شعار قسم مدونات

"ملتقى الصالحين".. اللهم أدمها عادة واحفظها من الزوال

سباق الإبل ضمن فعاليات الموسم الديني بملتقى الصالحين (الجزيرة)

تلقيت دعوة لحضور وتغطية فقرات الموسم الديني السنوي لزاوية "آسا"، الذي يقام تزامنًا مع ذكرى المولد النبوي الشريف.. دعوة سرى منها إليَّ حنين نحو أرض وموطن اجتماع أولياء الله الصالحين، فمهما حاولت أن أوزّع الحب والود بين القبائل الصحراوية بالقسطاس المستقيم، أجد نفسي أخسر الميزان، والمشاعر تنحو بعيدًا عن العدل عندما يتعلق الأمر بـ"إيتوسى".

"إيتوسى".. الشهامة والنبل والحفاوة وحسن الاستقبال، مخلوقات شكلت من طين وعسل مصفى، وأناس مازالوا إلى اليوم يحافظون على طابع البداوة العربي الجميل، طابع المروءة والنخوة، فمن أفضل منهم لاحتضان ملتقى "ملگى"، القبائل الصحراوية جمعاء؟.

ضم الموسم أروقة موضوعاتية، معارض للصناعة التقليدية والمنتجات المجالية، عروض الإبل والفروسية، عملية إعذار جماعي لصالح أطفال الإقليم

على امتداد سبعة قرون، وجريًا على العادة، دأب أبناء إقليم "آسا"، أحفاد أولياء الله المتبتلين، على تنظيم هذا الملتقى: "ملگى الصالحين"، الذي صنفته منظمة "الإيسيسكو" كتراث لا مادي مغربي خالص، والذي يعد فرصة لاجتماع القبائل الصحراوية قاطبة، لصلة الرحم، ونشر السلم والتسامح، وفض النزاعات ونبذ الخلافات.

ومن أهم طقوس "الملگى" بعد شعيرة النحيرة، استقبال الوفود، لذلك وقف السيد "رشيد التامك"، رفقة نائبين برلمانيين، ورؤساء الجماعات الترابية والمنتخبين، أعيان وأكابر ووجهاء قبيلة "إيتوسى"، بمناصب ومسؤوليات مختلفة، للسلام والترحيب بوفود القبائل الصحراوية المهيبة، وفود لها شرعية قبلية وسياسية وتاريخية واجتماعية، يممت شطر"آسا"، لزيارة "الزاوية" وإهداء رؤوس الإبل للطلبة والزوار والضيوف، وتقديم التهاني والتبريكات لممثلي الإقليم الذين ينوبون – شرعيًا – عن الساكنة، في جو اتسم بالروحانية وساد فيه السلم والأمان.

إعلان

ضم الموسم أروقة موضوعاتية، معارض للصناعة التقليدية والمنتجات المجالية، عروض الإبل والفروسية، عملية إعذار جماعي لصالح أطفال الإقليم، سهرت عليها شخصيًا، وبكل حب وكياسة ومسؤولية، كما وقفت على ذلك بنفسي، السيدة "سهام لعمارتي".

ذكرى المولد، لها قدسية خاصة في قلوب أهل الصحراء، وتنظيم ملتقى بهذا الجمال، بهذه الدقة وذاك الإبداع، أمر لا يسع محبي التراث والثقافة والتاريخ والأصالة إلا التنويه به وتثمينه

لكن أكثر ما أضفى جمالية ورونقًا على "الملكى" هو أمسيات الشعر ومجالس الذكر، فبعد أن استراح الضيوف من عناء السفر، دُعوا إلى خيمة الشعر، حيث امتزج "الهول" والطرب بالشعر الحساني، واشتد النزال بين الشعراء والأدباء الصحراويين، وفي ليلة المولد صدحت الحناجر بالأذكار، وأنشدت أبياتًا في مدح المبعوث رحمة للعالمين.

ذكرى المولد، لها قدسية خاصة في قلوب أهل الصحراء، وتنظيم ملتقى بهذا الجمال، بهذه الدقة وذاك الإبداع، أمر لا يسع محبي التراث والثقافة والتاريخ والأصالة إلا التنويه به وتثمينه، فمن الجميل مشاهدة لمة القبائل، ومن المفرح ملاحظة حرارة السلام بين كل الوفود، ومن المطمئن ارتفاع الأصوات التي يطلب بعضها من بعض "السماح"، كما هي عادة الصحراويين في كل الأعياد الدينية.

أما الأروع فهو حفل العشاء، الذي أقيم على شرف الضيوف في بيت رئيس "إيتوسى"، لما له من مكانة اعتبارية، وكدلالة على نيابته عن كل "الإيتوسيين"، في الترحيب بمن شد الرحال إلى "زاوية آسا"، في ذكرى مولد المصطفى عليه السلام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان