منذ تأسيس قوة شعبية للمهندس الأميركي هوارد سكوت في عام 1932، لم يتمكن عالم الزوايا من إيجاد حلّ فعال للخروج من أزمة الكساد العظيم، لكنه استطاع إنشاء فكرة جديدة تعرف بالتكنوقراطية.
عرف العصر الحديث تطبيق الحكومة التكنوقراطية بشكل رسمي، مثلما حدث في إيطاليا. وقد مر تاريخها بأربع حكومات تكنوقراطية، أبرزها حكومة ماريو مونتي (2011-2013)
تعريف التكنوقراطية
- لغويًّا: التكنوقراطية هي كلمة يونانية تتكون من مقطعين: "تكنو" أي التقنية، و"قراطية" أي الحكم، ما يعني حكم الخبراء والمختصين.
- اصطلاحًا: هي نظام حكومي يعتمد على استخدام المعرفة العلمية والخبرة الفنية في اتخاذ القرارات السياسية والإدارية بدلًا من السياسيين التقليديين. يشكلها رئيس الحكومة وتُطبق مقولة "أعط العيش لخبازه"، حيث يتم تعيين الحكومة بناءً على المهارات الأكاديمية. على سبيل المثال، يمكن أن يكون أفضل الأطباء في البلاد وزيرًا للصحة، أو يصير مدير بنك نجح في إنقاذ مصرفه قبل إفلاسه وزيرًا للمالية.
نجاحات التكنوقراطية
عرف العصر الحديث تطبيق الحكومة التكنوقراطية بشكل رسمي، مثلما حدث في إيطاليا التي تعتبر عشيقة التكنوقراط. وقد مر تاريخها بأربع حكومات تكنوقراطية، أبرزها حكومة ماريو مونتي (2011-2013)، الذي تم تعيينه لإنقاذ إيطاليا من الإفلاس.
استطاع مونتي فعل ذلك واستعادة ثقة المستثمرين الأجانب لضخ أموالهم في إيطاليا دون الحاجة إلى البنك المركزي الأوروبي أو أي مساعدة مالية أخرى، ليُلقب بعد ذلك بـ "سوبر ماريو" نسبةً للعبة الشهيرة. كما حققت حكومات الخبراء نجاحات أخرى في دول مثل اليونان وفنلندا.
في إيطاليا واليونان، حيث نجحت التكنوقراطية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، واجهت سياسات "سوبر ماريو" انتقادات كبيرة. أبرز الانتقادات أن القرارات التي اتخذها الخبراء كانت تقشفية ولم تأخذ في الاعتبار احتياجات المجتمع الأوسع
فشل التكنوقراطية وسيطرة الكهول
رغم النجاحات التي حققتها التكنوقراطية في بعض الدول مثل إيطاليا وفنلندا، فإن هذه الحكومات لم تكن دائمًا حلًّا مستدامًا. في العديد من الحالات، تحولت التكنوقراطية إلى حكومة يديرها الكهول والخبراء الذين ابتعدوا عن احتياجات الشباب والمجتمع.
في الاتحاد السوفياتي، اعتمدت الحكومة على الخبراء والتكنوقراطيين لقيادة البلاد، وقد نجحت خططهم في البداية، وشهدت نموًّا اقتصاديًّا بارزًا، لكن مع مرور الوقت أصبحت الحكومة أشبه بمؤسسة للكهول.
كان معظم أعضاء الحكومة من كبار السن الذين اعتمدوا على مؤهلاتهم الأكاديمية، ما جعل 90% من الحكومة من المهندسين في مناصب وزراء وسياسيين. ومع عدم قدرتهم على التكيف مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، أدَّى ذلك إلى انهيار الاتحاد.
حتى في إيطاليا واليونان، حيث نجحت التكنوقراطية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، واجهت سياسات "سوبر ماريو" انتقادات كبيرة. أبرز الانتقادات أن القرارات التي اتخذها الخبراء كانت تقشفية ولم تأخذ في الاعتبار احتياجات المجتمع الأوسع، خاصة الشباب. في هذه الحالات، تم التركيز على الأرقام والإحصاءات دون النظر إلى تأثير تلك السياسات على الأجيال الشابة.
التوازن بين الخبرة السياسية والرؤية المتجددة للشباب ضروري؛ لضمان مستقبل أكثر تنوعًا واستجابةً لاحتياجات المجتمع بأسره، وليس فقط لمتطلبات النخب الأكاديمية، أو لتحويل البرلمان إلى دار عجزة
بينما تبدو التكنوقراطية حلًّا مثاليًّا لتوجيه الحكومات من خلال خبرات الخبراء والمتخصصين، فإنها تحمل في طياتها خطر السيطرة الأحادية للكهول وإقصاء الأجيال الشابة.
على الرغم من النجاحات الاقتصادية التي تحققت في بعض الدول، مثل: إيطاليا وفنلندا، أظهرت التجربة أن الحلول التقنية ليست دائمًا كافية لمواجهة التحديات المعقدة والمتغيرة التي تواجه المجتمعات؛ فالتكنوقراطيون غالبًا ما يتعاملون مع الأرقام والإحصاءات، متجاهلين الطاقات الإبداعية والمرونة التي يتمتع بها الشباب.
لذا، فإن الحكومة التي تستغني عن عيون الشباب لا يمكنها رؤية الازدهار في المستقبل.. إن التوازن بين الخبرة السياسية والرؤية المتجددة للشباب ضروري؛ لضمان مستقبل أكثر تنوعًا واستجابةً لاحتياجات المجتمع بأسره، وليس فقط لمتطلبات النخب الأكاديمية، أو لتحويل البرلمان إلى دار عجزة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.