إن الله سبحانه وتعالى جعل الصراع بين الحق والباطل خاضع للسنن الإلهية المطردة، وهي نافذة في خلقه، متحققة الوقوع، صارمة الحدوث، ثابتة لا تتبدل، ولا تتخلف، ولا تحابي أحدا، ومعرفة السنن الحاكمة للاجتماع البشري يحيي الأمل وينفي العلل، ويحارب الكسل، ويدعو للعمل.
ومن السنن الملهمة في هذا الصراع الدامي على أرض غزة البطولة ما أكدت عليه سورة الأنفال من توهين كيد الكافرين، فكيد اليهود مهما بلغت قوته، وإحكام خططه، وخطورة وسائله، وقوته النارية، وفتكه بالإنسان، فإن سنة الله الثابتة ستضعف شوكته، وتفل عزيمته، وتوهن قوته، وتكسر شكيمته، وتبطل خطته، وتحل عقدته، فإن ما يعتمد عليه العدو إنما هو الأسباب المادية والقوة العسكرية، وحبل الناس من قوى الشر في العالم، ودعمهم غير المحدود للعدوان، ومع ذلك لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم، وحسم المعركة لصالحهم، لأن سنة الله قضت بتوهين كيدهم، وإبطال تدبيرهم؛ وتعطيل تأثيره.
الجبن والخور الكامن في قلوبهم، المغروس في أفئدتهم فلا يستطيعوا القتال إلا في القرى المحصنة أو الدبابات قال تعالى: ﴿لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر﴾ [الحشر:14].
﴿ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ﴾ [الأنفال: 18] وموهن -اسم الفاعل من أوهن يوهن، وفي قراءة أخرى (موهن) اسم فاعل من (وهن) أي ضعف، ووهن وأوهن بمعنى واحد، وقراءة التشديد تفيد التكرير والمبالغة فهو توهين بعد توهين، فهي سنة إلهية ثابتة ومطردة مع عباده المؤمنين في كل معركة يلتقي فيها الحق والباطل، مادام أهل الحق قد أخذوا بالأسباب، وأعدوا ما استطاعوا من القوى المادية الممكنة، والقوة المعنوية الصلبة، فإن توهين كيد العدو يغدو أحد أهم ضمانات النصر ومعالم التأييد، ويحسم نتيجة المواجهة مع العدو لصالح المؤمنين، ومن مظاهر توهين كيد الكافرين في القرآن الكريم ما يلي:
- أن كيد العدو مستمد من الشيطان الذي يغري أولياءه ويعدهم بالنصر، والله يقول ﴿ إن كيد الشيطان كان ضعيفا ﴾[الأنفال: 76] فضعف الكيد من ضعف مصدره.
- إلقاء الرعب في قلوب الأعداء، قال سبحانه ﴿سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان﴾ [الأنفال: 12].
- معية الله مع المؤمنين، قال تعالى: ﴿وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين﴾ [الأنفال: 19].
- الجبن والخور الكامن في قلوبهم، المغروس في أفئدتهم فلا يستطيعوا القتال إلا في القرى المحصنة أو الدبابات قال تعالى: ﴿لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر﴾ [الحشر:14].
- تفريق كلمتهم وتفتيت شملهم، وإفشاء العدواة بينهم، قال سبحانه: ﴿بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾ [الحشر:14].
- أن مكرهم السيء يحيق بهم، ويعود إليهم، وسيصطلوا بناره، قال سبحانه: ﴿ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ﴾ [فاطر: 43].
- الحسرة على ضياع إنفاقهم للصد عن سبيل الله وغلبتهم وهزيمتهم في المعارك قال سبحانه: ﴿إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون﴾ [الأنفال: 36].
- ولاية الله لعباده المؤمنين وتأييده لهم، فهو يتولى الصالحين، ويخذل من يناوئهم من الكافرين، ﴿وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير﴾ [الأنفال: 40].
- أن الكفار أضعف من أن يعجزوا الله حين يطلبهم، وأضعف من أن يعجزوا المسلمين وقوة الله معهم، ﴿ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون﴾ [الأنفال: 59].
لتطمئن الفئة المؤمنة الصامدة في أرض الرباط بأن الله لن يتركهم وحدهم، وأن الله معهم، وأنهم هم المنصورون وإن جندنا هم الغالبون الذين يحققون سنته في الأرض
فالوهن الكامن في قلوب الأعداء، والضعف المخبوء في صفوفهم، ومعية الله وولايته لنا، ستجعل كيدهم في نحرهم، وتكون نتيجة الوهن تهيئهم للهزيمة على أيدينا، وإفشال مخططاتهم، ودحر قواتهم، وانحصار مشروعهم، ومن كان له بصر بتاريخ الأمم، وسنن الله، لم تخدعه ظواهر القوة، ولم يأسره مشهد الباطل المنتفش؛ فالكيد الإلهي بالكافرين قوي متين، يمهل ولا يهمل، قد يطول الأمد، ويضعف السند، لكنه حتما يأتي من مأمن، ويصيب في مقتل، ويهدم أركانهم، ويقوض بنيانهم حتى يتهاوى السقف على أهله، كما قال تعالى: ﴿قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾[النحل: 26]. والواجب علينا أمام هذا الكيد إيقاظ جذوة الإيمان في القلوب، وتجديد الثقة بربنا، والاطمئنان إلى وعده، والاستمساك بحبله المتين، والاعتصام بالكتاب والسنة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل؛ فيدمغه؛ فإذا هو زاهق ". وهكذا ينقلب كيدهم نقيض ما أرادوا وخططوا ودبروا وموهوا، كما حكى الله عاقبة كيد قوم إبراهيم – عليه السلام – به، فقال: ﴿فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين﴾ [الصافات: 98].
فلتطمئن الفئة المؤمنة الصامدة في أرض الرباط بأن الله لن يتركهم وحدهم، وأن الله معهم، وأنهم هم المنصورون وإن جندنا هم الغالبون الذين يحققون سنته في الأرض، ويعلون كلمته في الناس، ويرفعون رايته وينطلقون باسمه، ويجاهدون لحماية دينه، وصيانة شعائره، وإزالة رجس اليهود وكفرهم من الأرض المقدسة، ولن يفلت الخونة من عقابه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.