شعار قسم مدونات

رمضان يقترب.. وكذلك آجالنا

رمضان في طرابلس/ليبيا.. موائد ومسابقات وتقاليد عريقة في بلاد المليون حافظ الوثائقية
حري بنا أن نهيئ أنفسنا لاستقبال رمضان بما يليق به وبعظم الأمانة التي نحملها (الجزيرة)

مع دخولنا شهر رجب المحرم، يبدأ العد التنازلي لاستقبال أكرم الضيوف وأكثرهم بركة وفضلا ونبلا، شهر رمضان المبارك. يأتينا بسرعة مدهشة، وكأن رمضان الماضي لم ينقض عليه إلا وقت قصير. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج)، الشعور بسرعة مرور الزمان وتقاربه أمر يشعر به جميع الناس تقريبا، وكثيرا ما يكون حديث المجالس حين يُطرح أمر مر عليه زمن فيما يتخيل الناس أنه قد حدث قبل فترة قصيرة ومدة وجيزة. أيام تمضي وأعوام تنقضي من أعمارنا لتسير بنا إلى أجل محتوم وقدر مكتوب، ﴿فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ (الأعراف: 34). نتحدث عن سرعة الزمان وعن أعمارنا التي تُفنى، ثم ما نلبث إلا ونعود لتستغرقنا الحياة ومشاغلها وسبل التمتع به والتفاخر بما لنا فيها، نتحدث عن الرحلات، والأكلات الطيبة وأمور الاستثمار وأسعار العملات والعقارات وما شابه، فيما لا نذكر الهدف الذي خلقنا الله له إلا بالنذر اليسير.

كثير من الناس تستغرقه هموم الأبناء، فيعمل بكد وجهد كبير ويصل الليل بالنهار، يريد أن يؤمن لهم مستقبلهم كما يظن ويتوهم، وإن كان هذا الأمر مشروعا وربما مطلوبا في بعض الأحيان، ولكن ليس على حساب أولويات أخرى أكثر أهمية وأخطر أثرا.

يحذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين في سورة المنافقون فيقول سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون﴾ ]المنافقون: 9[، خطاب خطير، يبدأ في الإيمان وينتهي بتحذير من الخسران، الانشغال هنا يرجح أنه في المباحات فهذا دأب الذين آمنوا، ولكنه انشغال تضيع فيه الأولويات، واستغراق يُفرط فيه في الباقيات. فكيف هي أحوالنا؟ استغراق في الدنيا وتفاصيلها، وتنافس في مجالاتها وتفاخر وتباهي بمتعها وزخرفها، ﴿ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد﴾ (الحديد: 20)

كثير من الناس تستغرقه هموم الأبناء، فيعمل بكد وجهد كبير ويصل الليل بالنهار، يريد أن يؤمن لهم مستقبلهم كما يظن ويتوهم، وإن كان هذا الأمر مشروعا وربما مطلوبا في بعض الأحيان، ولكن ليس على حساب أولويات أخرى أكثر أهمية وأخطر أثرا. هل من المعقول أن نشقى لنؤمن مستقبل أبنائنا في حياة رزقهم فيها مكفول وأجلهم مكتوب ونغفل عن الحياة الباقية والتجهيز لها ولرحلة شاقة طويلة تبدأ بقبر ضيق وتمر بالبرزخ ومن بعد يوم الفزع الأكبر لتنتهي إما بفوز مبين أو بخسران كبير؟

يستعد الناس عادة لاحتفالاتهم ومناسباتهم المميزة قبل أيام وأسابيع، فتتزين الميادين والشوارع قبل أعياد الميلاد على سبيل المثال بوقت طويل، فحري بنا أن نهيئ أنفسنا لاستقبال رمضان، بما يليق به وبعظم الأمانة التي نحملها وصعوبة الرحلة التي تنتظرنا، ﴿إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا﴾ (الأحزاب: 72).

فلنطهر قلوبنا مما يشوبها مما لا يليق أن تحتويه قلوب المؤمنين من تعلق في الدنيا وحسرات عليها، ومن كل شك وشرك (خفي)، وندرب أجسامنا على الصيام من خلال صيام أيام تطوع قبل حلول رمضان، حتى لا نضيع ساعات رمضان ونحن نعاني من خلل في عادات غذائية وما شابهها، فتشغلنا عن ساعات ذكر وصحبة قرآن.

الحياة قصيرة وهي دار ابتلاء قال تعالى في سورة الملك: ﴿الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور﴾

نقترب من رمضان فيما ملحمة غزة تعيد صياغة التاريخ، والفئة المؤمنة الطاهرة والصابرة تكتب صفحات ناصعة من تاريخ أمة غاب عنها المجد قرون وخاصمها العز ردحا من الزمن، بعد أن أقبلت على الدنيا وتنافس أبناؤها عليها. وإذا كنا نرى في غزة آيات الله التي نتلوها ونسمعها، واقعا وحقائقا وسلوكا ومنهجا، فحري بنا أن نكون في رمضان كما أراد الله لنا: ربانيون من أهل القرآن وخاصته، يعيشون لهموم الأمة ويتألمون لألمها. إن الإنسان ليعلوا مكانا ويكبر مكانة بقدر ما تكبر همومه وغاياته، فلا يرضى بالظلم ولا يسكت عن الظالمين وينصر المستضعفين وينتصر للمحرومين. إن رمضان كما القرآن مدارس للمؤمنين ومدارج للسالكين، وما كان لغزة أن تصمد وأن تقارع الصهاينة في شهور بما عجزت عنه أنظمة العربية بجيوشها الجرارة أياما فحسب، لولا أن جيلا قرآنيا تربي في مساجدها، جيل كان يرى في رمضان الصيام والقيام وصحبة القرآن، وليس الخيم الرمضانية وسهرات إهدار الأوقات والانشغال في الطعام والعادات والحياة الاستهلاكية.

إن الحياة قصيرة وهي دار ابتلاء قال تعالى في سورة الملك: ﴿الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور﴾، وأن العواقب جسيمة عظيمة، خلود إما في الجنة أو في النار، قال تعالى في سورة الذاريات: ﴿ففروا إلى الله﴾.

اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا حالنا فيه مما يرضيك عنا ويسر لنا صيامه وقيامه وأعنا فيه وفي غيره على ما يرضيك عنا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان