"كل فلسطيني مُبعد عن أرضه لديه مفتاح، وهذا المفتاح هو لمنزل أو دار أو شقة كانت فيما مضى جنته الصغيرة، ولهذا نحن نحتفظ بتلك المفاتيح علّنا نعود يوما إلى فلسطين الحبيبة، فندخل جنتنا بمفتاح لا يفارقنا أبدا".
تلك كانت كلمات مقتضبة لأحد الفلسطينيين الغزاوييين الذين وصلوا قبل أيام إلى جمهورية إنغوشيتيا الروسية، هربا من الحرب في غزة، وحضروا حفل توزيع هدايا لأطفالهم برعاية من الرئاسة في أنغوشيتيا.
الغزاويون خلال ذاك الحفل الذي كان لي نصيب أن أحضر فعالياته وألتقي بعض الإخوة الفلسطينيين، عرضوا مفتاحا كهدية وعربون شكر وامتنان للرئيس الإنغوشي محمد علي كليماتوف، وذلك تقديرا لحسن الضيافة والكرم التي عاملت بها جمهورية إنغوشيتيا ضيوفها.
الرئيس كليماتوف طلب من الوزراء المعنيين الذين رافقوه إلى الحفل، بإعداد "خطة سريعة" من أجل تأمين حاجات الضيوف الفلسطينين، وخصوصا في المجالات التربوية، لأن التعليم والمعرفة في نظر رئيس البلاد "حاجة ملحة".
صرخ أحدهم خلال الحفل: "الآن أصبح لرئيس أنغوشيتيا بيت في غزة". لكن الرئيس كليماتوف الذي إمتن لتلك الخطوة الرمزية، قال: "البيوت هي بيوت فلسطين وأهلها. سنكتفي برسم البسمة على وجوه الأطفال وهذا بحد ذاته هدية لنا ونعمة".
ثم أضاف الرئيس كليماتوف: "لنا روابط صداقة وأخوة متينة مع الفلسطينيين. روسيا بلد ضخم ولديها إمكانات جبارة سنجيرها لنصرة فلسطين. نحن في إنغوشيتيا نسير وفق الخطة الذي رسمها لنا رئيس البلاد فلاديمير بوتين، هو فتح لنا الباب ونحن نكمل ما بدأ".
وذكّر الرئيس كليماتوف بأن إنغوشيتيا وحدها أرسلت 3 طائرات مساعدات إنسانية إلى غزة، وهناك 5 طائرات جديدة تتحضر لإرسالها إلى القطاع المنكوب، وذلك عبر معبر رفح المصري.
وبعد رفضه التعليق على التقصير المعيب من جيران غزة، وقال إننا نقوم بواجباتنا الإنسانية والأخوية تجاه فلسطين وتجاه أهلها، وننفذ تعليمات الكرملين".
الرئيس كليماتوف طلب من الوزراء المعنيين الذين رافقوه إلى الحفل، بإعداد "خطة سريعة" من أجل تأمين حاجات الضيوف الفلسطينين، وخصوصا في المجالات التربوية، لأن التعليم والمعرفة في نظر رئيس البلاد "حاجة ملحة".
خلال الحفل، وفي دردشة جانبية مع وزير العلاقات الخارجية والسياسة الوطنية والصحافة والإعلام في إنغوشيتيا ميزيف رسلان إليزوفيتش، أخبرني بأن عدد اللاجئين الفلسطينيين في إنغوشيا هو قرابة 80 فلسطينيا، أبقتهم السلطات الإنغوشية في أحد الفنادق في مدينة نزران، كما أكد أن معطم الوافدين من غزة هم من الأطفال، وقد تمت تهيئة كافة الظروف لهم من أجل إقامة مريحة وآمنة.
أما تلك الوسائل فهي عبارة عن 3 وجبات يومية، بالإضافة إلى رعاية طبية دائمة تشمل الفحوصات المخبرية اللازمة لحالاتهم، وكذلك الدعم النفسي.
مع مرور كل يوم يمضونها على الأراضي الإنغوشية – الروسية، تزداد وسائل الراحة لهؤلاء اللاجئين، حيث تتقدم كل يوم جهة ما بخدمة أو بمساعدة من أجل مساعدتهم على التأقلم في مكان إقامتهم الجديد.
كانت السلطات الروسية، قد أعطت تعليماتها لسفارتها في رام الله والقاهرة، بالسماح لكل العائلات الفلسطينية الحاضرة في معبر رفح بالسفر إليها بلا استثناء، حتى ولو لم تكن أسماؤهم موجودة على اللوائح التي أعدتها القنصلية الروسية.
قبل أيام قدمت عيادة متخصصة بطب الأسنان في العاصمة الإنغوشية "ماغاس"، خدماتها من أجل معالجة أسنان كل الوافدين من قطاع غزة مجانا. كما تقوم العديد من المطاعم بدعوتهم إلى الطعام من أجل عدم إشعارهم بالغربة.
أما الأطفال فيتلقون رعاية فائقة، تبدأ بالترفيه والألعاب والرعاية في مجال الطب النفسي، ولا تنتهي بالهدايا والسكاكر والحلويات.
وتستضيف إنغوشيتيا هذا العدد من بين مئات الفلسطينيين الذين وصلوا إلى جمهوريات عدة في روسيا، ومعظمهم من أطفال ونساء مع قلة من رجال سمحت لهم السلطات المصرية بالعبور عبر رفح.
وكانت السلطات الروسية، قد أعطت تعليماتها لسفارتها في رام الله والقاهرة، بالسماح لكل العائلات الفلسطينية الحاضرة في معبر رفح بالسفر إليها بلا استثناء، حتى ولو لم تكن أسماؤهم موجودة على اللوائح التي أعدتها القنصلية الروسية.
وقد تسنى لهؤلاء الوصول إلى روسيا خلال الرحلات التي نظمتها موسكو من أجل إجلاء مواطنيها والفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الروسية. وقد تقدم عدد من هؤلاء بطلبات من أجل اصطحاب أقاربهم معهم، فلم تمانع السلطات الروسية ذلك، إذ سمحت لهم باصطحاب كل من يعتبرون بأن حياته مهددة. وعندما حطت الطائرات الروسية في مصر، استوعبت كل من طلب الرحيل مع أقاربه من دون استثناء أحد منهم.
في دردشة مع السيدة لبنى على هامش الحفل، أخبرتني بأنها كانت تشغل منصب وكيل نيابة في غزة قبل "طوفان الأقصى"، بينما زوجها الذي منع من السفر معها إلى روسيا، كان يعمل في ما مضى نقيبا في شرطة غزة
ويختزن الناجون من الهمجية الإسرائيلية الكثير من القصص حول ما حصل معهم لبلوغ الحدود مع مصر، وقد أخبرت بعض النساء الحاضرات في الحفل عن المعاملة السيئة التي حصلوا عليها من الجانب المصري، فاتهمن القيمين على المعبر المصري، بتقسيم العائلات الفلسطينية وفصل أفرادها عن بعضها البعض، فكانت النتيجة أن معظم العائلات الواصلة إلى روسيا، هي اليوم من دون آباء وفاقدة لبعض أبنائها الذين ضاعوا في القطاع أو على الحدود.
أما السيدة لبنى، فشكرت في كلمة خلال الحفل الجانب الروسي وخصوصا جمهورية إنغوشيتيا على "حسن الضيافة والكرم الكبير والحب الصادق التي تراه في عيون كل انغوشي"، لكنها قالت إن "الفرحة تبقى منقوصة مع غياب أزواجنا" مستغربة الظلم من أقرب الناس.
وفي دردشة مع السيدة لبنى على هامش الحفل، أخبرتني بأنها كانت تشغل منصب وكيل نيابة في غزة قبل "طوفان الأقصى"، بينما زوجها الذي منع من السفر معها إلى روسيا، كان يعمل في ما مضى نقيبا في شرطة غزة، مما يدلل إلى نوعية الناس المهجرة ومكانتها الرموقة في المجتمع الغزاوي الذي مزقته آلة الحرب الإسرائيلي ودفعت به إلى الشتات مجددا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.