شعار قسم مدونات

طاطا: نصفها مناجم ذهب ونصفها غارق في السيول والتهميش

فيضان الأودية تسبب في تدمير محاور طرقية بإقليم طاطا (مواقع التواصل)

إن مدينة طاطا، القابعة في أقصى جنوبي شرقي المغرب، تُرى مثالًا جليًا للفارق الشاسع بين غنى الأرض وعوز الأهل؛ فرغم ما تكتنزه تلك الأرض من نفائس الطبيعة وجواهرها، وخاصةً مناجم الذهب وسائر المعادن الكريمة، يقبع أهلها بين مطرقة الفقر وإهمال الزمان، وسندان السيول الغامرة التي تهبط عليهم بين حين وحين.

تعاني طاطا من سيول متوالية تهدم ما تبقى من عمرانٍ هزيل، وتُفسد على الناس حياتهم. فإذا نزلت السماء بمائها، سارت الطرقات أنهارًا جارية، فتنعزل القرى وتصبح الحياة شقاءً وتعبًا

تُعد طاطا من أغنى الأقاليم بخيرات المعادن، إذ تمتلئ أراضيها بنفائس تُستخرج من باطنها، وعلى رأسها الذهب. ولقد اجتذب هذا الذهب اهتمام أصحاب المناجم ورؤوس الأموال، فأقبلوا إلى تلك الأرض ينقبون ويجمعون ما تناثر من عطاء الله، وغدت المناجم جزءًا من كسب العيش لبعض الأهل، يعيشون به بين أمل بعيد ورجاء مرهون.

بيدَ أن وعد الرخاء الذي جلبته المناجم لم يكن إلا سرابًا، إذ لم يجد الفقراء منه نصيبًا إلا بالعمل الشاق مقابل أجر زهيد، بينما المال الغزير يعود إلى أيدي من لا ينتمون لتلك الأرض.. فإن بعض أهل طاطا يشقون في المناجم بأجر لا يوازي ما يُستخرج من تحت أقدامهم، فيما تزداد خزائن الغرباء بأضعاف ما يحصل عليه أهل الدار.

ومن جهة أخرى، تعاني طاطا من سيول متوالية تهدم ما تبقى من عمرانٍ هزيل، وتُفسد على الناس حياتهم. فإذا نزلت السماء بمائها، سارت الطرقات أنهارًا جارية، فتنعزل القرى وتصبح الحياة شقاءً وتعبًا، ثم مع انقطاع السبيل يعجز الناس عن الوصول إلى الغوث، وتصبح أيديهم مكتوفة أمام جبروت الطبيعة.. الزرع الذي يعتمدون عليه، تهلكه المياه، فتقل الأرزاق وتشتد الحاجة.

مما يُؤسف له أن تطرأ مثل هذه الفاجعة، فيعتري المرء إحساس بالخذلان، وتختلف سُبُل التآزر بين المغاربة من بقعة إلى أخرى، وفي بعض الأحايين تكون الاستجابات ضئيلة

ولا يزيد الأمر سوءًا إلا ضعف البنى التحتية، إذ تجد الطرق قد خربت والجسور تهدمت، فلا تصمد أمام غضب السيل، ومهما علت الصرخات والمناشدات، تظل المعونة بعيدة والرجاء مؤجلًا.

إعلان

وبعيدًا عن الثروات، يبقى أهل طاطا محاطين بالإهمال؛ فلا تكاد تجد في أرضهم صحةً تُسعف، ولا تعليمًا يُنشأ، والمواصلات بين القرى أشبه ما تكون بالمعدومة؛ فإن المريض قد يسافر ساعات ليلقى طبيبًا، وإن الطفل قد ينقطع عن التعليم لندرة المدارس، وأما الانتقال بين القرى فصعب عسير، فلا سبيل يُسهّل ولا مركب يُعين.

إن أهل طاطا عالقون بين وعود ذهبية بثرواتٍ كامنة، وواقع يومي من فقر وتهميش.. إنه لممّا يُؤسف له أن تطرأ مثل هذه الفاجعة، وقد يعتري المرء إحساس بالخذلان، وتختلف سُبُل التآزر بين المغاربة من بقعة إلى أخرى، وفي بعض الأحايين تكون الاستجابات ضئيلة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان