بيَّن تعليق أحد الخبراء العسكريين على صواريخ إيران التي أطلقتها على الكيان المحتل أنها تفتقد إلى الرؤوس الحربية، ما جعلها مجرد "حديدة" لا تأثير لها، وجاء في تغريدة وكالة إيران بالعربية للأنباء، تحت بند عاجل: "تدمير 20 طائرة إف-35 جراء الصواريخ الإيرانية على الكيان الصهيوني".
وفي موضع آخر أن الصواريخ الإيرانية دمرت مقر الموساد الإسرائيلي، تزامنًا مع بيان لهيئة الأركان الإيرانية، وأن على الكيان الصهيوني ترقب تدمير بناه التحتية بشكل واسع وشامل إذا رد على الهجوم.
ومع تأكيد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بأن تحركات بلاده العسكرية انتهت، مشترطًا ألا يقرر الكيان الإسرائيلي استدعاء مزيد من الرد. وفتح الكيان المحتل مطاراته والأجواء الجوية أمام الطيران، فيما قررت طهران تمديد غلق مجالها الجوي.
مستمرة هي الجدالات بين الفريقين الذي يرى الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية محل تقدير، وبين من يرى أنها تمثيلية، وأن إيران باعت "المقاومة"، منطلقين في ذلك، ممَّا يصفونها بجرائم إيران في كل من العراق وسوريا واليمن، واستخدام أذرعها في تهديد باقي الدول العربية "السنية".
بسبب خطاب تصدير الثورة الذي تبنّاه المؤسس الأول للجمهورية "الإسلامية" آية الله الخميني، صارت الأنظمة المحيطة ترفضه وترفض جمهوريته
أمَّا الفريق الأول، فيستمد ثقته برجاحة رأيه من حالة الخذلان التي لمسها من العرب "السنة"، والغريب أن من يروّجون لهذا القول هم من العرب السنة، ومع الأسف هم لا يفرقون بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي، ولا ينتبهون إلى أنَّ هذا الخطاب يفقدهم الدعم الشعبي، وذلك لأن من يطلق هذا الخطاب يريد به شيئًا قد لا يستوعبه، مردده في غمرة حالة الالتهاء بمصيبة فلسطين.
إنَّ الترويج لمقولة إنَّ إيران تحمل الكَل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر، هو حديث العواطف لا السياسة؛ فالجمهوريَّة الإيرانية التي ولدت من رحم الثورة، إنما ولدت في بيئة رافضة لها؛ فمن ناحية، ولدت بأيديولوجية مخالفة لأيديولوجية المحيط الجغرافي الذي تعيشه، في ظل نظرية الدولة القُطرية العلمانية التي تأسست عليها أنظمة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن ناحية أخرى، وبسبب خطاب تصدير الثورة الذي تبنّاه المؤسس الأول للجمهورية "الإسلامية" آية الله الخميني، صارت الأنظمة المحيطة ترفضه وترفض جمهوريته. وبغض النظر عمن بدأ الحرب، فقد كانت الحرب الإيرانية- العراقية سببًا يضاف إلى السببين السابقين في رفض إيران في محيطها الجغرافي، ناهيك عن استفادة أميركا والغرب من هذه التفرقة كذريعة لوُجود قوي في أهم مناطق الطاقة في العالم.
فكرة أن ينحاز أحدنا إلى إيران وأذرعها أو إلى إسرائيل وداعميها، فإنما هو كمن غلّق أبواب عقله، أو كمن لم يستطع المقاومة فقرر أن يستمتع
لعلَّ ترويج خذلان العرب السنة، يهدف بالأساس إلى الاستفادة من حالة الغضب الشعبي على الحكام، في سبيل تحول أيديولوجي محتمل على المستوى الإستراتيجي، ولعلَّ هذا التحول يبدو ملموسًا في الأوساط الفلسطينيَّة، لكن الفكرة تهدف لِما هو أبعد من فلسطين المدفوعة بأزمتها تجاه أي طوق نجاة.
نعم أتفق مع حقيقة خذلان العرب للقضية الفلسطينية، حتى مسألة الوسيط، هي في الحقيقة تكرّس فكرة أعمق، مفادها أن القضية لم تعد قضية صراع عربي- إسرائيلي، بل باتت صراعًا فلسطينيًا- إسرائيليًا، وصولًا إلى ضخّ كميات كبيرة من المضادات الحيوية؛ لقبول الجسم العربي للعضو الغريب للدخول لمرحلة التعافي وتناغم الجسم مع العضو الغريب والتطبيع معه، وهو ما يرفضه المزاج الشعبي حتّى الآن.
لكن مع خطاب اللوم والاتهام للعرب "السنة" قد يتحوّل المزاج الشعبي العربي، العاطفي والمعتزّ برأيه والمعتدّ بموقفه، وبالتالي يتحوّل الأمر، إلى ما يريده الاحتلال من تطبيع شعبي كامل معه، إذن فخطاب الاتهام المتزايد يصبّ في مصلحة العدو لا ضده.
ما يهمّنا من صواريخ إيران على تل أبيب هو نحن، ونحن هنا أعني بها الأمة الإسلامية، فلعلّي في السطور السابقة قد أوضحت أن هذه الحرب – وهذه المواقف – هي في النهاية مدفوعة بإستراتيجيات وخطط تنفيذية طويلة الأمد، يتحرك من خلالها الفاعلون من الطرفين، يتعاونون فيما اتفقوا عليه، ويعذر بعضهم بعضًا فيما اختلفوا فيه، والمفعول به هي الأمة الإسلامية، ما يعني أن القصعة هي نحن، والأكَلة يتصارعون على نيل أكبر قدر ممكن من هذه القصعة.
وفكرة أن ينحاز أحدنا إلى إيران وأذرعها أو إلى إسرائيل وداعميها، فإنما هو كمن غلّق أبواب عقله، وقال: "هيت لك"، أو كمن لم يستطع المقاومة فقرر أن يستمتع، وحاشا لله أن يكون من هذه الأمة الأبية المعتزة بدينها، الأمة المقاومة والمفكرة، أن تغلق أعينها أو تسكت عن جرائم اغتصاب أراضيها أو انتهاك أعراضها.
يجب أن نقبل خطابًا عصريًا يجمع العقول قبل القلوب، ويواجه الحداثة والعولمة وأدواتها، بعد التحولات الاجتماعية الواضحة، والتي باتت تحول دون انطلاقة أصحاب الهمم والجيل الجديد الذي أصبح أكثر عرضةً للعولمة والتغيرات الفكرية
لا يَخفى على ذي نظر أنَّ أزمة الأمة ترجع إلى ابتعادنا عن حقيقة الاسلام وجوهره، ولعلَّ أعداء هذا الدين توغلوا فينا حتَّى باتَ الحديث عن الأمّة والإسلام، وحتّى ثوابته محل جدل، وصدق من قال: "ما ضلّ قوم بعد هدًى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل"، وهو ما يجب الوقوف عنده والتخلّص منه حتَّى نرى ما به يقام الدين، ويساس الناس، ولكي يقوم من يسعى لذلك بما يجب، فعليه أولًا مواجهة الإستعمار، وأول معاركنا معه في مواجهة التغريب، لكن التحديات الداخلية قبل الخارجية تقف عائقًا أمام هذا الحراك.
إنَّ تثبيت المفاهيم والاتفاق عليها نقطة بداية لا يمكن الالتفات عنها قبل بداية معاركنا، ومن ثم لا يمكن الالتفات عن مواجهة المستبد، والانتباه لبناء الجيل على المحجة البيضاء، ليكون قادرًا على مواجهته ومواجهة الأفكار الهدامة. وأنا هنا لا أضع القواعد بترتيب إلزاميّ بقدر ما أدعو إلى العمل بالتوازي، فلا الوقت سيسعفنا، ولا العدو سيمهلنا.
لذا فيجب أن نقبل خطابًا عصريًا يجمع العقول قبل القلوب، ويواجه الحداثة والعولمة وأدواتها، بعد التحولات الاجتماعية الواضحة، والتي باتت تحول دون انطلاقة أصحاب الهمم والجيل الجديد الذي أصبح أكثر عرضةً للعولمة والتغيرات الفكرية.
لا شكَّ أنّ القمع الذي واجهه أصحاب الهِمَم في الأمة الإسلامية من قِبَل الحكومات والنظم السياسية الوظيفيَّة، شَتّتَ جهود من يسعى لاستنهاض الأمة، وهذا ما فتح الباب أمام ضعاف القدرات والمهارات وعديمي الرؤى الإستراتيجية لتسلّق هرم السلطة في أي مؤسسة أو هيئة تسعى لعودة مجد هذه الأمة، ولا أستبعد أن ذلك من تخطيط عدوِّنا، أو على الأقل ممَّا استفاد منه فصدّر أنصاف المؤهلين في ظل حالة الفراغ القيادي الكبير في الهيئات والمؤسسات الإسلامية.
لا بُدَّ من التشبيك بين أصحاب الهمم، من طنجة إلى كوالالمبور؛ للتأثير في الساحة الشعبية والسياسيَّة في كلّ قُطر من أقطار الأمة، والاستفادة من التحولات العالمية بالانفتاح على التجارب الدولية
يضاف إلى ذلك الانكفاء على المشكلات الذاتيَّة للهيئة والمؤسّسة، أو المشكلات القُطرية، دون النظر إلى أبعاد تلك المشكلات وربط خيوطها لفهم أسبابها وتداعيات، ومن ثم التخطيط لحلها أو مواجهة مفتعليها على المستوى الإستراتيجي للأمة، ولعل هذا الحل هو ما أدى إلى فقدان الشغف لدى الحاضنة الشعبية، بل حتى لدى المنتمين لهذه الهيئات والمؤسسات، بعد أن فقدت هذه القيادات الرؤية والقدرة على تقديم أي نجاحات ملموسة في الأزمات.
ما يهمنا من صواريخ إيران على تل أبيب هو أن نسرع في صناعة قيادة للأمة، ونفتح الباب أمام المبدعين، أيًا كانت أعمارهم، كبارًا أو شبابًا، والاستفادة من كلّ طاقات هذه الأمة، وهي ولله الحمد كثيرة، ومن ثُمّ السعي إلى تجديد الفكر، وإعادة تنظيم الصفوف، مع الابتعاد عن الجمود والانعزال.
ولا بُدَّ من التشبيك بين أصحاب الهمم، من طنجة إلى كوالالمبور؛ للتأثير في الساحة الشعبية والسياسيَّة في كلّ قُطر من أقطار الأمة، والاستفادة من التحولات العالمية بالانفتاح على التجارب الدولية، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية؛ لمواكبة التحديات المتغيرة باستمرار، ونستفيد من هذا الحب الجارف الذي يجمع هذه الأمة وروح الفداء التي يتحلّون بها، لمواجهة الأكلة التي تداعت على قصعتنا؛ حتى لا يصدق فينا قول المعصوم: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.