شعار قسم مدونات

الدعاية السوداء إذ تفشل في حرب الإبادة

رئيس الوزراء نتنياهو، خلال جولة تفقدية لدى القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو خلال جولة تفقدية لدى القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي (الصحافة الأجنبية)

تنبئ تصريفات صهيَن يتصهين فهو متصهين عن وقاحة، أقلها القهقهة في غير محلها، خاصة إذا ارتبطت بأجواء سُكر وعربدة، على الأقل في المجتمع الفلسطيني وما لف لفه ممن خبروا الصهاينة، فالمتصهين شخص لم يعد يتوارى خلف العادات والتقاليد والدين، وتظهر هذه الحالة عادة عندما يفقد قدرته على التمثيل والنفاق فينفجر بما فيه.

وهذا التصهين يظهر في انقلاب الدعاية السوداء التي انتهجها الاحتلال الإسرائيلي على مدى سبعة عقود، والتي دأبت على التواري خلف قلب الحقائق في مخاطبتها مجتمعًا معاديًا بالكامل، معتمدة الإيحاء بأن الصديق عدو، والعدو صديق، فتحدث خللًا في مجتمع العدو، وهو في هذه الحالة المجتمع العربي.

الأماكن الآمنة ليست إلا حقول قتل، تستنسخ تجربة الخمير الحمر في كمبوديا، ولم يعد نتنياهو سوى نسخة جديدة من بول بوت، بفارق وحيد هو محكمة خاصة بجرائم حرب، استحقها الأخ الأكبر وشلته وتنتظر ملك إسرائيل وعصابته

فبركة فاشلة

حماس نسقت مع نتنياهو لهجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023!. هذا ملخص ما وصل إلى أسماع شخصية ماليزية مثقفة، مطلعة على القضايا العربية، ولها علاقات بدبلوماسيين أجانب.

وكغيره ممن استقوا هذه الرواية، لا شك أنها أثارت تساؤلات في ذهنه – هذا إن لم يقتنع بصدقها – ولها ما يعززها من أساطير وشائعات تنفجر مع كل حدث ضخم في فلسطين، وتعتمد كلها على مبدأ "الرصاصة إن لم تقتل تصم الأذن".

وفي الأمس القريب شهدنا جدالًا في الأوساط السياسية الإسرائيلية، يوحي بأن حركة حماس صناعة إسرائيلية، يرافقه ترويج بلسان عربي غير مبين، يشي بتماهي حركات المقاومة مع سياسات نتنياهو واليمين الصهيوني، أو بالتخادم كما يوصف أحيانًا، وينجر ذلك على ما يسميه أضداد المقاومة بالمسرحيات، وكأن تراشق كرات اللهب ليس إلا حلقات برنامج كاميرا خفية تنطلي على جميع المتفرجين.

إعلان

ومن مصدر الدعايات المتراكمة يأتي نقيضها بوصف الإسرائيليين لقيادتهم المتمثلة بنتنياهو بالكذاب، وقد فعل فيهم الطوفان ما فعل، وأصبحت كل دعاياته ممجوجة، بما فيها وسائله التوضيحية على السبورة من وثائق كذبتها أجهزة أمنه ومخابراته، وفتحت تحقيقًا بالتزوير على لسان قادة المقاومة.

لم يعد للآلة الإعلامية المضللة مكانة يحتفى بها في المجتمع الصهيوني، الذي لم يجد إجابات لأسئلته حولها، ولم تترك سياسات التطهير العرقي مجالًا للفلسطينيين للبحث في الزائف والحقيقة من أقوال الاحتلال وقادته، فالأماكن الآمنة ليست إلا حقول قتل، تستنسخ تجربة الخمير الحمر في كمبوديا، ولم يعد نتنياهو سوى نسخة جديدة من بول بوت، بفارق وحيد هو محكمة خاصة بجرائم حرب، استحقها الأخ الأكبر وشلته وتنتظر ملك إسرائيل وعصابته.

نتنياهو حمل وزمرته إخفاق دعايته في فلسطين إلى لبنان، وكررها بذات الأسلوب والمنهج، وهو يطالب اللبنانيين بالثورة على حزب الله وأتباع إيران وأجنحتها وأذرعها، ويدعمه في ذلك حملات سياسية ودعاية أميركية غربية لا تقل شأنًا عن دعمه بالسلاح والمال والعسكر

هنا كان لا بد لنتنياهو وزمرته من تسمية الأمور بأسمائها، فتحولت الآلة الإعلامية الصهيونية دون مواربة إلى تحريض الفلسطينيين على الثورة ضد حماس وحكمها في قطاع غزة، وبعد اثني عشر شهرًا لم تفلح سياسة التحريض المباشر بتغيير شيء من الواقع، فشعب فلسطين في "حماسستان" لم يرَ أو يسمع بآثار سياسة الرفاهية وحقوق الإنسان في "فتحستان".

ورغم تعاظم الحريق، تتعزز كل يوم العلاقة بين حركات المقاومة وشعبها في فلسطين، بما ينبئ عن إخفاق الدعاية المباشرة وغير المباشرة في دقّ الأسافين، أو ما يعرف في علم السياسة فصل القيادة عن الشعب.

لكن نتنياهو حمل وزمرته إخفاق دعايته في فلسطين إلى لبنان، وكررها بذات الأسلوب والمنهج، وهو يطالب اللبنانيين بالثورة على حزب الله وأتباع إيران وأجنحتها وأذرعها، ويدعمه في ذلك حملات سياسية ودعاية أميركية غربية لا تقل شأنًا عن دعمه بالسلاح والمال والعسكر.

أما اللبنانيون فيجمعون على أن العدو واحد قادم من الجنوب، وربما تتباين آراؤهم بشأن الحرب وإدارتها، لكنهم يدركون أن البديل عن حزب الله في القرى والبلدات التي يدمرها الاحتلال إما مستوطنات صهيونية أو لاجئين فلسطينيين يدفع بهم من الناصرة وعكا.

بإخفاق الدعاية السوداء فيما بعد الطوفان يظهر البطل على حقيقته، وهو من تستهدفه آلة القتل الوحشي، ولا يترك الاحتلال أمام الشعوب سوى الفزع من دعاية تصف من لم يكلّ أو يملّ في مقارعة المحتلين الأغراب على مدى سبعة عقود ببائع أرضه

انجلاء الحقائق

تقوم الدعاية الصهيونية على حرق العدو في مجتمعه، وذلك من خلال الإيحاء بأنه صديق متعاون، وتلميع الصديق في مجتمعه من خلال شن حملات عليه تظهره في مجتمعه على هيئة بطل قومي، ومناضل ضد الاحتلال.

إعلان

ويعود تاريخ هذه الدعاية السوداء إلى بدايات نشأة الاحتلال، وقد كشف عن بعضها كتّاب صهاينة مثل كتاب "العرب الجيدون" (عربيم توفيم) الذي صدر في ستينيات القرن الماضي، والذي أراد كاتبه أن يقول لمجتمعه إن الدعاية السابقة بوصف بعض الجهات والأشخاص بأنهم أعداء متوحشون لم تكن صحيحة، وإن من كنا ننعتهم بالسيئين كان منهم أصدقاء فعلًا.

وبإخفاق الدعاية السوداء فيما بعد الطوفان يظهر البطل على حقيقته، وهو من تستهدفه آلة القتل الوحشي، ولا يترك الاحتلال أمام الشعوب سوى الفزع من دعاية تصف من لم يكلّ أو يملّ في مقارعة المحتلين الأغراب على مدى سبعة عقود ببائع أرضه، ومتاجر بقضيته، ووصف قيادته التي تُستهدف بأحدث تكنولوجيا القتل والاغتيال بسكان الفنادق وركاب اليخوت.

إنها بشائر أفول زمن الصهينة الثملة بأكاذيب، صدّقها من صنعوها وروجوا لها بصبغة دينية، بينما يدفع ثمن إجلائها ثوار أشاوس وشعوب حرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان