شعار قسم مدونات

الأزمات الجيوسياسية.. الصعود التاريخي لأسعار الذهب كملاذ آمن!

مع تراجع أسعار الذهب تزايد الإقبال على شرائه في الأسواق العربية، هذا الإقبال لا يلبي فقط غرض استخدامه للزينة، بل يضمن أيضا حفظ الادخارات في مجال بعيد نسبيا عن مخاطر الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي.
يؤدي ارتفاع أسعار الذهب في ظل الأزمات والحروب إلى تأثيرات متعددة على الاقتصاد العالمي (وكالة الأنباء الألمانية)

في ظل تصاعد الأزمات الجيوسياسية على مستوى العالم، أصبح الذهب مجددًا الملاذ الآمن الذي يلجأ إليه المستثمرون لحماية أموالهم من تقلبات الأسواق واضطرابات الأوضاع السياسية.

في الآونة الأخيرة، شهدنا ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار الذهب، حيث وصلت أونصة الذهب لأول مرة في تاريخ المعدن الأصفر إلى 2650 دولارًا أميركيًّا. هذا الارتفاع الحادّ يعكس حالة القلق وعدم الاستقرار التي يعاني منها الاقتصاد العالمي في ظل الأزمات المتلاحقة، والتي تشمل الحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، والحرب الأهلية في السودان، وتزايد المخاوف من احتمالية احتلال الصين لتايوان.

الوضع الاقتصادي الهش في لبنان جعل الذهب ملاذًا مهمًّا للأفراد والمؤسسات على حد سواء، في محاولة لتجنب تأثيرات التضخم وانهيار القوة الشرائية

الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على أسعار الذهب

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، شهدت أسعار الذهب تقلبات حادة، ولكنها اتجهت بشكل عام نحو الارتفاع. هذه الحرب، التي تعدّ من أكبر النزاعات العسكرية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، أثارت مخاوف المستثمرين حول سلامة الأصول المالية التقليدية، ما أدى إلى زيادة الإقبال على الذهب.

علاوة على ذلك، أدت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا إلى تعقيد الأوضاع الاقتصادية العالمية وزيادة التضخم، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذ آمن يمكّنهم من التحوط ضد المخاطر الاقتصادية المحتملة.

إعلان

العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وتداعياته

في الشرق الأوسط، شهد قطاع غزة تصاعدًا في العدوان الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حيث شنت قوات الاحتلال هجومًا بريًّا في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني. هذا الهجوم أدى إلى زيادة حادة في الاضطراب الإقليمي، مما أثار تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في المنطقة بأكملها.

ومع تزايد العنف والدمار الذي طال البنية التحتية والمرافق الحيوية، لجأ العديد من المستثمرين إلى الذهب كوسيلة آمنة لحماية أصولهم، في ظل حالة عدم اليقين والتوتر المستمرة.. تسبب الدمار وعمليات النزوح الكبيرة للسكان في تعميق الأزمة الإنسانية والاقتصادية، ما عزز الإقبال على الذهب كملاذ؛ للحفاظ على القيمة في ظل الأوضاع المتدهورة.

وفي لبنان، الذي يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية خانقة وتدهور في قيمة العملة المحلية، جاء التصعيد العسكري مع إسرائيل ليزيد من حالة عدم الاستقرار. هذا التصعيد زاد من المخاوف بشأن قدرة البلاد على تحمل أعباء إضافية، وهو ما أدى إلى ارتفاع الطلب على الذهب كخيار؛ لحماية الأصول من المخاطر.

الوضع الاقتصادي الهش في لبنان جعل الذهب ملاذًا مهمًّا للأفراد والمؤسسات على حد سواء، في محاولة لتجنب تأثيرات التضخم وانهيار القوة الشرائية.. كل هذا ساهم في دفع أسعار الذهب نحو الارتفاع المستمر، مع تزايد القلق العالمي تجاه الوضع في المنطقة.

لكون السودان من الدول المنتجة للذهب، فإن هذه الحرب لها تأثيرات مباشرة على أسعاره.. السودان يحتل المركز الثالث عشر عالميًّا والثالث أفريقيًّا في إنتاج الذهب

الحرب الأهلية في السودان

منذ بداية عام 2023، يشهد السودان حربًا أهلية عنيفة أدت إلى انهيار أجزاء كبيرة من الاقتصاد الوطني وتعطيل الأنشطة التجارية، بالإضافة إلى نزوح الملايين من السكان.

هذا الانهيار الاقتصادي خلق حالة من عدم الثقة في الاقتصاد المحلي، ما دفع العديد من الأفراد والمؤسسات في السودان والمنطقة إلى تحويل أموالهم إلى الذهب، باعتباره مصدرًا أكثر استقرارًا للقيمة في ظل التدهور المستمر.

إلى جانب هذا، تسببت الأزمة في زيادة المخاطر الإقليمية، ما أثر على الأسواق العالمية، وأسهم في ارتفاع أسعار الذهب.

إعلان

لكون السودان من الدول المنتجة للذهب، فإن هذه الحرب لها تأثيرات مباشرة على أسعاره.. السودان يحتل المركز الثالث عشر عالميًّا والثالث أفريقيًّا في إنتاج الذهب، حيث ينتج سنويًّا نحو 80 طنًّا، فيما تقدر الاحتياطيات غير المستغلة بنحو 1550 طنًّا.

هذه الموارد تشكل محورًا للصراع بين الفصائل المتحاربة، مثل قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، حيث يتصارع الجانبان على السيطرة على مناجم الذهب السودانية.

هذا الصراع أدى إلى تعطيل الإنتاج وزيادة الغموض حول مستقبل توريدات الذهب من السودان، ما ساهم في زيادة أسعاره عالميًّا، نتيجة عدم اليقين والاستقرار في هذه المنطقة الغنية بالموارد.

في ظل هذه الظروف، يصبح الذهب الخيار المفضل للمستثمرين، حيث يعززون مراكزهم في هذا المعدن الثمين في مواجهة الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية

التوترات حول تايوان واحتمالية الاحتلال الصيني

من جهة أخرى، تزايدت المخاوف بشأن احتمالية احتلال الصين لتايوان، وهو موضوع حساس يثير قلقًا واسعًا في الأسواق العالمية. تدهورت العلاقات بين الصين وتايوان بشكل ملحوظ منذ تولي تساي إينغ ون رئاسة تايوان في عام 2016، فهي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يميل إلى الاستقلال، وهو ما ترفضه بكين بشدة.

تعتبر تايوان بالنسبة للصين "ابنة الصين"، لكنها تحت حماية الولايات المتحدة، ما يزيد من تعقيد الوضع.

تعد تايوان مركزًا عالميًّا رئيسًا في صناعة أشباه الموصلات والرقائق الدقيقة، وأي نزاع عسكري قد يؤدي إلى تعطيل هذه التقنيات الحيوية التي تعتمد عليها الأجهزة الذكية حول العالم، وهو ما يُعرف بـ"درع السيليكون".

تزايد التهديد بتصعيد النزاع بين الصين والولايات المتحدة؛ بسبب قضية تايوان يزيد من حالة عدم اليقين الجيوسياسي.. المخاوف من نشوب حرب شاملة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي تُعتبر من أهم المحاور الاقتصادية العالمية، دفعت العديد من المستثمرين إلى شراء الذهب كإجراء احترازي، تحسبًا لحدوث أزمات كبرى قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي.

إعلان

ومع ارتفاع مستويات القلق، يُتوقع أن ترتفع أسعار الذهب بشكل ملحوظ، حيث تشير بعض المصادر المتخصصة في مجال الذهب إلى إمكانية وصول سعر الأونصة إلى 4000 دولار في حال اندلاع نزاع عسكري كبير في تايوان.

في ظل هذه الظروف، يصبح الذهب الخيار المفضل للمستثمرين، حيث يعززون مراكزهم في هذا المعدن الثمين في مواجهة الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية. وبالتالي، يظل الطلب على الذهب مستمرًّا في التصاعد، ما يساهم في زيادة أسعاره في الأسواق العالمية، ويعكس هذا الواقع حالة من القلق والترقب بشأن المستقبل الجيوسياسي المعقد في المنطقة.

يمكن أن يؤدي الطلب المتزايد على الذهب إلى زيادة التكاليف المرتبطة بحيازته وتخزينه، ما يجعل الوصول إليه أمرًا صعبًا بالنسبة للمستثمرين الصغار

آلية تأثير الحروب والأزمات على أسعار الذهب

الحروب والأزمات الدولية تؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق المالية، وتدهور الثقة بالعملات المحلية، ما يدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول ذات قيمة ثابتة ومستقرة، مثل الذهب.

وبالإضافة إلى ذلك، تؤدي النزاعات إلى زيادة الإنفاق العسكري، وقد تلجأ الدول إلى طباعة المزيد من العملة لتمويل هذا الإنفاق، ما يؤدي إلى زيادة التضخم، وتراجع القوة الشرائية للعملات.. في هذه الأجواء، يصبح الذهب وسيلة فعالة للتحوط ضد التضخم والحفاظ على القيمة، ما يرفع من أسعاره عالميًّا.

كما أن التأثير النفسي للأزمات العالمية على الأسواق المالية له دور كبير في تحديد توجهات المستثمرين؛ فعند تصاعد المخاوف من النزاعات العسكرية أو الاقتصادية، ينخفض الطلب على الأصول الخطرة، مثل الأسهم والعقارات، ويتزايد الطلب على الذهب كوسيلة للتأمين ضد عدم الاستقرار. هذا الإقبال الكثيف على الذهب يؤدي إلى ارتفاع أسعاره بشكل واضح.

الآثار الاقتصادية لارتفاع أسعار الذهب عالميًّا

يؤدي ارتفاع أسعار الذهب في ظل الأزمات والحروب إلى تأثيرات متعددة على الاقتصاد العالمي. فمن ناحية، تستفيد الدول والشركات المنتجة للذهب بشكل كبير من زيادة الأسعار، ما يعزز إيراداتها، ويعزز وضعها المالي.

ولكن من ناحية أخرى، يترتب على هذا الارتفاع زيادة التكاليف على الصناعات التي تعتمد على الذهب، مثل: صناعة المجوهرات والإلكترونيات، ما ينعكس سلبًا على المستهلكين من حيث زيادة الأسعار النهائية للمنتجات.

إعلان

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الطلب المتزايد على الذهب إلى زيادة التكاليف المرتبطة بحيازته وتخزينه، ما يجعل الوصول إليه أمرًا صعبًا بالنسبة للمستثمرين الصغار. وهذا يثير القلق بشأن كيفية تأثير هذه الديناميات على استقرار السوق وتوزيع الثروات بين فئات المجتمع المختلفة.

ارتفاع أسعار الذهب في ظل الحروب والتوترات الدولية هو نتيجة حتمية لحالة عدم الاستقرار السائدة في العالم، من الحرب الروسية الأوكرانية، إلى العدوان الإسرائيلي، والحرب الأهلية في السودان، والتوترات حول تايوان

نصائح عامة في ظل ارتفاع أسعار الذهب

في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الذهب نتيجة الأزمات والحروب الدولية، يجب على المواطنين اتخاذ بعض الخطوات الإستراتيجية لحماية أصولهم واستثماراتهم:

  1. يُنصح بتقييم الاستثمارات الحالية وتوزيع الأصول بشكل مناسب، بحيث يتضمن تنويع الاستثمارات بين الذهب وأصول أخرى، مثل: العقارات والأسهم والسندات، ما يقلل من المخاطر المحتملة.
  2. ينبغي على المواطنين التفكير في شراء كميات صغيرة من الذهب على فترات منتظمة، بدلًا من استثمار مبالغ كبيرة دفعة واحدة، ما يساعد على تقليل تأثير التقلبات السعرية.
  3. من المهم البحث عن مصادر موثوقة لشراء الذهب، مثل: محلات المجوهرات المعروفة، أو الشركات المعتمدة، لضمان الحصول على منتجات ذات جودة عالية.
  4. يجب على المواطنين وضع خطة مدروسة للتخزين، سواء كان ذلك من خلال استخدام خزائن بنكية، أو تخزين الذهب في المنزل بشكل آمن.
  5. يُنصح بمتابعة الأخبار الاقتصادية والتغيرات في السوق بشكل دوري لفهم الاتجاهات وتوقعات الأسعار، ما يتيح للمستثمرين اتخاذ قرارات مستنيرة تتماشى مع الظروف الراهنة.

من خلال اتباع هذه النصائح، يمكن للمواطنين حماية أصولهم والاستفادة من ارتفاع أسعار الذهب في الوقت نفسه.

في الختام، يبدو أن ارتفاع أسعار الذهب في ظل الحروب والتوترات الدولية، هو نتيجة حتمية لحالة عدم الاستقرار السائدة في العالم، من الحرب الروسية الأوكرانية، إلى العدوان الإسرائيلي، والحرب الأهلية في السودان، والتوترات حول تايوان.. جميع هذه الأحداث تساهم في خلق بيئة غير مستقرة، فيلجأ المستثمرون إلى الذهب؛ لحماية أصولهم من المخاطر المحتملة.

إعلان

وعلى الرغم من أن الذهب يظل خيارًا آمنًا في أوقات الأزمات، فإن ارتفاع أسعاره يعكس حجم القلق وعدم اليقين الذي يسيطر على الاقتصاد العالمي، ويظهر مدى تأثير الحروب على ثروات الشعوب، ومستقبل الاقتصاد الدولي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان