إذن عزيزي القارئ فإن الفعل المقاوم هو فعل رافض للظلم وساع لتحقيق العدالة، تلك العدالة التي من أجلها يضحي الفرد والجماعة؛ ومن أجلها خلق الله الأرض بالميزان، وأمر عباده ألا يطغوا في الميزان ويقموا الحكم بالقسط ولا يخسروا الميزان، ما يعني أن الإنسان بغض النظر عن ديانته وعرقه، يسعى للعدالة، إذ أنه مجبول على رفض الظلم، لأن خالقه العدل يأبى أن تعيش صنعته في جور، وينهى أن يجور الإنسان على أخيه الإنسان، والعجيب في الأمر، أن الكل يسعى لتحقيق العدالة سواء كان تابعا لدين أو رافضا الفكرة من أساسها، لكن فطرته تدفعه للبحث عن العدالة وتطبيقها، والغريب أن أصحاب كل عقيدة يرون في عقيدتهم الوسيلة لتحقيق هذا المبدأ، وسواء انطلقوا من نفس النقطة، وجمعتهم نفس المشكاة، أو اختلفوا في فهم الوسائل وحرفوا فيها، فإن الفكرة في ذاتها حاضرة، ومن هنا نجد أن الفعل المقاوم حاضر بحضور الفكرة.
يبحث الجميع عن منهج فكري وتربوي، وعن منظومة حاكمة ترفع ركام قرنين من الزمن سادت فيهما قوانين الغاب، وبالبقاء للأقوى والأرقى، وهيمنة المادية النفعية على روح البشر، فلم تترك لهم مساحة للحياة
يواجه الفعل المقاوم أزمة حقيقية تحدثنا عنها في الجزء الثاني من هذا المقال، ألا وهي تزيين الفلاسفة والمفكرين وبعض رجال الدين الظلم وتصويره على أنه حق محض، ويستدلون على ذلك بأدلة وأسانيد، منها العقلي ومنها النقلي، حيث يعد لي أعمق المفاهيم وصولا للدلالات، وهي معضلة كبيرة، لاسيما وأن الفئة الظالمة لديها من الأدوات والسبل وما يستطيعون به السيطرة على العقل الجمعي، فحتى المسلمات يمكن اللعب في "إعداداتها" مع الزمن وتنشئة الأجيال على مفاهيم تخالف الفطرة السوية الرافضة للظلم، فيربى الناشئة على مشاعر إيجابية تجاه المعتدي المتسلط، ودعم وتأييد سلوك وتفكير المعتدي، والنظر إلى المقاوم بمنظور سلبي، وليس فقط عدم القدرة على المشاركة في التحرير، بل مساندة المعتدي على المعتدى عليه، تحت ذريعة الاستقرار الذي يحققه الوضع الراهن حتى مع علمه أنه وضع خاطئ، فيما يسمى بمتلازمة ستوكهولم.
يبحث الجميع عن منهج فكري وتربوي، وعن منظومة حاكمة ترفع ركام قرنين من الزمن سادت فيهما قوانين الغاب، وبالبقاء للأقوى والأرقى، وهيمنة المادية النفعية على روح البشر، فلم تترك لهم مساحة للحياة، وعندما صوّرت لهم السعادة، جُسدت في مظاهر مادية، دون حتى أن يكون لهم الحق في تملكها، فأصبح كل شيء مستأجر، ليبقى المالك هو المالك والجميع خاضعين لشروطه، فلم تعد عزيزي القارئ تستطيع شراء نسخة من برنامج التشغيل الأشهر "ويندوز" بل يمكنك تملك حق انتفاع لمدة عام، بعدها تضع الشركة الملاكة شروطها لبيعك حق المنفعة من الجديد، ولا تملك الخصوصية، فشركات الهواتف المحمولة، أو البرامج أو التطبيقات تجبرك على التوقيع مسبقا على حقها في انتهاك هذه الخصوصية، ولا تستطيع أن تملك خيار رفض لقاح ما، وإلا تغلق الحكومة عليك بطاقة المواصلات، وتمنعك من دخول دوائرها، وستقطع عنك المؤسسة التي تعمل بها الراتب حتى تقدم ما يفيد تلقي اللقاح، وهكذا، أنت مرهون لمنظومة تتعدى التنظيم والرعاية، إلى حالة انتهاك الخصوصية والاستعباد.
لقد أظهرت الرأسمالية وجهها القبيح على مدى القرنيين الماضيين، كما الشيوعية والاشتراكية، وكشفت الصهيونية عن حقيقة تعطشها للدماء وسرقة أراضي الشعوب، وهي في ذلك تتوافق في ايديولوجيتها مع الغرب المستعمر، وتبدو في الأفق أطماع بكين المختلفة في تفاصيل عقيدتها الشيوعية مع روسيا السابقة، والمتفق مع روسيا الحالية في رغباتهما نحو مزيد من النفوذ وباستغلال الشعوب ونهب ثرواتهم، وفي ظل هذا البحث المضني من الشعوب عن منظومة تنقذهم من أطماع الشرق والغرب، تربت أيادي الناس من أجل استخراج مطويات الإسلام الوسطي الذي نشر العدل بين الشعوب التي دخلها، ذلك المنهج الذي لم يفرق يوما بين أتباعه والأغيار، وساوى في الحقوق، حتى أمر عمر القبطي بأن يضرب ابن الأكرمين، كما سمى ابن عمرو بن العاص نفسه وأباه والي مصر. العالم يبحث عن الإسلام الذي يجعل المسلمين يتحملون ما يقارب المئة يوم من القصف الوحشي من الاحتلال بمساندة أميركا وفرنسا وبدعم من باقي الغرب ويصمدون.
الفعل المقاوم بجميع أشكاله أصبح واجبا، وهذا هو الوقت المناسب للبشرية للتخلص من هذه الفئة المسيطرة والمستعبدة للبشرية من أجل بيع منتجاتها وجنى المزيد من الأرباح
لقد كان الفعل المقاوم في غزة كاشفا لهمجية الغرب وأيديولوجيته التي استشعرها الغربيون أنفسهم، وتذكروا كيف لهذه الفئة الحاكمة أن تدمر كل شيء مادي ومعنوي من أجل مصلحتها، حتى أنها دمرتهم أنفسهم ودمرت فيهم الإنسانية وسرقت منهم العدالة، وأعطتهم شعارات يضحكون بها على أنفسهم، حتى أصبحوا محتلين من دون أن يشعروا، محتلون من قبل الشركات الرأسمالية التي تسرق أموالهم من خلال صناعة حاجة نفسية لمنتجاتهم الوهمية لإشباع الفراغ النفسي والعاطفي الذي يريدون إشباعه ولا يجدون في الحياة إلا المادة لإشباعها، ويسرقون أعمارهم من خلال دوامة عمل يلفون فيها ليتحصلوا على إشباع رغباتهم.
إن الفعل المقاوم بجميع أشكاله أصبح واجبا، وهذا هو الوقت المناسب للبشرية للتخلص من هذه الفئة المسيطرة والمستعبدة للبشرية من أجل بيع منتجاتها وجنى المزيد من الأرباح؛ حتى لو كان ذلك على حساب روح الله التي نفخ في خلقه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.