مما لا شكّ فيه أن الذكاء الاصطناعي التوليدي – أو ما أطلق عليه "العقل الثاني" – قد أحدث نقلة نوعية غير مسبوقة في مجالات عديدة مثل إنتاج النصوص، توليد الصور، وحتى إنتاج الموسيقى.. هذه التقنيات أصبحت أكثر قدرة على إنجاز المهام التي كانت تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين. وكما يقول المثل: "أول الرقص حنجلة"، فهذا هو مجرد البداية لما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي التوليدي للبشرية في المستقبل.
هناك نقطة مهمة قد يغفل عنها كثيرون، وهي أن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تقليص قدراتنا العقلية وطمس عقولنا!
الذكاء الاصطناعي التوليدي كعقل ثانٍ
يعد الذكاء الاصطناعي التوليدي وسيلة لزيادة إبداع المبدعين وتوسيع مداركهم؛ فهو يساعد المؤلفين والكتّاب والمصممين، ويزيد إنتاجيتهم. فمثلًا، يمكن للكاتب الاعتماد على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدته على كتابة مسودة أولية لمقال، أو تحسين هيكل القصة الأدبية. هنا يكون الذكاء الاصطناعي بمثابة عقل ثانٍ أو مستشار شخصي يساهم في إبداعنا .
الذكاء الاصطناعي التوليدي طمس لعقولنا
على الرغم من كل الإيجابيات السابقة، هناك نقطة مهمة قد يغفل عنها كثيرون، وهي أن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تقليص قدراتنا العقلية وطمس عقولنا!. فقد نجد أنفسنا في حالة من الكسل الذهني وضمور الدماغ، وقد تصبح عقولنا كعقول الناس في العصور الوسطى.. فمثلًا، لماذا يجهد الكاتب نفسه في كتابة مقال، إذا كان بإمكانه سؤال "شات جي بي تي"، وهو جالس يلعب مع أطفاله؟ قد يكون ذلك مريحًا على المدى القصير، لكنه قد يضر بالقدرات العقلية والإبداعية للإنسان على المدى الطويل.
في يوليو/ تموز 2023، صدر بيان عن كبار خبراء الذكاء الاصطناعي، من بينهم مبتكر شات جي بي تي، ونشره مركز أمان الذكاء الاصطناعي، دعا فيه لجعل مقاومة أخطار الذكاء الاصطناعي أولوية عالمية، مشابهة لمكافحة الأوبئة.
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم حلولًا سريعة ومذهلة، علينا أن نتذكر أنه ليس بديلًا عن العقل البشري، بل هو مكمل له
الحفاظ على دور العقل البشري
نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي في النهاية هي أدوات تعتمد على قواعد البيانات، بقدر ما هي قادرة على توليد المحتوى، إلا أنها لا تستطيع ابتكار أشياء جديدة بشكل ذاتي. الابتكار الحقيقي يأتي من العقول البشرية التي تمتلك القدرة على ربط الأفكار المتداخلة، وتحليل الظواهر المعقدة، بطرق غير مألوفة، لتنبت لنا أفكارًا وتحليلات جديدة، فمن غير الممكن أن نترك للذكاء الاصطناعي السيطرة الكاملة على عمليّة الإبداع.
ما يمكن أن يثير القلق هو أننا قد نصل إلى نقطة يصبح فيها التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي هو الأمرَ الطبيعي، والتفكير أمرًا غير طبيعي!. العقل البشري هو كالعضلة التي لا تزدهر وتنمو إلا بالتفكير والتحليل، والتدريب والتأمل.. إذا تركنا للذكاء الاصطناعي ذلك، فقد يتضاءل دور عقولنا في هذه المعادلة.
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم حلولًا سريعة ومذهلة، علينا أن نتذكر أنه ليس بديلًا عن العقل البشري، بل هو مكمل له.
مهمتنا كأفراد هي الاستفادة القصوى من هذه الأدوات دون السماح لها بأن تسيطر على عقولنا، أو تمنعنا من تطوير قدراتنا الإبداعية.. من الممكن أن نستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع بعض العمليات، أو إعطائنا أفكارًا لتحسين العمل، لكن يجب أن نبقى في مركز عملية الإبداع، نحلل ونفكّر ونبتكر.
الحل يكمن في استخدام هذه التقنية بتوازن وذكاء، مع الحفاظ على دور العقل البشري كعنصر أساسي لا يمكن استبداله
بإيجاز، الذكاء الاصطناعي التوليدي هو قوة سلاح ذي حدَّين، ويمتلك إمكانات هائلة يمكن تسخيرها لمساعدتنا وتسهيل مهامنا، لكنه – في الوقت ذاته – يحمل في جَعبته خطرًا قد لا يكون واضحًا لكثيرين، وهو طمس العقول.
الحل يكمن في استخدام هذه التقنية بتوازن وذكاء، مع الحفاظ على دور العقل البشري كعنصر أساسي لا يمكن استبداله. وعلينا أن نستمر في تطوير قدراتنا الذهنية، والاستمرار في التفكير النقدي والتحليل، ونعتبر الذكاء الاصطناعي شريكًا لنا في هذه الرحلة الممتعة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.