تداولت وسائل إعلام إسرائيلية صورة لجثة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، يحيى السنوار، بعد استشهاده في اشتباكات داخل مبنى في تل السلطان في رفح.
هذا، وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي الخميس 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري إن الجيش تمكن من قتل السنوار في قطاع غزة. وكان قد صدر بيان مشترك للجيش الإسرائيلي والشاباك، جاء فيه أنه و"خلال نشاط لقوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، تمّ القضاء على ثلاثة مخربين"، منهم زعيم حماس في غزة يحيى السنوار.
أكثر من عام مرّ على حربه الهمجية على قطاع غزة، ولم يستطع الجيش الإسرائيلي تحقيق الأهداف التي وضعها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ولم يحقق ما تمناه، وهو تفكيك البنية التحتية للحركة
اغتيال السنوار أتى على الطريقة التي اختارها، بأن يكون شهيدًا لأجل فلسطين، وهو الذي قضى وقتًا في سجن الاحتلال بعدما حكمت عليه إسرائيل من خلال المحكمة العسكرية في غزة، بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة، إلا أنه خرج بعد 22 عامًا، حيث تمّ إطلاق سراحه من بين 1027 أسيرًا فلسطينيًا، في عملية تبادل أسرى عام 2011، مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط.
لم يثنِ السجن ولا عذاباته مع الإجرام الإسرائيلي من إرادته في الدفاع عن القضية التي عاش ومات لأجلها، وهي تحرير فلسطين. لهذا خطط وعمل على تنفيذ الهجوم الذي اعتبره كثيرون أنّه "صفعة" قوية على وجه إسرائيل، فكانت عملية طوفان الأقصى، تلك العملية التي أدت إلى مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، بالإضافة إلى وقوع مئات الأسرى في يد حماس، وقد استطاعت الحركة استخدامهم كورقة ضغط في يدها بوجه حكومة بنيامين نتنياهو.
في حسابات الإسرائيلي أن قتل القائد السنوار سيحقق لها انتصارًا ميدانيًّا تستطيع استثماره سياسيًّا في الداخل، لاسيما أن نتنياهو يسعى إلى تحقيق الإنجازات في حربه في المنطقة. وأما خارجيًّا، فيعتقد البعض – على رأسهم يائير لبيد زعيم المعارضة لدى إسرائيل – أنه تجب الاستفادة من عملية الاستهداف هذه، للضغط أكثر على حماس من أجل إطلاق فوري للأسرى لديها.
أكثر من عام مرّ على حربه الهمجية على قطاع غزة، ولم يستطع الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه التي وضعها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ولم يحقق ما تمناه، وهو تفكيك البنية التحتية للحركة، معتبرًا أن اغتيال رئيسها في طهران الشهيد إسماعيل هنية، سيقضي على عزيمة المقاومين، وسيدفع بهم نحو إلقاء السلاح.
مات السنوار، عاش السنوار، فحركة حماس ليست حركة مارقة، ولا هي عابرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل هي عقيدة تتناقل بين الأجيال، تهدف إلى تحرير الأرض من هيمنة الاستعمار
يأمل البعض في الداخل الإسرائيلي أن يشكل اغتيال السنوار فرصة جديّة لإنهاء الحرب في غزة، ويعطي فرصة الانتصار لإسرائيل، ويدفع بالحركة إلى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. لكنّ "حسابات الحقل، قد لا تتطابق مع حسابات البيدر"؛ فالغريب أن الإسرائيلي الذي استوطن فلسطين منذ ما يقارب الثمانين عامًا، لم يتعلّم أن روح النضال عند الشعب الفلسطيني لا تموت، ولا تكلّ في الدفاع عن أرضه، وأن "طوفان الأقصى" لن يكون نهاية الطريق، بل هو خطوة في مسار الألف ميل نحو التحرر، وإن السنوار هو جزء من تاريخ الفلسطيني المناضل والثائر لتحقيق النصر وتحرير الأرض.
مات السنوار، عاش السنوار، فحركة حماس ليست حركة مارقة، ولا هي عابرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل هي عقيدة تتناقل بين الأجيال، تهدف إلى تحرير الأرض من هيمنة الاستعمار. هذا يؤكد أن حماس ستعيد ترتيب هيكليتها عبر تعيين البديل، وستكمل المسار في الدفاع عن القضية التي من أجلها تأسست، ولأجلها يستشهد مناصروها.
باستشهاد السنوار تكون الحرب في غزة قد دخلت في مرحلة جديدة و"حساسة إلى حدّ كبير"، ولكنها بالتأكيد لن تشكل صدمة للحركة لا يمكن تخطيها.. السنوار قتل على جبهة المواجهة، وليس بطريقة الاستهداف الجوي الناتج عن الجهد الاستخباراتي، فهذا ما يؤكد أن الحركة في جهوزية لأي سيناريو منتظر، حتى ولو كان على مستوى اغتيال القادة.
لن تموت روح المقاومة، حتى مع استشهاد السنوار، فهذا إن دلّ على شيء، فعلى أن التصفيات لا تحقق النصر لإسرائيل، ولن تستطيع فرملة الاندفاعية لمحور وضع على عاتقه الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني
إن الهيكلية التنظيمية التي تتشكل منها حركة حماس، تدفع بها نحو إنتاج قادتها بطريقة آلية، ولا تحتاج إلى جهد كبير في الموضوع. كما إن وجود السنوار على جبهات القتال يضفي قوة إضافية إليها، تؤكّد أن الشهادة في سبيل القضية مقدسة عند الجميع، ولا تقف عند الهرمية التقليدية في التنظيمات أو الأحزاب التي تعتبر أن موت زعيمها قد يشكل شللًا جديًّا لها، ويعيق تنظيمها.
أخذت عملية قتل السنوار بـ"النشوة" الإسرائيلية إلى حرب 1967، عندما رفع المسؤولون الإسرائيليون كأس النصر يومها، بعد أن اجتاح الجيش الإسرائيلي أربعَ دول عربية: مصر ولبنان وسوريا والأردن.. "نشوة" الانتصار في ذلك الزمان أخذت البعض إلى اتفاقيات سلام، دون أن تأخذ الشعب الفلسطيني رهينة لهذا الانتصار، لهذا سار الفلسطيني على طريق الانتفاضات التي بدأها عام 1987، في دلالة على رفض مطلق للاستسلام أمام آلة الحرب والقتل الإسرائيلية.
لن تموت روح المقاومة، حتى مع استشهاد السنوار، فهذا إن دلّ على شيء، فعلى أن التصفيات لا تحقق النصر لإسرائيل، ولن تستطيع فرملة الاندفاعية لمحور وضع على عاتقه الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني. لكنّ ما يجب التوقف عنده، هو أن سقوط السنوار شهيدًا، سيكون استكمالًا لمشروع المقاومة في سبيل تحرير الأرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.