شعار قسم مدونات

القراءة صندوق كنز

المرء حيث وضع نفسه، فلماذا لا تنتخب لنفسك مصاف النجوم؟ القراءة تمنحك ذلك العلوّ (الجزيرة)

لنشطح بخيالنا قليلًا: هل بالإمكان أن يكون لنا فانوس يقرأ لنا كل كتاب نريده؟!

الفكرة ضرب من الخيال، قد تتحقق قريبًا أمام معجزة التقنية الرهيبة.. في السنوات القادمة، قد نكتب عنوان كتاب، فيندلع لنا الصوت لذيذًا رطبًا بصوت بشري، يسرد لنا الصفحات، وكأنه الرفيق الدائم للضرير المثقّف الذي لا يستغني عن صاحبه. المستحيلات بدأت بالتحقق، فالإنسان الآن يطير أو يستطيع الطيران، فهل بالإمكان صناعة فانوس القراءة السحري، ليقرأ لنا كل شيء؟

لماذا الحديث عن القراءة؟ ببساطة لأن حياة واحدة لا تكفي، والكتاب يمدنا بالعديد من الأعمار والحيوات.. لنضع مفتاحًا في قفل صندوق القراءة، ونسأل: متى سنقرأ؟ ولماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ أسئلة كثيرة تحوم كالنوارس أمام هذا الصندوق الملقى في البحر، بجوار الساحل، فمن سيخطف هذا الصندوق؟ هل تعلم أن صندوق القراءة كنز عظيم غفل عنه القراصنة؟ فلماذا لا تكون قرصانًا بلون مختلف، هدفك جمع كنوز الكتب، ومعرفة أسرار العالم من خلال الاحتفاظ بهذا الصندوق المهمل؟

يا صاحبي، قد لا تصدق أهمية القراءة وأنها كنز من الكنوز التليدة، لكنني أؤكد لك أنها كذلك، وإليك بعض البرهان، وبعضه الآخر ستكتشفه أنت بنفسك، فلا غاية لنا في إثباته لمن رام الكسل

فإليك لتصل إلى هذا الكنز المنسي مع كرور الأيام، في هذا الزمن قراصنة قراءة شغلهم الشاغل انتخاب الكتب البديعة وامتصاص أرواحها، ستكتشف هذا القرصان لا لأن عينه اليمنى مطموسة، وساقه اليسرى مبتورة، بل لأنه إن تكلم تدفقت العلوم والمعارف بين راحتيه كالشلال، وكالكوثر الزاخر.

يا صاحبي، قد لا تصدق أهمية القراءة وأنها كنز من الكنوز التليدة، لكنني أؤكد لك أنها كذلك، وإليك بعض البرهان، وبعضه الآخر ستكتشفه أنت بنفسك، فلا غاية لنا في إثباته لمن رام الكسل.

القراءة عبر التاريخ لصفوة الصفوة، للملوك وأبناء الملوك، ولمن يحتاجهم الملوك، وهم العلماء والوزراء والشعراء.. أصابع يديك غير متماثلة، والناس أجناس، فمع أي فريق أنت؟ مع الراغبين في فتح الخزائن المخصوصة بالعلوم، أم مع السوقة الذين يفضلون كشّ الذباب على فتح كتاب؟

المرء حيث وضع نفسه، فلماذا لا تنتخب لنفسك مصاف النجوم؟ القراءة تمنحك ذلك العلوّ!. القراءة كنز، القراءة فانوس سحري يحقق لك ما تريد وأكثر. لو قلت لك سرًّا، هو أن لكل شخصٍ كتابًا معينًا يجب عليه العثور عليه لقراءته، ليغدو الشخص الأمثل من نسخته الشخصية.. لو قلت لك هناك كلمات مدفونة في وسط كتاب، هي جواهر معنوية، هذا الكتاب مخبأ جيدًا بين رفوف المكتبة، دون أن تعرف اسم الكتاب أو اسم المؤلف أو اسم المكتبة التي ضاع فيها كنزك.. هل كنت ستفتش عنه؟

هناك كنز مدفون بين الصفحات، هذا الكنز قد يكون صفحة فريدة، أو بضعة سطور، أو قد تكون المعلومات جواهر متناثرة في عدة كتب، عليك أن تجمعها ليكتمل العقد الفريد

قصة هذا السر خيالية ولكن قد تكون صحيحة، بمعنى أن هناك بالفعل سطورًا ذهبية لم تعرفها بعد، وإذا عرفتها فستقلب حياتك بشكل مدهش، فلماذا لا تخوض تجربة البحث؟ ستتوقف لحظة وتقول: أنا لست مجنونًا لأصرف وقتي لقصة من وحي الخيال.. وأنا أقول لك: هناك شخصية لك لم تبلغها بعد، فكيف ستصل إليها ومصباح علاء الدين مجرد أسطورة خرافية من نسج الخيال؟

الأوفق أن تفتش في عقول السابقين واللاحقين، فهي الضمانة المحتملة التي قد تصل بها إلى شخصيتك الأسطورية، والسر الذي سينقلها من واديك الفقير إلى الوادي المدهش الذي يشكل لك القفزة التي ينبغي لك أن تحققها. فإذا علمت أن السابقين رحلوا ولا سبيل لاحتلاب ما لدى الأموات، فسيكون الكتاب هو خزانة هامة تركوها لك قبل رحيلهم، أمانة الراحلين جعلتهم يدوّنون لك السر في كتاب، فلماذا لا تجرب التفتيش؟

هب أنك صرفت الكثير من الوقت في القراءة دون أن تعثر على كنزك المدفون في طيات كتاب؛ إنك لم تخسر، فلقد قضيت وقتًا ماتعًا ومفيدًا يحسدك عليه الحاسدون.. أما إذا بلغت السر، فلقد بلغت كنزك المدفون في أحد الكتب التي قد لفها الغبار، صدقني يا صديقي: إن التوحد مع الكتب له مكاسب، فالكتاب لن يؤذيك كسائر البشر، هو خير جليس، فلماذا لا تخوض التجربة؟

لنبدأ القصة معًا، هناك كنز مدفون بين الصفحات، هذا الكنز قد يكون صفحة فريدة، أو بضعة سطور، أو قد تكون المعلومات جواهر متناثرة في عدة كتب، عليك أن تجمعها ليكتمل العقد الفريد.. بالنسبة لي، جربت البقاء في المكتبة، إن أشد ما آلمني هو الغبار الذي استعصى على مقشة التنظيف، مسحت بعض الكتب بالمنديل وجلست أتأمل السطور.

لقد سقطت المكتبة على رأس الجاحظ وأزهقت روحه، ليس المهم كيف مات!. المهم كيف عاش. تذوقت بعض سطور الجاحظ فأدركت أنه علامة وإمام في الأدب وبحر زخّار

تناولت عدة كتب، لعدة مؤلفين راحلين، لم يبقَ لهم وجود، كانوا بشرًا مثلنا ولكنهم رحلوا عنا، وسكنوا القبور، وبقيت أرواحهم حبيسة في كتبهم، أتخيلهم يتحدثون ويقدمون لي ألذ الحديث، إنه جهد غزير مبذول حتى اكتمل المتن، من الغلاف إلى الغلاف، أتأمل الإهداء والتقديم، أنتقل عبر الفهرس إلى ما يعنيني، وأبحر في علوم لم أكن أعرفها، رغم أنّ الموضوع يهمني وأطلب منه الازدياد.

تمنيت أن تكون لي خلوة طويلة في مكتبة رائعة، إجازة من كل شيء، وأتوحد للقراءة، إنها لذة لا تشبهها لذة، هناك الكتاب النبيذي وهناك التصنيف العنبي، وهناك ما شابه مذاق عصير الرمان، وحلاوة العسل.. هلا خضت تجربةً لتعرُّف الطعم والمذاق!

لقد سقطت المكتبة على رأس الجاحظ وأزهقت روحه، ليس المهم كيف مات!. المهم كيف عاش. تذوقت بعض سطور الجاحظ فأدركت أنه علامة وإمام في الأدب وبحر زخّار.. رغم تباعد السنين الفاصلة، تذوقت أبيات الشعراء القدامى، وتذوقت العديد من المنوعات الكتابية، فلكل بحر مذاق، ولكل كاتب قصة وحكاية، تمنيت أن أعرف حكاية كل كاتب، للأسف.. هي أمنية مستحيلة، أو قد تكون مستحيلة، فلا الوقت يسع ولا كل الحكايات دوّنت، ومع ذلك هناك الكثير، فلماذا نضيع الوقت دون أن ندرك ذلك الجمال؟

لنعُد إلى السر الذي يعنيك وتحتاج لمفتاحه، الكنز له خارطة، والشغف والسؤال هو مفتاح ذلك الصندوق، فيا ترى ما بداخل هذا الصندوق؟ قد لا تعثر على الكتاب الذي يعنيك، ولكنك قد تجد كتابًا يعني صديقك، ويغير من بوصلة حياته للأفضل، لن تندم إذا سلكت طريق البحث عن سرك الدفين في بطن الكتب.

لماذا لا تلتحق بالقافلة قبل أن ينقضي عنك الوقت؟

أنا لم أتوصل إلى السر الذي يعنيني بعد، وقد لا أصل لكني مستمتع بالرحلة، فلماذا لا ترافقني على متن السفينة؟ التذكرة قرار إرادة وإرادة قرار، فقط كن باحثًا عما يغيرك واتخذ طريق القراءة، في هذه الرحلة ستعثر على نفائس!. عني شخصيًّا، عثرت على الكثير من الكتب الرائعة، التي تستحق القراءة غير مرة، وحاليًّا لا يهمني إذا لم أعثر على كنزي أو أسطورتي التي أحتاجها، فأنا في غمرة السرور والسعادة مع ما أحتضنه من كتب، وأتلوه من سطور.. القراءة رحلة شائقة، القراءة صندوق ثمين، فهل تمتلك الشغف لفتح الصندوق؟

قد تنسى البحث عن السر مثلي أيضًا، حينما تتذوق روعة القراءة، فإذا لم تعثر على بغيتك ستكسب معارف كثيرة ما كنت لتبلغها لولا المطالعة، فلماذا لا تلتحق بالقافلة قبل أن ينقضي عنك الوقت؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان