شعار قسم مدونات

لا.. لم تُطفأ الشمس

مؤمن البيطار
يتمنى مؤمن البيطار أن يشارك كعضو في أي مبادرة تطوعية تخدم المواطنين في غزة (مواقع التواصل)

تسيل الدماء من قدميه وساقيه بسبب الجروح، بعد تعثّره مرة تلو الأخرى في رحلة شاقة تحت وهج حرارة الصيف المرتفعة، وهو يقوم مرغمًا بحمل جالونات المياه للشرب، من مكان بعيد إلى بيته المقصوف في منطقة الشنطي غرب مدينة غزة ليساعد والده.

يتصبب العرق من أعلى وجنتيه بمقدار الجهد المبذول، ومع كل تعثر يشعر بتوقف عجلة الحياة، وكأنه يواجه وحوشًا بأنياب حادة تريد أن تنال منه، ينهض من جديد ويعاود الكرّة مرة أخرى، يدقق النظر بما حلّ به، يحدث نفسه: "كيف لي أن أكمل هذه المهمة الشاقة والصعبة، تحت وقع الصواريخ والغارات التي لم تتوقف؟".. ينهض مجددًا، ويلملم نفسه من آثار الغبار والدماء مكملًا طريقه.

مؤمن البيطار، المولود في 10 يونيو/ حزيران عام 2000، ولد كفيفًا ودرس المرحلة الابتدائية في مركز التأهيل البصري بمدينة غزة

إنه واحد من أصعب المواقف التي يمر بها مؤمن حازم البيطار، بطل فلسطين للكاراتيه، من ذوي الإعاقة البصرية، خلال الحرب على غزة.

يقول: كنت أساعد والدي في نقل الماء، كانت مهمة شاقة وكأن مرارة الحياة اجتمعت كلها في هذا العمل، فأشقائي مثلي من ذوي الإعاقة البصرية، لكني أختلف قليلًا عنهم، فأنا من دونهم أستطيع القيام بتلك المهمة، فما زلت أحتفظ ببصيص بصر، وإن كان ضعيفًا جدًا، لكنه جيد لهذه المهمة.

مؤمن البيطار، المولود في 10 يونيو/ حزيران عام 2000، ولد كفيفًا ودرس المرحلة الابتدائية في مركز التأهيل البصري بمدينة غزة، وفي المرحلة الإعدادية التحق بمدرسة النور والأمل للمكفوفين، أما في المرحلة الثانوية فدرس في مدرسة جولس.

إعلان

اِلتحق بالدراسة الجامعية في كلية مجتمع الأقصى، دبلوم علاقات عامة وإعلام، ليكمل ويلتحق ببكالوريس إذاعة وتلفزيون، وكان من المفترض أن يتخرج هذا العام، لكن الحرب كانت لها كلمتها، وتأجّل حلم التخرج والتقدم لدراسة الماجستير.

عمل ناطقًا إعلاميًا باسم اللجنة الفلسطينية للدفاع عن النفس لذوي الإعاقة، ونائبًا لرئيس نادي "خطوة وحلم"، المتخصص في رياضة الدفاع عن النفس. وعمل مذيعًا في إذاعة "أمواج" الرياضية، وقدم برنامجًا رياضيًا (أبطال الإرادة)، وكذلك شارك في عدة دورات إعلامية في مجال التقديم الإذاعي، وغير ذلك من المجالات المتعلقة بالإعلام.

كما الجميع في غزة، يخرج تحت القصف والغارات.. غالبًا ما يستطيع المواطنون أخذ بعض الاحتياجات والأوراق الرسمية.. عاد مؤمن ليؤكد أن الحروب المتكررة على غزة جعلت لديه خبرة في هذا الصدد بتجهيز الأوراق الثبوتية والرسمية

أنشبت الحرب مخالبها في غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، ومنذ اليوم الأول اشتدت حمى الغارات، يقول مؤمن: في بداية الحرب، والأيام الخمسة الأولى، كنا في بيتنا نترقب ما سيحصل، وإذ برسائل من الاحتلال الإسرائيلي تصل لي ولكافة أفراد الأسرة والجيران في المنطقة، تطالب الجميع بالإخلاء، وهذه الرسائل نتجت عنها ضجة كبيرة في الحارة التي أسكنها.

في البداية، لم نكن نصدق مضمون هذه الرسائل، ولم نستوعب الأمر، فكيف لنا أن نترك بيتنا وحياتنا وذكرياتنا؟ كيف لنا أن نترك منطقتنا التي كبرنا فيها؟ وتبقى أسئلة كثيرة عالقة بالذهن دون أي إجابة، حتى أُطلق صاروخ استطلاع خلف بيتنا.. أُجبرنا على الرحيل فورًا، وتوجهنا إلى الأقارب، ونزحنا عندهم لعدة أيام.

الجو العام كان مشحونًا بالقلق والتوتر، وفي عقله يدور ألف سؤال!. كيف يمكنه وعائلته التنقل في ظل شراسة الحرب، وخاصة أن أشقاءه من ذوي الإعاقة البصرية مثله.. يوضح: الاحتلال بدأ بإرسال رسائل مرة أخرى للخروج هذه المرة إلى خارج مدينة غزة، وقبل ذلك عرفنا أن منزلنا قد قُصف، وللحظة شعرت بأننا فقدنا كل شيء، حتى الأمان.

بعد ذلك، خرجنا باتجاه جنوبي قطاع غزة، بعد ثلاثة أيام من مغادرة البيت، وتوجهنا إلى منطقة دير البلح وسط القطاع، وبقينا أربعة أيام، ومن ثَم عدنا مرة أخرى إلى مدينة غزة، رفضنا المكوث خارج المدينة، وقررنا التعايش مع الظرف الحاصل.

إعلان

وكما الجميع في غزة، يخرج تحت القصف والغارات.. غالبًا ما يستطيع المواطنون أخذ بعض الاحتياجات والأوراق الرسمية.. عاد مؤمن ليؤكد أن الحروب المتكررة على غزة جعلت لديه خبرة في هذا الصدد بتجهيز الأوراق الثبوتية والرسمية، وبعض الأغراض الضرورية جدًا لاصطحابها عند أي ظرف طارئ، وكان القرار الأصعب بالنسبة له ولعائلته.. رغم إصرار الاحتلال على المغادرة، صمد وتحمل صعوبة الحال، وعاد مرة أخرى إلى غزة، واستطاع وذووه إحياء ما تبقى من البيت، وها هم متواجدون فيه.

حاولت أن أقوم بتفعيل حزمة إنترنت للتواصل مع العالم الخارجي، للتحدث معهم عن معاناة غزة خلال الحرب ولو بشكل بسيط، هذا منحني شعورًا مختلفًا، كان له أثر إيجابي على نفسي، ومنحني الدافع لعدم الاستسلام

  • مؤمن البيطار

اشتد حصار مدينة غزة ومحافظة شمال القطاع خلال الحرب، وفصلُهما عن محافظات قطاع غزة جعل ظروف الحياة شبه مستحيلة. يقول البيطار: أكلنا من علف الحيوانات، فلم يعد هناك مستلزمات وأغذية صحية، كانت فترة صعبة للغاية، شهدت ارتفاعًا مخيفًا للأسعار، واختفت جميع المنتجات الغذائية؛ بسبب عدم دخول هذه الأغذية والطعام من المعابر، وتحملنا مرارة الأيام وصبرنا كباقي العائلات المتواجدة في غزة.

ويفتقد المواطنون في غزة وسائل التواصل في ظل انقطاع الإنترنت، وضعف إرسال الهواتف النقالة، بسبب قصف وتدمير البنية التحتية لغزة، وأصبح التواصل مع الأصدقاء والأهل والجيران شبه مستحيل.

يضيف البيطار: التواصل كان شبه منقطع لعدم وجود الإنترنت، والاتصالات صعبة، التواصل كان شبه منقطع مع الرياضيين والإعلاميين الرياضيين والزملاء، وحاولت أن أقوم بتفعيل حزمة إنترنت للتواصل مع العالم الخارجي، للتحدث معهم عن معاناة غزة خلال الحرب ولو بشكل بسيط، هذا منحني شعورًا مختلفًا، كان له أثر إيجابي على نفسي، ومنحني الدافع للاستمرار وعدم الاستسلام.

إعلان

يتمنى مؤمن البيطار أن يشارك كعضو في أي مبادرة تطوعية تخدم المواطنين، لكنه لم يجد الفرصة، ولم تُعرض عليه أي من المبادرات.

شارك مؤمن في عدة بطولات محلية وعالمية، واستطاع الحصول على مراكز متقدمة، وتحقيق إنجازات محلية ودولية، وكذلك حصل على المركز الثالث عالميًا في بطولة دبي 2016، وشارك في بطولة آسيا الدولية في عام 2023، قبل الحرب بشهر في ماليزيا، وحصل على المركز الخامس.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان