسطينية أن تعتمد على آليات مراقبة داخلية فعالة لضمان إدارة فعالة للمساعدات الدولية، والتعاون مع مؤسسات دولية يمكن أن يسهم في تحسين هذه الآليات وتوفير الشفافية اللازمة
- توفير فرص العمل
في ظل القيود المفروضة على حرية الحركة والتنقل، يصبح توفير فرص العمل تحديًا كبيرًا. لذا، يجب إطلاق برامج تدريب مهني تستهدف تطوير مهارات الشباب الفلسطيني. هذه البرامج يمكن أن تساعد في تحسين فرص توظيفهم داخل فلسطين، ما يقلل من معدلات البطالة.
يمكن التعاون مع المنظمات المحلية والدولية لإنشاء برامج تدريب عن بُعد تركز على المهارات المطلوبة في السوق. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التركيز على تدريب الشباب في مجالات، مثل: التكنولوجيا والخدمات، حيث يوجد طلب متزايد. هذا سيسهم في بناء جيل مؤهل يمكنه مواجهة تحديات سوق العمل.
- تحسين مستوى المعيشة
تحسين مستوى المعيشة يعد أمرًا ضروريًّا لمواجهة أزمة ارتفاع الأسعار. يجب على الحكومة الفلسطينية تطوير برامج دعم اجتماعي، مثل تحويلات نقدية للأسر الفقيرة؛ لضمان توفير الحد الأدنى من الاحتياجات والسلع الأساسية بأسعار مخفضة ما سيعزز من القدرة الشرائية للمواطنين.
من المهم أيضًا تحسين نظام الضمان الاجتماعي ليشمل عددًا أكبر من الأسر المتعففة. بالإضافة إلى ذلك، يجب السعي لتأمين استيراد المواد الأساسية بشكل يتجاوز قيود الاحتلال.. من خلال هذه الجهود، يمكن تحسين نوعية الحياة للسكان، ما يساهم في الاستقرار الاجتماعي.
- تعزيز الشفافية والمساءلة
تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد المالية، يعد خطوة مهمة لبناء الثقة لدى المواطنين والمجتمع الدولي. يجب على الحكومة الفلسطينية أن تعتمد على آليات مراقبة داخلية فعالة لضمان إدارة فعالة للمساعدات الدولية، والتعاون مع مؤسسات دولية يمكن أن يسهم في تحسين هذه الآليات وتوفير الشفافية اللازمة. من خلال نشر المعلومات بشكل دوري، يمكن للمواطنين معرفة كيفية استخدام الأموال والمساعدات.. هذا سيساعد على تعزيز الثقة في الحكومة، والمشاركة المجتمعية. وفي النهاية، الشفافية تعزز من المسؤولية، وتساهم في تحسين الأداء الحكومي.
- تعاون دولي فعال
تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي يعد أمرًا ضروريًّا؛ لتوفير الدعم اللازم في مجالات الإغاثة والتأهيل وإعادة البناء. يجب توجيه الدعم الدولي نحو مشاريع تعزز التنمية المستدامة، ما يساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين. العمل مع المنظمات غير الحكومية والدول المانحة، يمكن أن يسهل الوصول إلى التمويل والخبرات اللازمة.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون هناك تنسيق مستمر؛ لضمان فاعلية الدعم المقدم.. كلما كانت هناك شراكة قوية بين الحكومة الفلسطينية والمجتمع الدولي، زادت فرص تحقيق التنمية المستدامة. بالتالي، التعاون الفعال يسهم في مواجهة التحديات التي تواجه فلسطين.
- استهداف المساعدات الإنسانية
استهداف المساعدات الإنسانية يعد أمرًا بالغ الأهمية؛ لتوفير الإغاثة الفورية للفئات الأكثر تضررًا في فلسطين.. ينبغي العمل مع المنظمات الإنسانية والدولية؛ للحصول على مساعدات تشمل دعم المواد الغذائية والمأوى والرعاية الصحية. هذه المساعدات يمكن أن تخفف الأعباء الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها الأسر الفقيرة.
من خلال التنسيق مع هذه المنظمات، يمكن تحسين فاعلية توزيع المساعدات، وضمان وصولها إلى المستحقين. دعم المجتمعات الأكثر ضعفًا يسهم أيضًا في تعزيز الاستقرار الاجتماعي. بالتالي، فإن استهداف المساعدات الإنسانية يمكن أن يمثل بارقة أمل للعديد من الأسر في فلسطين.
إن تحقيق التنمية المستدامة في فلسطين يتطلب التزامًا جماعيًّا وإستراتيجيات مدروسة تتجاوز القيود المفروضة
- إستراتيجيات مقاومة الأزمات
إستراتيجيات مقاومة الأزمات لها دور مهم في تعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات.. يمكن تطوير الزراعة والصناعة المحلية؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي، حتى في ظل الظروف الصعبة. يتطلب ذلك الاستثمار في تطوير القدرات المحلية، وتوفير التدريب للمزارعين والعمال.
من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، يمكن خلق فرص عمل جديدة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية. كما أن الاكتفاء الذاتي يعزز من المرونة الاقتصادية، ويساهم في تقليل الأثر السلبي للحصار. بالتالي، فإن إستراتيجيات مقاومة الأزمات تعتبر من الخطوات الضرورية لمواجهة التحديات.
في ختام هذه الدراسة، يتضح أن الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 قد أضافت أبعادًا جديدة لتعقيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين.
إن التحديات المتزايدة، مثل: تدمير البنية التحتية، وارتفاع معدلات البطالة، تتطلب إستراتيجيات عاجلة وشاملة؛ لتعزيز الاستقرار والنمو المستدام.. يجب أن تتضافر الجهود المحلية والدولية؛ لإعادة بناء ما دُمّر، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة. علاوة على ذلك، يتعين على الحكومة الفلسطينية تعزيز الشفافية والمساءلة؛ لترسيخ الثقة، ما سيساهم في توفير الدعم اللازم للتغلب على هذه الأزمات.
إن تحقيق التنمية المستدامة في فلسطين يتطلب التزامًا جماعيًّا وإستراتيجيات مدروسة تتجاوز القيود المفروضة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.